وجدي الأهدل.. ومؤامراته الجميلة..!!

في روايته الجديدة البديعة.. (2 – 2)

محمد القعود

رواية “أرض المؤامرات السعيدة” للروائي المبدع وجدي الأهدل، رواية كاملة الأوصاف.. وكاملة الدسم ..الدسم المفيد وليس الضار بالصحة وبالقارئ..!!
رواية جريئة في طرحها ومضمونها ..وفي تشريحها وتحليلها وكشفها وتعريتها لكل مسكوت عنه…
وجريئة في اقترابها من قضايا حساسة تمثل عدة بؤر للفساد والاستغلال والاستحواذ ..
وجريئة في تناولها لقضايا اجتماعية موجعة ومؤلمة وصادمة ..وبعضها محجوبة ومغيّبة خلف لاءات الممنوع والعيب والتقاليد الاجتماعية القاسية وهيلمان أصحاب النفوذ والمصالح وجبروت مختلف السلطات.
رواية جريئة في اقتحامها و دخولها وتجوالها ومغامرتها واختراقها لعوالم ودهاليز وأوكار مكدسة بوجوه وعقول وأدوات وسلطات تتحكم وتسيطر على مجريات الأمور ومصائر الضحايا والأتباع .. تعمل وتنفذ ما تريد وتفبرك الأحداث والوقائع وترسم مشاهدها وواجهاتها البراقة أمام الآخرين وتقوم بتلميع صورتها وتنظيف سجلاتها المشبوهة داخل وخارج بيئتها.
وهي رواية مستمدة أحداثها من قضايا زواج القاصرات التي حدثت قبل عشر سنوات تقريبا.
رواية زاخرة بالألم الإنساني وحافلة بالصراع النفسي والاجتماعي والسياسي والسلطوي بتجلياته الخفية والظاهرة..
رواية زاخرة بالتفاصيل والمشاهد السردية الموجعة.. وبتفاصيلها الحميمة والساخرة في آنٍ معاً..
زاخرة بصور ومشاهد متعددة لبشاعة واستغلال كل سلطة لنفوذها وهيلمانها..وإمكانياتها المهولة والمتعددة الأشكال والأساليب في سبيل المحافظة على مصالحها وحمايتها وتوطيدها.. وتبييض وتلميع صورتها الملطخة بالسواد والقذارة والانحطاط والفساد والتوحش والقسوة والجبروت والقمع..!!
رواية مثقلة بالوجع النفسي والجسدي والحياتي لشخصياتها الباحثة عن إنسانيتها ووجودها وذاتها وكيانها..
رواية مدججة بصور البؤس والمعاناة والاستلاب والقهر والنفاق والتآمر والدسائس والزيف والطرق والأساليب العبثية والمتغطرسة لمختلف السلطات المهمومة فقط بمصالحها وكياناتها ونفوذها ورغباتها وغرائزها المحمومة والمكبوتة والنهمة والشرهة في التسلط على محيطها والاستحواذ والتحكم في مفاصله ومجرياته والتحكم في مصائر الواقع وشخوصه.
9
في فصول روايته تجلّت مهارة المايسترو الفنان الروائي وجدي الأهدل.. في قيادة مسار روايته وشخوصها وتطور ونمو أحداثها..، وتجلّت مهارته الكتابية وبراعته الفنية في تلك التنويعات الموسيقية الروائية التي قام بتوزيعها وعزفها بصورة متوازنة ومتناغمة ومتوافقة ومتكاملة، منحت القارئ متعة كبيرة في تلقي هذه الرواية الرائعة وما حفلت به من مباهج الفن الروائي البديع والتي قدمها مؤلفها بمهارة قائد أركسترا سيمفوني، وبمهارات لاعب شطرنج محترف في نقلاته وتنقلاته وخططه وتخطيطاته المدهشة، وبضربات فرشاة فنان خبير، وبنقر ريشة عازف جيتار متمكن وبأصابع صائغ مجوهرات عريق وبذهنية وحرفية وحرفنة معماري حاذقٍ، استطاع الأهدل وجدي أن يبني ويصيغ ويرسم ويشيد ويؤلّف روايته بما يجعلها وحدة متكاملة.. متجانسة، ومتدفقة، ونابضة بالحياة.. والأحداث والشخوص.. وتنساب كنهر خالٍ من الشوائب والعوائق.. ويخرجها في لوحة متكاملة، مؤثثة بالحياة وإيقاعها.. وضاجة بصخب واقعها، ومحتشدة بمشاعرها المتأججة والخافتة.. ومغردة بأسلوبها وإيقاع طبقات صوتها.. ولغة خطابها ومدلولاتها.. وحرارة تعابيرها وسردها وأوصافها.
عزفها المايسترو وجدي بمهارة موسيقار مثقل بخبرة السنين والإحساس.. إحساس عاشقٍ مولّه ..هناك لغة معبرة بسخرية قاتمة وموجعة. سخرية مريرة كان لها وظيفتها في تبديد الكثير من المشاهد القاتمة وفي كشف العديد من تناقضات واقع شخوص وأحداث الرواية وتضاد وتناقض وتصادم ذلك الواقع مع واقعه وقوانينه..
وهناك لغة موحية , ولها عمقها ودلالتها وكذلك تلك اللغة الساخرة والبليغة المبثوثة بين ثنايا نص الرواية .
بل ان الرواية في الكثير من مفاصلها وخباياها ساخرة حدّ الوجع من كل مكوناتها وعناصر واقعها ووقائعها.. وإن تخفت مساحات واسعة منها خلف أردية الواقعية، والوقار والجديّة إلخ..
