جريمة اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي (( الحلقة السابعة ))

 

*وكالة الأنباء العراقية أعلنت مقتل الغشمي قبل الوكالة الوطنية »سبأ«
*الجاوي نقلا عن سالمين: اتفقت مع الحمدي على توحيد العلم والشعار والسلام الجمهوري ومجلس رئاسي موحد
*بعض الرفاق كانوا مكلفين من قبل روسيا بمراقبة خطوات سالمين الوحدوية
*الملحق العسكري السعودي اتصل بخمسين من أعضاء مجلس الشورى عشية جلسة انتخاب صالح رئيسا

أحمد يحيى الديلمي

* التداعيات وردود الأفعال :
اصيب الوطن بحالة توجس كبيرة مرت شهور والشعب في حالة ذهول لم يفق من هول الفاجعة ولم يحس ببعض الاطمئنان إلا بعد اغتيال الغشمي مازلت اتذكر تلك اللحظات كان الناس يتناقلون خبر ما حدث بفرح غامر ، كنت انا والزميل الصحفي صفاء رشيد مراسل وكالة الأنباء العراقية في سيارته بصنعاء بالقرب من القيادة سمعنا الانفجار لحظة وقوعه ، كنا نسير باتجاه شعوب فغير المسار لم يقف إلا جوار باب القيادة ترجل من السيارة واتجه إلى أحد الجنود لا ادري مقدار المبلغ الذي دسه في جيبه لكن العسكري قال بطيبة وسذاجة ( الرجال انتهى مبعوث جاء من عدن بشنطة ملغومة فجرها بنفسه والرئيس ) .
بعد لحظات اضطررت إلى ترك السيارة واللحاق بالمراسل العراقي بفعل المشادة التي حدثت لأن ضابط امن القيادة كان يومها الصديق العزيز المرحوم اللواء علي قطينة أمر بإيقاف الصحفي واخذ جهاز التسجيل فتقدمت من الأخ علي وأخبرته انه مراسل لوكالة الأنباء العراقية وكان علي قطينة بعثي فاخذ كلامي على محمل الجد وأمر بإعادة المسجلة وأخلاء سبيل الصحفي ، من هذه الحادثة تصدرت وكالة الأنباء العراقية نشرات الأخبار ومانشتات الصحف لأنها حققت سبقا متفردا في نشر الخبر قبل نشره من وكالة الأنباء الوطنية «سبأ» هذه النقطة كان لابد من توضيحها لأنها أثارت جدلا كبيرا واستغرابا عن تفرد الوكالة العراقية بالمعلومة قبل وسائل الإعلام اليمنية ومنها «وكالة سبأ للأنباء» .
استنادا إلى ما أوردناه من شهادات وردود افعال على جريمة اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي كان أكثر اليمنيين اندفاعا للتعبير الواضح عن رفض ما جرى هو الرئيس الشهيد سالم ربيع علي رئيس الشطر الجنوبي من الوطن ، وصل إلى صنعاء والحزن يكسو ثنايا وجهه قال في تصريح له بمطار صنعاء ( انه لمن المخزي والمعيب ان تتلوث نفوس اليمنيين اقصد البعض منهم فتنزلق إلى مجاهل الخيانة والعمالة لتصبح اداة طيعة تحقق غايات الآخر التآمرية بالمال المدنس هذا هو ماحدث لأخي الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي وفي تقديري ان الجناة لم يستهدفوا الشهيد لشخصه لكنهم استهدفوا الوطن ) فور وصوله للمشاركة في التشييع توجه إلى منزل الشهيد إبراهيم الحمدي وقدم العزاء لأسرته ووعد بأنه لن يهدأ له بال حتى ينتقم من القتلة بعد ذلك اتجه إلى القصر الجمهوري للمشاركة في مراسم التشييع وقد شهد بنفسه ردود فعل الجماهير اليمنية الغاضبة ، لم تهب الجموع المدججة بأفتك الأسلحة في الطرقات وسطوح المنازل الحناجر تصدح بقوة وصلابة (أنت القاتل يا غشمي) ومئات الأحذية تحلق فوق الرؤوس كانت الوسيلة الوحيدة للمواطن اليمني الغاضب للتعبير عما يختلج بأعماقه لأنه افتقد زعيما وطنيا بادله الحب بالحب ، ونظرا للاحتشاد الجماهيري الكبير عند بوابة مقبرة الشهداء والجميع يُنفس عن الغضب والحزن بقذف الأحذية التي ينتعلونها في الغالب هي كل ما بحوزة الواحد منهم يقذفها وهو يعلم انه سيعود إلى المنزل حافي القدمين ، لا يهم ذلك طالما انه شفى غليله وصب جام غضبه على الجاني الذي اقترف الجريمة وخرج خلف الجنازة يذرف دموع التماسيح ويتباكى على الشهيد إلا أن صلابة الجماهير أسقطت أقنعة الزيف وأزاحت الستار عن المؤامرة القذرة واضطر الغشمي إلى سلوك طريق آخر للخروج من المقبرة ومعه الرئيس سالم هذا المشهد التعبيرى ذكره الرئيس سالم ربيع بالذات بعد عودته إلى عدن .
