التوبــــة النصــــوح

‮> ‬قال الله سبحانه وتعالى‮: “‬يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا‮ ‬عسى ربكم أن‮ ‬يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري‮ ‬من تحتها الأنهار‮” ‬سورة التحريم الآية‮ – ‬8‮ .‬
تناول القرآن الكريم موضوع التوبة في‮ ‬أكثر من ثمانين موضعاٍ‮ ‬إضافة إلى المئات من الآيات الكريمة التي‮ ‬تتناول رحمة الله ومغفرته‮ ‬وذلك رأفة بعباده ومحبة لهم‮ ‬وهذه الآيات الكريمة تعالج موضوع المذنبين العاصين ليفتحوا صفحة جديدة في‮ ‬علاقتهم مع الله سبحانه وتعالى وليجدوا الله‮ ‬غفوراٍ‮ ‬رحيما”وإني‮ ‬لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاٍ‮ ‬ثم اهتدى‮” ‬سورة طه الآية‮- ‬82‮ .‬
والمراد بالتوبة‮: ‬الرجوع عن الذنب‮ ‬والمراد بالتوبة النصوح‮: ‬التوبة الصادقة‮ ‬أي‮ ‬الرجوع عن الذنب بصدق وعزيمة من دون خداع ولا تردد‮ ‬ولهذه التوبة شروط لا بد من توفرها مجتمعة حتى تعتبر توبة نصوحاٍ‮ ‬وهي‮:‬
1‮- ‬الإقلاع‮ ‬عن المعصية أي‮ ‬الابتعاد عنها وتركها‮: ‬فمن كان‮ ‬يلعب القمار‮ ‬على سبيل المثال‮ ‬يتوجب عليه ترك هذا اللعب‮ ‬ومن كان‮ ‬يشرب الخمر عليه ترك شرب الخمر‮ ‬ومن كان مرابياٍ‮ ‬عليه ترك الربا‮ ‬وهكذا‮ .‬
2‮- ‬الندم على فعل المعاصي‮: ‬أي‮ ‬يندم التائب على ارتكابه للمعاصي‮ ‬التي‮ ‬سبق أن صدرت عنه‮ ‬فالتائب الذي‮ ‬يحس بالندم والحسرة تكون توبته صادقة‮ ‬بينما الذي‮ ‬يميل ويحن إلى ذنوبه ويتوق إليها هو إنسان كاذب خادع في‮ ‬توبته‮ .‬
3‮- ‬عدم العودة إلى مثلها‮: ‬أي‮ ‬أن‮ ‬يعزم ويصمم على ألا‮ ‬يعود إلى ارتكاب المعاصي‮ ‬والذنوب‮ .‬
4‮- ‬إعادة الحقوق إلى أصحابها‮: ‬ذلك إذا كانت المعصية تتعلق بحق من حقوق العباد كالسرقة والاعتداء على أملاك الآخرين والإساءة إليهم باللسان أو باليد وهكذا فينبغي‮ ‬على التائب‮ ‬أن كان سبق وأن سرق‮ ‬أن‮ ‬يرد المال إلى أصحابه‮ ‬وإن كان قد أتلف ممتلكات‮ ‬غيره أن‮ ‬يعوض أصحابها عنها‮ ‬وإن كانت فعلته‮ ‬غيبة ونميمة أو إهانة طلب العفو والمسامحة ممن اعتدى عليهم وهكذا‮ .‬
والسؤال‮: ‬إذا كان التائب لا‮ ‬يعرف صاحب المال المسروق فكيف‮ ‬يتصرف¿
والجواب‮: ‬أن‮ ‬يتصدق بقيمته على الفقراء والمحتاجين لتبرأ ذمته‮ ‬وينبغي‮ ‬على المذنبين والعصاة أن‮ ‬يسارعوا في‮ ‬الاستغفار والتوبة وألا‮ ‬يسوفوا ويؤجلوا حتى لا‮ ‬يدركهم الموت فجأة ولات ساعة مندم‮ ‬وذكر علماء التوحيد حالتين لا تقبل فيهما توبة بالاستناد إلى النصوص الشرعية وهاتان الحالتان هما‮:‬
1‮- ‬حين احتضار الإنسان لقوله سبحانه وتعالى‮: “‬وليست التوبة للذين‮ ‬يعملون السيئات‮ ‬حتى إذا حضر أحدهم الموت قال‮: ‬إني‮ ‬تبت الآن‮ ‬ولا الذين‮ ‬يموتون وهم كفار‮ ‬أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما‮ (‬سورة النساء‮- ‬الآية‮ ‬71‮) . ‬وقوله عليه الصلاة والسلام‮: “‬إن الله‮ ‬يقبل توبة العبد ما لم‮ ‬يغرغر‮” – ‬روه ابن ماجة والترمذي‮ ‬عن الصحابي‮ ‬الجليل عبدالله بن عمر رضي‮ ‬الله عنهما‮ . ‬والغرغرة هي‮ ‬الاحتضار حتى الموت‮ . ‬وبما أن الإنسان لا‮ ‬يعلم متى سيدركه الموت فينبغي‮ ‬عليه أن‮ ‬يسارع في‮ ‬التوبة وأن‮ ‬يكون جاهزاٍ‮ ‬للامتحان في‮ ‬أي‮ ‬لحظة فلا مجال للانتظار والتسويف فالسعيد من اتعظ بغيره‮ ‬والشقي‮ ‬من اتعظ بنفسه‮ .‬
2‮- ‬حين طلوع الشمس من مغربها‮: ‬أي‮ ‬حين‮ ‬يتوقف قبول الأعمال ويتوقف تدوين الحسنات والسيئات فلا مجال حينئذ للتوبة والمعلوم أن طلوع الشمس من مغربها من العلامات الكبرى ليوم القيامة واستدل علماء التوحيد على هذه الحالة بالحديث النبوي‮ ‬الشريف‮ “‬إن الله‮ ‬يبسط‮ ‬يده في‮ ‬الليل ليتوب مسيء النهار ويبسط‮ ‬يده في‮ ‬النهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها‮”- ‬رواه مسلم والنسائي‮ ‬عن الصحابي‮ ‬الجليل أبي‮ ‬موسى الأشعري‮ -‬رضي‮ ‬الله عنه‮- .‬
من المحتمل أن‮ ‬يمر التائب بمرحلة صعبة فيها عذاب الضمير والوسوسة والتردد والقلق والاضطراب فنقول لهذا التائب‮: ‬ان الله سبحانه وتعالى خاطب عباده بقوله‮: “‬قل‮ ‬يا عبادي‮ ‬الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله‮ ‬إن الله‮ ‬يغفر الذنوب جميعا‮ ‬إنه هو الغفور الرحيم‮” ‬سورة الزمر‮- ‬الآية‮ ‬35‮ .‬
ويقول سبحانه وتعالى في‮ ‬سورة النساء‮: “‬إن الله لا‮ ‬يغفر أن‮ ‬يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن‮ ‬يشاء‮ ‬ومِن‮ ‬يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما‮”- ‬الآية‮ ‬74‮ .‬
ثم نقول للأخ التائب‮: ‬يمكنك أن تردد تلاوة سورتي‮ ‬المعوذتين وهما‮: ‬سورة الفلق وسورة الناس‮ ‬وذلك لطرد وسوسة الشيطان‮ ‬وعليه فالأمر منوط بك وبعزيمتك وإصرارك وإرادتك‮ ‬وبمدى سيطرتك على نفسك ومجاهدتك لها‮ .‬
● رئيس الهيئة الإسلامية العليا
في‮ ‬القدس

قد يعجبك ايضا