اليمن بعد مقتل الخاشقجي.. صحوة ضمير أمْ صفقة أمريكيّة؟

 

كاتيا عواضة

26 مارس 2015م بدأت الحرب السعوديّة على اليمن تحت اسم عاصفة الحزم بقيادة السعوديّة وبمشاركة تحالف خليجي عربي. ومنذ ذلك التاريخ ووسائل الإعلام تنقل بشكلٍ مباشر أفظع وأبشع الجرائم بحقّ الإنسانيّة: آلاف الشهداء والجرحى، آلة حرب تُدمّر كل ما تراه أو يقف أمامها من بشرٍ أو شجرٍ أو حجرٍ، مُستخدمةً كل أنواع الأسلحة المُدمّرة والفتّاكة والمُحرّمة دوليّاً اشترتها السعوديّة من الولايات المتّحدة الأميركيّة بقيمة 20 مليار دولار، ومن فرنسا بقيمة 500 مليون دولار ومن المملكة المتّحدة بقيمة 4 مليارات دولار.
كما وكشفت مصادر مُقرّبة من لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأمريكي عن استخدام القوّات السعوديّة أسلحة إسرائيليّة الصُنع في حملتها العسكريّة على اليمن، خصوصاً في هجومها على مدينة الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيّون. وقد زوّدت “إسرائيل” سلاح الجو السعودي بقنابل وصواريخ مُحرَّمة دوليّاً في قصفه المحافظات اليمنيّة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين بهدف تجربتها، والوقوف على قدرتها التدميريّة ومدى تأثيرها على البشر، وأنّ القوّات البحريّة السعوديّة تسلّمت هذه الأسلحة الإسرائيليّة باعتبارها أسلحة أمريكيّة.
استمرّت هذه الحرب وما زالت زهاء الأربعة أعوام وقد وثّقت هيومن رايتس ووتس الغارات السعوديّة واعتبرتها عشوائيّة وغير مناسبة، مُحدّدة الخسائر البشريّة وأماكن الاستهداف من مخيّمات للنازحين ومدارس ومستشفيات وأسواق ودور عبادة ومحطّات توليد طاقة ومصانع ألبان ومياه، مُستخدمةً بذلك الذخائر العنقوديّة وهي أسلحة عشوائيّة تُعرّض المدنيين للخطر على المدى الطويل وهي مُحرَّمة دوليّاً.
انطلاقا ممّا تقدّم تكون السعوديّة منذ العام 2015 قد انتهكت كل الأعراف والمواثيق الدوليّة، وارتكبت أبشع المجازر ضدّ الإنسانيّة باستخدامها مختلف الأسلحة وبدعمٍ من أميركا وفرنسا والمملكة المتّحدة. ولم تكن الولايات المتحدة الأميركيّة سوى شريكاً فعلياً لتلك الحرب الغاشِمة. إلى أن جاء مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي ليشكّل مأدبة دَسِمة للولايات المتّحدة الأميركيّة. فلقد واجه المُجرِم محمّد بن سلمان حملة شرسة من قِبَل وسائل الإعلام الغربيّة لا سيّما الأميركيّة على مقتل الخاشقجي.
استفاق الجميع فجأةً. دعا وزير الدفاع الأميركي إلى وقف إطلاق النار في غضون 30 يوماً. وتبنّى المطلب ذاته وزير الخارجيّة الأميركيّة الذي طالب التحالف الذي تقوده المملكة العربيّة السعوديّة بوقف كل الغارات الجويّة في المناطق المأهولة فوراً. أضف إلى إعلان المبعوث الدولي إلى اليمن التزامه بجمع جميع الأطراف اليمنيّة حول مائدة المفاوضات في غضون شهر. أمّا وزارة الدفاع الفرنسيّة فلقد دعت لتوقّف الحرب في اليمن مُستنكرةً الأزمة الإنسانيّة واستمرارها.
مارك لوكموك مساعد الأمين العام للأمم المتّحدة أكّد أنّ 14 مليون يمني على حافّة المجاعة ، وأنّ الوفيّات من جرّاء سوء التغذية وانعدامها تتضاعف في صفوف الأطفال ، خاصةً في ظلّ انعدام شبه كامل للعناية الصحيّة ومواجهة الأوبئة وعلى رأسها الكوليرا.
أمّا نتنياهو، فلقد علّق على مقتل الصحافي الخاشقجي بقوله “إنّ ما حدث في القنصليّة في إسطنبول كان فظيعاً ويجب التعامُل معه بشكلٍ صحيح ، لكن في الوقت نفسه أقول إنّه من المهم جدّاً الاستقرار للمنطقة والعالم ، وأن تبقى المملكة العربيّة السعوديّة مُستقرّة ويجب أن نجد طريقة لتحقيق كلا الهدفين”.
تصاريح تحمل في طيّاتها مُخططاً صهيو أميركياً واضح المعالم في المنطقة قائم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل برعاية سعوديّة، وتظهر فيه الولايات المتّحدة بمظهر المُدافِع عن حقوق الإنسان وحريّاته. مواقف ليست للدفاع عن اليمنيين وأرواحهم وليست للمُطالبة بمُعاقبة المُجرمين وإحالتهم للمحكمة الجنائيّة الدوليّة، نتيجة للجرائم التي ارتكبها محمّد بن سلمان بحق الإنسانيّة في اليمن، إنّما صفقة أميركيّة جديدة على حساب العرب، وستكون اليمن فيها صفقة العُمر بالنسبة للمشروع الأميركي ستتحدّد ملامحها في المستقبل القريب، تنازلات سيُجبَر محمّد بن سلمان على تقديمها مقابل الحماية الأميركيّة لبقائه، أهمّها: خفض ثمن برميل النفط، استثمارات وشراء أسهم في شركات عملاقة كأرامكو، إعادة النظر بالعلاقة مع قطر حيث توجد أصول غاز هائلة وقاعدة عسكريّة أميركيّة ضخمة، تقاسم السلطة بين محمّد بن سلمان وأخيه ، ووقف الحرب في اليمن باعتبار أنّ أميركا أمّ الإرهاب باتت أمّ الديمقراطيّة والسلام. ناهيك عن المطالب التركيّة التي ستؤرِق محمّد بن سلمان. فالورقة الرابِحة بيد ترامب وإردوغان.
لقد طال أمد الحرب على اليمن ولم تحقّق أهدافها بالرغم من توقّعات الكثيرين بحسمها في غضون أسابيع. ولكن لم يكن في حسبان هؤلاء أنّ في اليمن شعباً تاريخه حافل بالبطولات وإلحاق الهزائم بأيّ معتدٍ غازٍ لأرضه.
قُتِلَ الخاشقجي، استفاق الضمير الكاذِب للغرب. قد تتوقّف الحرب على اليمن، ولكن مَن سيُحاسب محمّد بن سلمان على جرائمه؟
* كاتبة لبنانية

قد يعجبك ايضا