* المناضل الوحدوي الشهيد عمر الجاوي :
* هناك من استبق الأحداث وافشل خطة الرئيس سالم في الثأر المبرمج كان سالم ينوي الثأر ممن أمروا بتنفيذ الجريمة :
على خليفة ما نشرته صحيفة صوت العمال وصحف الحزب الاشتراكي عقب تحقيق وحدة الوطن اليمني في 22 مايو 1990م عن تفاصيل اغتيال الرئيس الغشمي بحيث أوردت اسم الشخص الذي نفذ صحفيا متمرسا الفعل فمجدت دوره واعتبرته فدائيا وهب روحه من اجل الثأر ممن اغتال الرئيس الشهيد المغدور إبراهيم الحمدي وكان الأخ الزميل محمد قاسم نعمان صحفي متمرس وصاحب فطنة يعرف مسبقا ان مجرد الخوض في نفس القضية والكشف عن دوافع الفعل سيرفع مكانه الصحيفة ويقوي حضورها في المحافظات الشمالية وهو ما حدث بالفعل لان الناس كانوا يتلهفون لمعرفة أي شيء يمت بصلة إلى الحقيقة ويحل اللغز عما حدث ؟!
• التفاصيل التي نشرت وضعت الرئيس سالم ووعوده على المحك
نظرا للحساسية الكبيرة التي تكتنف الموضوع كان لابد ان ابحث عن الطرف المشهود له بالصراحة والصلابة والوضوح ، فوقع الاختيار على المرحوم الشهيد المناضل الوحدوي الجسور صادق الانتماء للوطن والمدافع عن قضاياه الأستاذ عمر الجاوي رحمه الله ، اتصلت به فرحب بالفكرة وفي مساء نفس اليوم مررت عليه في مقر حزب التجمع بجولة سبأ فوجدته والى جواره الأخ الزميل احمد الشرعبي الذي كان آنذاك عضوا بحزب التجمع والمهندس المرحوم الشهيد حسن الحريبي الذي راح ضحية مؤامرة قذرة من قوى الظلام الموغلة في التآمر التي كان هدفها اسكات صوت الأستاذ الجاوي لكن الله خيب أمالهم وأسفرت الحادثة عن إصابة المرحوم الجاوي بجروح ، بينما اخترقت الرصاصات الحاقدة جسد المهندس الحريبي واردته قتيلا رحمه الله عليه ، وفي تلك الفترة تحركت كتائب القتل والاغتيالات واستهدفت عدداَ كبيراَ معظمهم من الحزب الاشتراكي اليمني .
نظر إلي الأستاذ الجاوي بضحكته المعهودة التي تُحيي الأمل وتبعث على الاطمئنان في النفوس وقال : اه يا احمد جئت في وقت أحنا مشغولين ( اسمع اسبق للبيت وأنا سألحق بك ) يستدرك والابتسامة لا تزال عالقة بشفاهه (ولا متشتيش تخسر لنا عشاء) بالفعل في الساعة التاسعة كان المرحوم يدق الباب ومعه الشهيد المهندس حسن الحريبي لم يفوت الفرصة انطلق في الحديث بمجرد وصوله واخذ موقعه وقال : ( يا سيدي كان المرحوم الشهيد الرئيس سالم ربيع علي عند موقفه وملتزما بالوعد الذي قطعه على نفسه أمام أسرة وأبناء الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي وما توعد به عقب مشاركته في تشييع الشهيد الحمدي دعني اروي ما سمعته منه).
