التربية الصالحة من أبرز حقوق الطفل‮ ‬


إن المتأمل والناظر أن حقوق الآباء على أبنائهم كثيرة ولكن كما إن للآباء واجبات فعليهم حقوق وقد أصل الإسلام ذلك وأكد العلماء على أهمية تلك الحقوق وحول حقوق المربي‮ ‬والمربِى وكيف تكون التربية العملية على هدي‮ ‬الإسلام وأخلاق الرسول الإنسان وأهمية التربية الصالحة وما‮ ‬يترتب عليها من نفع للأب والابن نفسه وكذلك المجتمع‮ ‬هذه التساؤلات وغيرها طرحناها على عدد من علماء الإسلام ودعاته‮.. ‬وفي‮ ‬مايلي‮ ‬نعرض ما أفادونا به عن هذه الأمانة التي‮ ‬أوكلها الله إلينا‮..‬
في‮ ‬البداية نعيش مع الدكتور معاذ الحزمي‮ ‬الذي‮ ‬له عدد من الكتب و الإسهامات والمشاركات والندوات في‮ ‬هذا المجال حيث دعا الحزمي‮ ‬الآباء فقال‮ : ‬أيها الآباء‮.. ‬إذا كان لكم حقوق على أبنائكم‮ ‬وهذا صحيح بلا شك‮ ‬فإن لأبنائكم أيضاٍٍ‮ ‬حقوقا عليكم‮.. ‬وقد أصل عمر بن الخطاب رضي‮ ‬الله عنه هذا الأصل حين جاء إليه أب‮ ‬يشكو إليه عقوق ولدهº فاستدعى عمر الابن وسأله‮ ‬فقال‮: ‬يا أمير المؤمنين أليس للأبناء حقوق على آبائهم كما أن للآباء حقوقا على أبنائهم¿ قال‮: ‬بلى‮. ‬قال‮: ‬فما حقي‮ ‬عليه¿ قال‮: ‬أن‮ ‬يختار أمك‮ ‬وأن‮ ‬يحسن اسمك‮ ‬وأن‮ ‬يعلمك القرآن‮. ‬فقال‮: ‬أما أمي‮ ‬فأمة حبشية سوداء‮ ‬وأما اسمي‮ ‬فقد سماني‮ ‬جعلا‮ ‬وأما القرآن فما علمني‮ ‬منه شيئاٍ‮ ‬فنظر عمر إلى الرجل وقال‮: ‬اذهب فقد عققت ابنك قبل أن‮ ‬يعقك‮ ‬ولهذا نقول إن عدم الاهتمام بالأبناء قبل وبعد الولادة هو عقوق لهم‮. ‬
ويضيف الحزمي‮: ‬التربية الصالحة للأبناء واجب على الآباء وأولياء الأمور‮ ‬وحق من حقوق الأبناء وهو مطلب شرعي‮ ‬يجر وراءه كثيرا من المنافع للمربي‮ ‬والمربِى جميعاٍ‮ ‬كما‮ ‬ينتج عنه منافع دنيوية وأخروية لا حصر لها‮..‬ويتساءل‮: ‬لكن ماذا لو قدم أب أو أم استقالته من تربية الأولاد¿ ربما تتعجبون من هذا السؤال‮!! ‬ولكن أليست هذه حقيقة عند بعض الأسر هل‮ ‬يعقل أن أباٍ‮ ‬يمر عليه أسابيع لا‮ ‬يرى أين أبناءه أو بعضهم¿ أو أن أماٍ‮ ‬ترى المجون والخلاعة في‮ ‬غرفة ولدها فتقسم ما رأتها إلا الآن وهي‮ ‬معلقة منذ فترة¿ هل الأب الذي‮ ‬لا‮ ‬يعرف صف ولده في‮ ‬المدرسة‮ ‬يصلح أن‮ ‬يكون أبا ومربيا ¿ هل الأم التي‮ ‬تركتها ابنتها وذهبت لتحكي‮ ‬آمالها وآلامها لصديقتها واستقت منها كل ما ترغب في‮ ‬معرفته‮.. ‬هل هذه تستحق وصف الأمومة الحقيقية¿ الأب الذي‮ ‬يغيب عن حياة أبنائه‮ ‬ولا‮ ‬يجلس معهم إلا منهكاٍ‮ ‬آخر الليل أمام الشاشة ليشاهد فيلماٍ‮ ‬أو مسلسلاٍ‮ ‬ولا‮ ‬يتكلم معهم في‮ ‬أي‮ ‬شيء‮ ‬يخصهم‮ .. ‬في‮ ‬أي‮ ‬خانة‮ ‬يوضع¿ أليس أمثال هؤلاء قد قدموا استقالة جماعية عن تربية أبنائهم ورعايتهم‮ ‬أعني‮ ‬التربية فمفهومها الصحيح الرعاية بمعناها الشامل¿‮! ‬ألا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يعد أبناء أمثالهم في‮ ‬عداد الأيتام‮ ‬أعني‮ ‬تربويا‮ ‬فإن بعض الآباء حي‮ ‬لكنه كالميت‮ ‬أبناؤه أيتام في‮ ‬حياة أبيهم¿‮!‬
‮ ‬من الظلم إذا كان هذا حال المربين أن نسخط على أبنائنا لسوء خلقهم أو كثرة أخطائهم‮ ‬أو قبح فعالهم‮ ‬إنك مسئول أيها الأب أمام الله عن ضياع أبنائك فإذا لم تربي‮ ‬أنت أولادك فسيكونون أداة للجماعات الإرهابية والمجرمين والمخربين وسيكونون عبئاٍ‮ ‬عليك قبل أن‮ ‬يكونوا عبئاٍ‮ ‬على المجتمع‮ ‬لك حقوق كما إن عليك واجبات‮.‬
ألم‮ ‬يتحول كثير من الآباء إلى مجرد وزارة مالية‮ ‬ألم‮ ‬يتحول بعض أو كثير من بيوتنا من محضن تربوي‮ ‬إلى مجرد معلف أو لوكاندة أو فندق للنوم وفقط¿
زينة الحياة‮ ‬
أما الشيخ محمد السالمي‮ ‬فيقول‮: ‬الأطفال زينة الحياة الدنيا وهم إما أن‮ ‬يعودوا بالنفع على أبويهم إذا أحسنوا تربيتهم أو‮ ‬غير ذلك إذا أهملوهم‮ ‬ومن أعظم حقوق الأبناء على الآباء أن‮ ‬يكون الأب والأم قدوة للأبناء وخصوصاٍ‮ ‬الأم لأنِ‮ ‬العبء الأكبر في‮ ‬التربية‮ ‬يقع على عاتق الأم من خلال طول مكثها معهم‮ ‬وانشغال الأب في‮ ‬طلب الرزق‮ ‬وحتى‮ ‬ينشأ الأبناء على البر ويكونوا نافعين للمجتمع وللأمة‮ ‬لا بدِ‮ ‬لتلك الزهرة من تربة صالحة نافعة‮ ‬وكما قال شوقي‮: ‬
الأْمْ‮ ‬مِدúرِسِةَ‮ ‬إذِا أِعúدِدتِهِا
أِعúدِدتِ‮ ‬شِعúبٍا طِيبِ‮ ‬الأعúرِاق
فهي‮ ‬المدرسة الأولى التي‮ ‬يتخرِج فيها الأذكياء والمجددون والأطباء والمهندسون‮ .. ‬لذا لِمِا كان للأم الصالحة‮ (‬الزوجة‮) ‬أهمية كبرى في‮ ‬بناء المجتمع وتخريج الأفذاذº فقد حثِ‮ ‬ورغِب فيها رسول الله‮ (‬صلى الله عليه وسلم‮) ‬فقال‮: ((‬تْنكح المرأة لأربع‮: ‬لمالها‮ ‬ولحِسبها‮ ‬وجمالها‮ ‬ولدينها‮ ‬فاظفر بذات الدين تربت‮ ‬يداك‮)) ‬لذا على الأمِهات دورَ‮ ‬كبيرَ‮ ‬وعظيمَ‮ ‬في‮ ‬بناء شخصية الأبناء وتربيتهم‮ ‬وكذا الآباء فلهم دورَ‮ ‬كبيرَ‮ ‬لا‮ ‬يقل‮ ‬أهميةٍ‮ ‬عنهن‮ ‬وكذلك على الوالدين أن‮ ‬يراعوا بعض القضايا المهمة‮ ‬والتي‮ ‬تؤثر تأثيرٍا كبيرٍا في‮ ‬شخصية الأبناء‮ ‬ألا وهي‮ ‬تعامل الوالدين فيما بينهم‮ ‬فهي‮ ‬دروس‮ ‬يومية‮ ‬يشاهدها الأبناء أمام أعينهم‮ ‬فينبغي‮ ‬عليهم ألاِ‮ ‬يْظهرا خلافاتهما أمام أعين أولادهم‮ .‬
