الأخلاق بين المجتمع والدولة

‮> ‬إن الأخلاق الحسنة هي‮: ‬معنى الحياة وسر تماسكها وتآزرها وانسجامها‮… ‬بها تغدو الحياة متناغمة مستقرة‭ ‬ليس بين بني‮ ‬الإنسان فحسب‮ ‬بل وبين بقية المخلوقات أيضاٍ‮.‬
إن إقامة جسور الأخلاق الحسنة بين البشر‮ ‬معناه‮: ‬انسجام الحياة بمكوناتها وقوانينها وسننها‮ ‬في‮ ‬تناغم وألفة عجيبة‮ ‬تسخر لبني‮ ‬الإنسان‮ ‬فتلتقي‮ ‬المتنافرات وتنسجم المتباينات في‮ ‬أنس ومحبة‮.. ‬فلا خوف ولا اضطراب ولا بؤس ولا شقاء‮ … ‬فما الذي‮ ‬سيقض مضاجعها‮ ‬إذا كان لا‮ ‬يوجد طمع ولا جشع ولا كبر ولا‮ ‬غرور ولا جور ولا طغيان ولا كذب ولا شح ولا نهب ولا إرهاب‮ … ‬بل هناك صدق ومحبة‮ ‬وعدل ورضا ورفق وإخاء وإخلاص وعمل‮! ‬تلك هي‮ ‬الحضارة الحقيقية والسعادة الغائية‮.‬
إن الأخلاق‭, ‬هي‮: ‬مصدر الأنس في‮ ‬أعماق الإنسانية‮ ‬بل هي‮: ‬الغاية التي‮ ‬أرادها الله من عباده‮ ‬في‮ ‬عمارة الأرض وتعبيد أنفسهم‮ ‬لله من أجل سعادتهم في‮ ‬الدنيا والآخرة‮.‬
إن تكامل الأخلاق في‮ ‬المجتمع معناه‮: ‬عمارة الأرض وتحقيق الحضارة الإسلامية المنشودة‮ ‬التي‮ ‬يسعد العالم بإقامتها ويخسر بغيابها‮.‬
فالتطور الحضاري‮ ‬يقوم على أساس منظومة من القيم التي‮ ‬تهدف إلى تكريم الإنسان‮. ‬ولأن الأخلاق في‮ ‬أبسط‮ ‬غاياتها‮ ‬هي‮: ‬تحقيق السعادة للفرد والمجتمع والدولة‮. ‬والحضارة كذلك في‮ ‬أبسط‮ ‬غاياتها هي‮: ‬تكريم الإنسان وتحقيق السعادة‮. ‬فلا سعادة بغير كرامة ولا كرامة بغير أخلاق‮. ‬إذن‮ ‬يجوز لنا أن نقول الحضارة هي‮ ‬الأخلاق‮.‬
يقول د‮ /‬محمد ظفر الله خان‮: “‬إن سياج الحضارة الإسلامية هو الدين والأخلاق‮ ‬فمبادئ الأخلاق تتدخل في‮ ‬كل نظم الحياة وفي‮ ‬مختلف أوجه نشاطها سواء في‮ ‬السلوك الشخصي‮ ‬أم في‮ ‬السلوك الاجتماعي‮ ‬أو السياسي‮ ‬أو الاقتصادي‮. ‬ومن المحال إقامة النظام الصالح أو المجتمع الفاضل من دون أخلاق وقيم شريفة‮ ‬وهذه القيم ونحوها هي‮ ‬صمام أمان‮ ‬يكفل دوام الحضارة ويمنع انحرافاتها وتعثرها بدليل قيام الحضارة الحديثة عليها في‮ ‬مبدأ الأمر وتعرضها للإفلاس والانهيار في‮ ‬شرخ قوتها عندما طغت عليها الصفة المادية‮”‬
إن الحياة التي‮ ‬تشملها الأخلاق لابد أن تتطور وبتطورها تتطور الحياة وتترقى الإنسانية وهذا هو ما‮ ‬يسمى التطور الحضاري‮ ‬المنشود‮ ‬الذي‮ ‬يحقق النفع والسعادة للبشرية فكل تطور‮ ‬يثمر عملاٍ‮ ‬نافعا للناس‮ ‬يصبح ذا قيمه حضارية‮.‬
فالإنسان نفسه‮ ‬يتطور من مرحلة إلى مرحلة وتتطور معه قدراته وإبداعاته وإنتاجياته فهو‮ ‬يتطور حضاريا فكل شخص نافع لنفسه وغيره له قيمة حضارية والعكس وما أشبه تطور حضارة أمة بإنسان‮ ‬يتطور‮ ‬مع فارق التشبيه‮ ‬فمن الناس من‮ ‬يتطور تطورا سويا وبقدر قيمه وإنتاجه ونفعه وتأثيره تكون قيمته الحضارية بحسب تطوره وإنتاجه وعطائه‮ ‬والناجحون من الناس متفاوتون في‮ ‬ذلك وكذلك الحضارات بقدر تمثل الحضارات لقيمها وإنتاجها وتأثيرها ونفعها تكون نسبة قيمتها الحضارية‮ ‬فكل حضارة بحسب ذلك
يقول صاحب كتاب الحضارة‮ ‬الدكتور حسين مؤنس وهو‮ ‬يتحدث بأن‮ ‬الحضارة ليست بالقصور ولا بناطحات السحاب‮ ‬يقول‮ :‬إن رغيف الخبز أنفع للبشر من صعود القمر‮.‬
‮ ‬إن أرقى فترة حضارية‮ ‬في‮ ‬تاريخ البشرية‮ ‬تحققت‮ ‬فيها السعادة لأفرادها‮ ‬هي‮: ‬فترة الرعيل الأول‮ (‬مجتمع النبي‮ ‬ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة‮ ‬رضوان الله عليهم‮) ‬ثم الذين‮ ‬يلونهم º لسمو الأخلاق التي‮ ‬تجسدت في‮ ‬تلك الفترةº ليس بالضرورة أن تتحقق السعادة إن تحققت الرفاهية‮ ‬‭ ‬لكن بالتأكيد تتحقق السعادة في‮ ‬مجتمع تتجسد فيه الأخلاق العامة والخاصة‮ ‬الفردية والجماعية‮ ‬وإن كان مجتمعاٍ‮ ‬غير مرفه‮ .‬

قد يعجبك ايضا