قال : ( يا عمر ما حدث كان مؤامرة دولية بكل المقاييس أنا ازددت إصرارا على الثأر والانتقام من القتلة المجرمين لا يجب ان يقتصر الثأر على الفاعل المباشر بل لابد أن يطال من أمروا وخططوا وهذه دول أنت تعرفها ) .
يتوقف الأستاذ عمر عن الكلام ويطلق زفرة قوية مضيفا آه آه يا ابن الديلمي جئت لتنكأ جروح عميقة غائرة في النفس لم تندمل ولن تندمل مهما طال بي العمر سألت الرئيس سالم :
كيف ستنتقم من هذه الدول إلا ترى أن هناك صعوبة كبيرة تكتنف هذا الأمر؟ أجاب ونبرات الحزن ظاهرة في صوته ( هذا صحيح لا أخفيك كنت قد اتفقت مع الشهيد الحمدي أن نقدم على الخطوات التالية :
1 – توحيد العلم .
2 – توحيد شعارات الدولة .
3 – توحيد السلام الجمهوري .
4 – توحيد سفارات اليمن في الخارج .
5 – إنشاء مجلس رئاسي موحد تتم رئاسته بالتناوب وأنا شخصيا ترتبت عندي قناعة تامة بان الشهيد الحمدي المؤهل الوحيد لزعامة اليمن الموحد ، كان يعرف ما يريد ويحدد الأهداف السياسية التي يسعى اليها بدقة متناهية هذا ما لاحظته عنه ونحن في مؤتمر دول عدم الانحياز بكولمبو ، للأسف استطاعت القوى الرجعية والرأسمالية الوصول إلى الحمدي والوطن وكل اليمنيين كانوا بأمس الحاجة إليه .
يقول الأستاذ عمر قاطعته بحده أنا سألتك عن كيفيه الانتقام من دول مثل السعودية وأمريكا وبريطانيا وإذا بك تلقي على مسامعي أشياء سبق ان سمعتها ضحك وأجاب آه آه ياعمر حتى الرفاق في الاتحاد السوفيتي أفزعتهم الخطوات التي كنا ننوي الأقدام عليها المشكلة ان عملاء الداخل توحدوا في المسارعة إلى أبلاغ أسيادهم وهذا هو بيت القصيد فإذا كانت تلك الدول قد اغتالت الحمدي في أطار مخطط دولي مشبوه واستبدلوه بشخص عاجز ودخيل على الحياة السياسية فكيف سنتصرف معهم من اجل هذه الغاية أقنعت الغشمي بأنه لن يظفر بحب اليمنيين ولن يدخل التاريخ إلا أذا مضى على نفس المسار الوحدوي ووعدته بأنه سيكون الرئيس لليمن الموحد ولا زلت على اتصال مباشر معه وقد قطعنا شوطا كبيرا في هذا الاتجاه إلا أننا اضطررنا إلى التأجيل عندما عرفنا أن هناك معلومات تسربت إلى الخارج مما ضاعف قلق السعودية ووضعت الغشمي تحت المجهر بدعوى حمايته والحفاظ عليه من انتقام أتباع الحمدي وأنا أيضا أحس بان روسيا أوعزت إلى بعض الرفاق بمراقبة تصرفاتي بالذات ما يتعلق بأي تقارب مع الشمال ، لذلك طلبت من الغشمي ان نتحرك بحذر وفي نطاق محدود وقريبا ان شاء الله سأبعث إليه بالخطة النهائية للتنفيذ) انتهى كلام المرحوم الرئيس الشهيد سالم لكني عرفت ما يرمي إليه فأن نجح في المسعى سيوجه ضربه قوية للدول التي شاركت في اغتيال الشهيد إبراهيم وفي كلتا الحالتين النجاح أو الفشل ستندفع نفس القوى إلى الانتقام من الغشمي والخلاص منه ، وهنا يتحقق الثأر وبالفعل في ذلك اليوم ابلغ الرئيس سالمين الغشمي بأنه سيوفد إليه شخصا موثوقا ومعه تفاصيل الخطة ، إلا أن الطرف المترجم لإرادة الاتحاد السوفيتي وجد الفرصة للخلاص من الاثنين معا الغشمي وسالمين فقام باعتقال جاعم صالح المبعوث الأصلي لسالمين واخذوا الخطة التي يحملها واستبدلوه بشخص آخر هو الذي تحدثت عنه الصحف وهو الذي نفذ مهمة الاغتيال أما جاعم صالح فقد تمت تصفيته جسديا بعد ذلك ، وجدت نفس القوى الفرصة للخلاص من الرئيس الشهيد سالم ربيع علي بحجة انه اغتال الغشمي .