و‮ ‬يضيف السالمي‮ ‬أن الأطفال‮ ‬يتميِزون في‮ ‬مراحلهم الأولى بذاكرة حادة آليةº فعلينا أن نْوجههم لطلب العلم فالأمِة بحاجةُ‮ ‬إلى العلماء الأقوياء في‮ ‬شتى العلوم والدعاة المتبصرين بنور الكتاب والسنة‮ ‬ولا‮ ‬يتم ذلك إلا بطلب العلم منذ الصغر‮ .. ‬ولا تقل إنِ‮ ‬هذا صعبَ‮ ‬أو مستحيل فعن معمر قال‮: ‬سمعت من قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة‮ ‬فما شيء سمعت في‮ ‬تلك السنين إلاِ‮ ‬وكأنه مكتوب في‮ ‬صدري‮.. ‬و قالت أم الدرداء‮: ‬اطلبوا العلم صغارٍا تعملوا به كبارٍاº فإنِ‮ ‬لكل‮ ‬حاصدُ‮ ‬ما زرعه‮. ‬
وينوه السالمي‮ ‬أن أحد أهم‮ ‬الخطوات وأكثرها نفعٍا وغرسٍا في‮ ‬نفوس أبنائنا‮ ‬هي‮ ‬القدوة العملية وذلك لما‮ ‬يتميِزون به من شدِة ميلهم إلى التقليد في‮ ‬مراحلهم الأولى‮ ‬فترى الطفل‮ ‬يْقلد أمه في‮ ‬صلاتها‮ ‬فهو‮ ‬يركع عندما تركع ويسجد حين تسجد‮ ‬إلى‮ ‬غير ذلك من صور التقليد التي‮ ‬نلحظها صباحاٍ‮ ‬مساءٍ‮ ‬فعلينا أن نْوجه ذلك التقليد ونستغلِ‮ ‬تلك الفترة بما‮ ‬يْحيي‮ ‬في‮ ‬نفوسهم حبِ‮ ‬الخير‮ ‬ويجب أن نحكي‮ ‬لهم قصص الناجحين والمجتهدين والمجددين‮. ‬
نصطحبهم في‮ ‬كل‮ ‬ما هو حسن كالذهاب إلى المساجد وأداء بعض العبادات أمام أعينهم مثل الصلاة والصدقة‮. ‬فعن عائشة أم المؤمنين رضي‮ ‬الله عنها قالت‮: ‬ما رأيت أحدٍا كان أشبه كلامٍا وحديثٍا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة‮.. ‬وهذا هو الشاهد من الأثر ممِا‮ ‬يدلْنا على أنِ‮ ‬الأبناء من أشد‮ ‬الناس تأثْرٍا بآبائهم وتقليدٍا لهم‮. ‬
وأوضحُ‮ ‬السالمي‮ ‬أن نشاط الأبناء الذي‮ ‬يضيق به بعض الآباء ليس عيبٍا أو خطأ أو سلوكٍا‮ ‬غير مرغوب فيه‮ ‬بل له فوائد عدِة‮ ‬ومن ذلك أنه‮ ‬يزيد من صحِة الأبناء وذكائهم وخبرتهم بعد أن‮ ‬يكبروا‮. ‬
أمِا الأبناء الذين لا‮ ‬يتحرِكون إلا بإرغامُ‮ ‬من آبائهم وأمِهاتهم فبتعويدهم على هذا النمط من الحياة سيكون ذلك الابن أو تلك الفتاة‮ ‬غير سوي‮ ‬وغالبٍا ما سيْصاب بعد ذلك بالانطواء والكبت والخوف والخجل أو ضعف في‮ ‬الصحِة نتيجة لذلك السلوك‮. ‬ويضيف السالمي‮: ‬لننظر إلى الرحمة المهداة كيف كان‮ ‬يتعامل مع الأطفال فعن أبي‮ ‬قتادة أنه قال‮: ‬خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في‮ ‬إحدى صلاتِي‮ ‬العشاء وهو حامل حسنٍا أو الحسين‮ ‬فتقدِم رسول الله فوضعه ثم كبِر للصلاة فصلِى‮ ‬فسجد بين ظهراني‮ ‬صلاته سجدة أطالها‮ ‬قال أبي‮: ‬فرفعت رأسي‮ ‬وإذا الصبي‮ ‬على ظهر رسول الله‮ (‬وهو ساجد‮ ‬فرجعت إلى سجودي‮ ‬فلمِا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس‮: ‬يا رسول الله‮ ‬إنك سجدت بين ظهراني‮ ‬صلاتك سجدةٍ‮ ‬أطلتها حتى ظنِنا أنه قد حدث أمر أو أنه‮ ‬يْوحِى إليك‮! ‬قال‮: »‬كل ذلك لم‮ ‬يكن‮ ‬ولكن ابني‮ ‬ارتحلني‮ ‬فكرهت أن أعجله حتى‮ ‬يقضي‮ ‬حاجته‮« ‬فهذا في‮ ‬أمور العبادة أشفق عليهم رسول الله حتى‮ ‬يقضوا حاجتهم من اللعب‮ ‬فكيف إذا كان الوقت‮ ‬غير وقت عبادة‮! ‬أما عن حسن المظهر فيقول السالمي‮ ‬اعتنى السلف الصالح بهذا الجانب ولم‮ ‬يغفلوه‮. ‬فقد قال مالك‮: ‬قلت لأمي‮: ‬أذهب فأكتب العلم¿ فقالت‮: ‬تعال فالبس ثياب العلم‮ .. ‬فألبستني‮ ‬ثيابٍا مشمرة وعمِمتني‮ ‬ثم قالت‮: ‬اذهب فاكتب الآن‮ .. ‬وكانت تقول‮: ‬اذهب إلى ربيع فتعلم من أدبه قبل علمه‮. ‬واعلم أيها الأب أن الطفل بحاجةُ‮ ‬إلى أن‮ ‬يكون مرغوبٍا فيه مقبولاٍ‮ ‬من الوالدين ومْدرسيه‮ ‬فيجب أن‮ ‬يشعر بأنه موضع سرورُ‮ ‬وإعجابُ‮ ‬وفخرُ‮ ‬لأمه وأبيه وأسرته ومعلمه‮ ‬فإذا تحدِث أنصت الجميع لحديثه‮ ‬وأعطوه أهمية كبرى‮ ‬وذلك‮ ‬يْشعره بالقبول والتقدير ومدى حب والديه له‮.. ‬

طريق النجاح
ويشير السالمي‮ ‬إلى أنه لا بدِ‮ ‬للآباء والأمِهات أن‮ ‬يضعوا بين أيديهم هدفٍا‮ ‬وهو نجاح ابنهم في‮ ‬هذه الحياة‮ ‬فالإسلام وسط بين مطالب الرْوح والجسدº فلا رهبانية مطلقة ولا مادية بحتة‮ ‬بل هو وسط في‮ ‬إشباع الغذاء الروحي‮ ‬والجسدي‮ ‬للإنسان‮ ‬فالأبناء بحاجة إلى أن‮ ‬يشعروا بالنجاح حتى‮ ‬يواصلوا مسيرتهم‮.. ‬
وقد تكون هناك بعض العوائق في‮ ‬ذلك مثل القدرات والفروق الفردية بين ابن وآخر‮ ‬فعلى الآباء والأمهات مراعاة ذلك وعدم تحميل الأبناء ما لا‮ ‬يطيقون‮. ‬لهذا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن لا‮ ‬نْكلفهم بأعمال صعبة فوق مستواهم تؤدي‮ ‬بهم إلى الإخفاق‮ ‬فيشعرون بالعجز والخيبة والضعف‮ ‬ويحجمون عن مواصلة نشاطهم ويتهيِبون منه‮ ‬والمرء بطبعه الغريزي‮ ‬اجتماعي‮ ‬يْحب الأنس‮ ‬فهو بحاجة إلى من‮ ‬يأنس إليه ويتحدِث معه ويشاركه همومه وأحزانه وأفراحه‮ ‬والصحبة لها أهمية كبرى في‮ ‬تكوين شخصية أبنائنا‮ ‬وقديماٍ‮ ‬قيل‮: »‬قل لي‮ ‬من تصاحب أقل لك من أنت‮«. ‬

وقال الشاعر‮: ‬
عِن‮ ‬المِرء‮ ‬لاِ‮ ‬تِسúأِلú‮ ‬وِسِلú‮ ‬عِن قِرينه
فِكْلْ‮ ‬قِرينُ‮ ‬بالمْقِارِن‮ ‬يِقúتِدي

فيتوجِب على الآباء والأمِهات‮ ‬غمس أبنائهم في‮ ‬بيئات صالحة حتى‮ ‬يتشرِبوا الصلاح وينشئوا عليه‮ ‬فالصديق له تأثيرَ‮ ‬عجيبَ‮ ‬في‮ ‬سلوك صديقه وتوجيهه‮ ‬لذا من المهم أن‮ ‬يكون صديق ابننا ذا خلقُ‮ ‬ودين‮.‬

قد يعجبك ايضا