بعدها أصدرت اللجنة المركزية بيانا رسميا حملته مسؤولية اغتيال الغشمي وهكذا طويت صفحة الرئيس سالم الذي اختلفت معه كثيرا لكني أوافق رأي الشارع في الجنوب بأنه اصدق من حكم لأنه يحمل القيم اليمنية الأصيلة ، لذلك حينما اطمأن إلى الشهيد الحمدي اختارا طريق الوحدة والحرية وسعيا معاً إلى امتلاك أداه الفعل واستغلا استقلالية القرار اليمني ، مع أني كنت لا اتفق مع الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وطالما وجهت نقدا لاذعا إلى السياسية التي كان ينتهجها خاصة المواقف الارتجالية والخطوات غير المدروسة مع ذلك أرى ان القوى الرجعية المعادية لليمن والدولة سددت ضربة قوية إلى خاصرة الوطن فأعادت البلاد إلى الوراء نصف قرن من الزمان كان الظرف التاريخي معقدا تكتنفه الحساسية مما جعل الحمدي صمام أمان خاصة بنزعته الاستقلالية وحماية السيادة الوطنية بما في ذلك إصراره على إعادة تحقيق وحدة الوطن كأغلى هدف يسعى إليه كل يمني مخلص صادق الانتماء للوطن) «انتهى كلام الجاوي».
* المرحوم عبد العزيز عبد الولي
في ذات السياق قال الأستاذ عبدالعزيز عبد الولي وزير التخطيط والتعاون الدولي في الشطر الجنوبي سابقا بعد سماع كلمة الغشمي التي افتتح بها المؤتمر الأول للتنمية الذي عقد في صنعاء عقب اغتيال الحمدي وكانت الدعوة لحضوره قد وجهت من قبل الرئيس الحمدي وكان المفترض أن يحضره رؤساء دول وشركات كبرى إلا أنهم اعتذروا عن الحضور بعد أن تم اغتياله ، اقتربت من الرجل سألته باعتباره رئيس وفد جنوب الوطن كيف تقيمون نتائج اليوم الأول من المؤتمر وعن مستوى الحضور التفت إليّ وهو يضحك كنت قد تعرفت عليه في منزل الأستاذ المرحوم محمد عبد الوهاب جباري وفي منزل الأستاذ المرحوم عبدالله حمران قال اسأل الأخ محمد يقصد الأستاذ محمد سالم باسندوه وزير التخطيط في الشمال آنذاك انحنى وهمس في أذني ( تقل الغشمي سيستمع إلى كلامه عندما يعود إلى البيت لو فعل ذلك لعرف حجم الكارثة التي ارتكبها في حق اليمن إلى متى سيظل موال الاغتيالات والسحل يجهض الأحلام حتى البسيطة ) الآن افتح آلة التسجيل وأضاف أتدري لماذا قلت اسأل الأخ محمد لأننا حضرنا معا الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين كان الوزراء يخلطوا بيني وبينه وكلهم يعتذرون عن حضور المؤتمر ويعلنون صراحة ان حادثة اغتيال الحمدي والأسلوب البشع في اقتراف الجريمة افزع دولهم قبل القلق والحسرة على المستوى الشخصي ولا يخفون بان الصورة التي استطاع الحمدي ترسيخها في أذهانهم خلال فترة حكمة القصيرة لوثها الدم وتشوه بريقها ومن الصعب ان يعود ذلك البريق خلال فترة زمنية منظورة ، اي أني والأخ محمد سالم عشنا لحظات صعبة وسمعنا من الكثير مبررات الاعتذار عن الحضور وهذا فقط ما اسعفتني به الذاكرة ولا يمثل سوى 40% من الكلام الجارح وكل عبارات اللوم والعتاب التي استمعنا إليها كادت تحدث بيني وبين وزير المالية السعودي محمد أبا الخيل مشادة أثناء ردي على استفسار وزير الاقتصاد الهندي ، اقترب منا الوزير السعودي قلت وأنا اضحك إذا أردت الحقيقة كاملة ستجدها لدى هذا فهو وبلاده مسؤولون بشكل مباشر عن الجريمة النكراء ، اكفهر وجه الوزير آبا الخيل ورد بكلمات نابية لم أقوى على تحملها تحركت باتجاهه لتأديبه إلا أن الدكتور الوزير محمد العمادي وزير الاقتصاد السوري شدني بعيداً وقال لا تأبه بكلامه كلامك اثر فيه لأنه كان القشة التي قصمت ظهر البعير ، فلقد تعرض لأسئلة جارحة وهو يحاول الدفاع عن بلده ويقسم أيمانا مغلظة ان بلاده ليست ضالعة في حادث اغتيال الرئيس الحمدي وان ما جرى شأن يمني لا علاقة لبلاده به ، لكنه فشل تماما في أقناع كل من سأله من وفود معظم الدول كانت كلماته تقابل بالازدراء والسخرية حتى من السيد مكن مارا رئيس البنك الدولي الذي ستنتهي ولايته لأنه كان عائداً للتو من اليمن والتقى الشهيد الحمدي وأعجب بثقافته واتساع افقه ، لذلك جاء كلامك والرجل على أعصابه مما جعله يفش غله فيك ، أرجوك تحلى بالصبر حتى لا تتحول إلى موضوع للتندر وافقت الصديق الدكتور العمادي وانسحبت من المكان ، وخاطبني قائلا : يكفيك ما أسلفت الآن دعونا للغداء يستدرك قائلا :صدقني لو أن المجرمين تركوا الحمدي يعيش حتى انعقاد هذا المؤتمر لكان الحضور اكبر وعلى درجة عالية من الأهمية لا أبالغ إذا قلت انه كان سيمثل أعظم ظاهرة تشهدها المنطقة في الزمن الراهن .
* السعودية قررت الخلاص من الغشمي
هناك معلومة غاية في الدقة والأهمية تقول أن السعودية كانت قد اتخذت قرار الخلاص من الرئيس الغشمي وأنها كانت قد استدرجت المقدم علي عبدالله صالح وأصبح رجلها الأول بدلا عن الغشمي ، وهو ما آثار شكوك الغشمي ورغم أن صالح كان يقوم بمهام ومسؤوليات كبيرة إلا أن الغشمي لم يسند إليه أي مسؤولية كانت تصرفات صالح أكثر من غريبة يتصرف ويصدر التوجيهات كأنه الرجل الثاني بعد الغشمي ، إلاّ أنّ المنصب المرادف لاسمه ظل نفسه قائدا للواء تعز كما كان وضعه قبل الانقلاب فالرجل كان يلعب دور الغشمي في زمن الحمدي في غضون ذلك تفيد الرواية أن صالح كان سيتولى الخلاص من الغشمي في حال فشل المندوب القادم من الجنوب إذا صدقت المعلومة السابقة فإنها تفسر سبب صعود صالح المباغت إلى واجهة الإحداث والوصول إلى رئاسة الجمهورية .
* السعودية توظف المال والقوة لفرض صالح في الرئاسة
طالما أننا بصدد أجلاء الحقيقة وإثباتها لذاتها مهما بلغت مراراتها أو تعارضت مع الرغبات والإرادات المجافية لمضامينها الصادقة فان الأمر يتطلب التعاطي بوعي ومسؤولية وتجرد ، في هذا الصدد أجد من الأهمية بمكان توضيح الصورة عن نقطة هامة تتعلق بصعود الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح إلى السلطة بعد اغتيال الغشمي لأن هذه النقطة ظلت تطرح في وسائل الإعلام المحلية وانتقلت إلى الإعلام الخارجي ومفادها أن السلطة فرضت على الرجل فرضاً وانه الوحيد الذي قبل بتحمل المسؤولية في تلك الظروف الصعبة وان قبوله بالمنصب كان تضحية وبطولة نادرة لأنه حمل رأسه في يده وقبل بالمهمة هذا الكلام ظل المواطن اليمني يستمع إليه ثلاثة عقود من الزمن ولا يزال البعض يردده مقتنعا بمصداقيته بل ويتصدى للدفاع عنه كمسلمة من المسلمات التي لا تقبل التشكيك والنقاش .
الحقيقة أني أتحدث عن الموضوع كشاهد أثبات حضرت سيناريوهات التنصيب وما سبقها من كولسه والدور الذي لعبه الملحق العسكري السعودي صالح الهديان لانجاز مهمة التنصيب من خلال المرور على أعضاء مجلس الشعب التأسيسي في نفس الليلة التي سبقت مسرحية الانتخابات وكان عددهم 56 عضواً قبل توسيع العضوية لم يستثن من العدد سوى خمسة أعضاء كما أوضح لي ذلك الأخ عبدالرحمن مهيوب أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي قطر اليمن وقد وصف العملية بأنها تمت بطريقة ساذجة جداً ومكشوفة ومما اشتمل عليه السيناريو الذي تولى الأشراف المباشر عليه الملحق العسكري السعودي بصنعاء صالح الهديان بما في ذلك الزيارة الليلية إلى منازل معظم الأعضاء وتسليم المبالغ النقدية كرشوة لحسم الأمر بسرعة والتصويت لصالح علي عبدالله صالح، وفي صباح اليوم التالي عقد المجلس جلسته التي بدأت بكلمة للقاضي المرحوم عبدالكريم العرشي الذي تحمل مسؤولية البلاد لمدة 21 يوما عقب اغتيال الغشمي بعكس الأخبار التي روجت في الشارع وأفادت بان القاضي خاف وانصاع لرغبة أسرته وأخافته دموع بناته اللاتي ودعنه بالنحيب وطلبن منه عدم الترشح بعكس هذه الإشاعات الزائفة فقد ألقى كلمة رصينة ضمنها ترشيح نفسه واستعداده لتحمل المسؤولية وناشد الأعضاء أن يحسنوا اختيار الشخص القادر على تحمل أعباء المسؤولية وإخراج البلاد من المأزق الخطير الذي ترزح في ظله ، هذا الكلام بادر احد الأعضاء فابلغه إلى صالح مما اضطره للحضور إلى المجلس وانتظار القاضي في فنائه خاطبه بلهجة حادة عاتبه فيها على الكلمات التي وردت في خطابه واعتبرها تعريضاً به وقال كما وعدتك ستظل على رأس هذا المجلس والرجل الثاني في الدولة ، بعد ان نطق هذه الكلمات غادر المكان وبالفعل عقد المجلس جلسة صورية للاختيار ملتزماً بنتائج الكولسه المسائية التي كان الرئيس صالح قد استبق الأحداث باستدعاء الأستاذ علي العلفي رئيس تحرير صحيفة الرأي العام والإغداق عليه بمبلغ مالي مجز وطلب منه إصدار الصحيفة في وقت مبكر صباح اليوم التالي يتصدرها خبر انتخاب المجلس للعقيد علي عبدالله صالح ، وبالفعل قبل ان يصل الأعضاء إلى المجلس ويلتئم الاجتماع وزعت الصحيفة يتصدرها مانشيت عريض يقول: مجلس الشعب التأسيسي ينتخب صباح اليوم العقيد علي عبدالله صالح رئيسا للجمهورية وقائداً عاما للقوات المسلحة بالإجماع وفي تفاصيل الخبر نبذه تعريفية عن الرئيس الجديد، وهنا ملاحظة كان العرشي في فترة ولايته قد اتخذ قرارين فقط :
الأول : قضى بتعيين علي عبدالله صالح نائبا للقائد العام ورئيسا لهيئة الأركان .
والثاني : قضى بترقية صالح إلى رتبة عقيد .
مما جعل مراسلي الصحف ووكالات الأنباء الأجنبية تهتم بالصحيفة وتنقل الخبر عنها قبل إعلانه رسميا من وكالة سبأ للأنباء المصدر الرسمي للأخبار ما لم ينتبه له المرحوم العلفي أو من صاغ الخبر أن هناك مفاجآت ستحدث وتمثلت في رفض الأستاذ محمد عبد الرحمن الرباعي وعدم تصويته على الاختيار ، إضافة إلى أن المرحوم علي سيف الخولاني امتنع عن التصويت هذا ما حدث بالفعل وكنت شاهد إثبات عليه كوني مراسل وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» في المجلس وأنا من أكدت للصحفيين صحة المعلومات المنشورة في صحيفة الرأي العام باستثناء رفض الرباعي وامتناع الخولاني وقد شكل نقطة ايجابية هامة جعلت وسائل الإعلام الأجنبية تركز عليهما أكثر من الخبر ذاته ، موقف الرفض دفعه الرباعي غاليا ، وبلغ العقاب إلى حد إبعاده عن المجلس بتعيينه سفيراً لليمن في مملكة هولندا لأنه لم يكتف برفض التصويت لكن مواقفه وأفكاره المتسمة بالصراحة والوضوح ظلت مثار قلق وإزعاج للقيادة السياسية خاصة ان معه عدد من المسؤولين في الدولة والقوى الوطنية كانوا قد اتفقوا على مشروع وضع الإطار العام للدولة بما يساعد اليمن على الاستقرار واستكمال البناء المؤسسي للدولة وكان أكثر ما اغضب الرئيس علي عبدالله صالح في المشروع الفقرة التي طالبت بالفصل بين مؤسسة الرئاسة والقوات المسلحة والأمن واقترحت إنشاء وزارة للدفاع وتعيين وزير قادر على تحمل أعباء المسؤولية ، الموقف أزعج الرئيس علي عبدالله صالح سمعته الانزعاج منه شخصياً فقد نقل إليه المرحوم الدكتور عبدالله بركات الوثيقة وهي لا تزال بخط اليد وفي اليوم التالي كنت في مقيل المرحوم الأستاذ حسين عبدالله المقدمي وإذا بالرئيس صالح يتصل به ويعاتبه عتاباً قاسياً لأن الاجتماعات تمت في منزله وهو ما جعله يقول ( أنت وطني مخلص كيف تسمح للرباعي والفسيل يزيدوا عليك وكلام لاداعي لذكره) المهم أن المرحوم صالح استاء ورفض المشروع واعتبره مؤامرة ضده .
اقتضى السياق التطرق إلى هذه المعلومة لتوضيح الحقيقة التي سبق ان نشرت بعضها في صحيفة الثورة ولم ينكرها أو يعترض عليها احد حتى الرئيس صالح وهناك معلومات مكملة للرواية ، من يرغب الاطلاع عليها موجودة في الجزء الثاني من مذكرات المرحوم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر .
سأعود إلى المعلومة الأخيرة التي أججت العداء بين الرئيس والأستاذ الرباعي إلى أن تم إقصاؤه إلى هولندا هذا الأمر مبعثه ثقافة الكيد وتأويل النصوص وفقا للأهواء وقدرات الفهم لا لشيء فقط لأنها صدرت عن خشية المعارضين بالذات من كانوا على صلة بالإخوان المسلمين أن يحظى الموقعون على الوثيقة باهتمام الرئيس فيكونوا سببا للانقلاب عليهم ومنعهم من تحقيق المكاسب التي يتطلعون إليها .
أخيرا أرجو أن أكون قد وفقت في إزالة الغموض عن ذلك الحادث المؤلم واعتذر من كل من وردت أسماؤهم سلباً أو إيجابا وأتمنى لو كان لدى احدهم تصحيح لمعلومة أو إضافة جديدة أن يتواصل معي وأنا على استعداد لتصحيح أي خطأ والاعتذار البالغ لكل من يحُس أني ظلمته وسأكون شاكرا له وأتعهد بإنزال أي ملاحظة في طبعة جديدة في نفس الكتاب الذي انوي إنزاله ،وأخيرا أرجو أن يرتقي الجميع إلى أعلى مستوى من الوعي والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن من خلال تصحيح المفاهيم وعدم السماح لكل ظواهر الشك والريبة أن تنتقل إلى الأجيال القادمة لأنها ستمثل عامل إرباك وإحباط وقد تؤدي إلى عواقب وخيمة إذا تأججت في النفوس وأججت رغبات الثأر والانتقام لا سمح الله خاصة عندما تتحول إلى أفكار وقناعات ممنهجة لاستهداف الواقع .
واختم بقول الخالق سبحانه وتعالى :
( قُلْ هَ?ذِه سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى? بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف (108)
وقوله تعالى :
( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى? وَلَ?كِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يوسف (111)

وبقية التفاصيل في الملحق الخاص ببعض الأحداث إن شاء الله .

قد يعجبك ايضا