أضاف إلى ذلك تلك التنويعات لصدى المشاعر العميقة لشخوص الرواية وتفاعلاتها ونبضاتها الإنسانية.. في لحظات قوتها، وضعفها، وفرحها، وحزنها، وانتصاراتها وانكساراتها، ولحظاتها الحميمة المسروقة من قسوة الواقع ومناخه المجدب، وممنوعاته الكثيرة.. وتوثبه الدائم لقمع وإخماد وحصار كل آهة عشق، ونهدة انتظار.. وزفرة وجع، ولهفة شوق، واغرودة حنين، ورجفة تمرد..!!
10
في السرد اليمني المعاصر, هناك قلة قليلة جداً من الشخصيات الروائية المميزة, التي كانت دعامة أساسية للروايات التي وردت فيها, وأسندت إليها أدوار البطولة في مضانها ومضمونها.
شخصيات روائية لها حضورها, واكتمالها ,ونضجها وتكوينها وملامحها الفنية والفكرية, ولها إيقاعها وفعاليتها في الحبكة الروائية ونمو أحداثها وتطورها وخطها الدرامي المتصاعد ودهشتها.
وفي رواية وجدي الاهدل ” أرض المؤامرات السعيدة” كانت شخصية بطل الرواية” مطهر فضل” شخصية رواية باذخة الحضور والفاعلية .. مثقلة بالتفاصيل والأحداث , ومتطورة وذات هيمنة ونمو متقدم ومتصاعدٍ.. غزيرة بملامحها وتفاصيلها ورصيدها.. لها مقوماتها ,وأرضيتها وخلفيتها الخصبة والثرية ولها صراعاتها مع محيطها ومع ذاتها , وهو ما جعل منها شخصية رواية غنية في ديمومتها وتصاعدها.. شخصية مكتنزة بقضاياها .. طامحة ويائسة .. متحررة ومقموعة ..جميلة وقبيحة .. رقيقة وقاسية .. شرهة وقنوعة ..متمردة ومستعبدة ومسحوقة وشرسة في تحقيق مآربها المشروعة وغير المشروعة وبأي طريقة ووسيلة وتحت مبررات كثيرة..!!
شخصية مثقلة بتناقضاتها وتناقضات واقعها وممتلئة ومزدحمة بمعرفة واقعها وتفاصيله وقوانينه وأساليبه وعلى دراية كاملة وتامة بجميع قواعد اللعبة في مثل ذلك الواقع المشتبك والتائه في صراعاته وهمومه وتناقضاته وشراسة وأطماع وهيمنة جميع من بيدهم قواعد اللعب واللعبة واللاعبين..!!
11
نجح مؤلف الرواية بامتياز كبيرٍ في إيجاد شخصية روائية مكتملة وأبدع في رسم وتشكيل ملامحها ومكوناتها وتكوينها الداخلي والخارجي , وبرع في تسجيل وإيراد جميع تفاصيلها الصغيرة والكبيرة, وتتبع مستوياتها وتقاطعاتها المتعددة والمتلاحقة, وما تختزنه من تجارب ومعارف وما يرتبط بها وينعكس عليها من تأثيرات اجتماعية وسياسية وثقافية ووجدانية..!!
إن شخصية بطل الرواية كان لها حضورها القوي, وكانت لها دلالتها ووظيفتها الحيوية داخل الرواية.. وكانت حامل ومحمول الرواية ومرتكزها وعنصرها الرئيس والهام.. ولها أهميتها القصوى في أداء دورها الكامل الذي قامت به ولعبته في الرواية ومسارها وتطور أحداثها , وما مثلته تلك الشخصية من عالم وعوالم للمتلقي والرواية وللشخصية ذاتها.. وكانت هي بالفعل جوهر الرواية وصلبها وحبكتها, وبما تضمنته وحملته في وجدانها وثناياها وتفكيرها وأطوار حياتها ومكنوناتها, من صراع وتضاد, ومواجهة واشتباك متعدد سواء مع نفسها أو مع محيطها وقضاياه واشكالياته الملتبسة والمعقدة .. وما شكلته من مفاصل ومنعطفات مؤثرة وهامة في مسار الرواية ونمو وتطور أحداثها.. فكانت هي جوهر عمل الرواية والفاعلة والمؤثرة بقوة في سير الأحداث والوقائع وفي فرض هيمنتها على مؤلفها الروائي من حيث اختيار أسلوب كتابتها وتقنيتها وقالبها الفني الذي أطلت به على القارئ.
12
إن شخصية رواية “أرض المؤامرات السعيدة” تعد من الشخصيات الروائية الهامة والفنية الملفتة للتوقف عندها ومغرية لتناولها ودراستها دراسة نقدية جادة ومنصفة تناول ما مثلته هذه الشخصية الروائية في المسار والمنجز الفني للرواية اليمنية وما حملته واتصفت به من مضامين وملامح وفاعلية متفردة في دورها وحضورها الهام في السرد الروائي اليمني الجديد والحديث .
هذه الشخصية الروائية التي ارتكزت عليها رواية الاهدل ستحسب كإنجاز فني للمؤلف, وإضافة نوعية متطورة له , والتي بموهبته وذائقته وخبرته اختارها بعناية فائقةٍ وعبّر عنها باقتدار وإبهار وفنية عالية, قلما نجدها عند كتاب السرد اليمني .. إنها شخصية روائية مغريّة للدرس والبحث النقدي وبحاجة إلى دراسة نقدية خاصة بها..!!
13
الرواية وما حملته من مضامين نبيلة وهادفة ومن قضايا اجتماعية وإنسانية هامة ولها وانعكاساتها وتأثيراتها والمختلفة والعميقة تصلح لأن تتحول إلى مسلسل تلفزيوني درامي..نظرا لأسلوبها الفني والتشويقي. .ونمو وتطور أحداثها ومساراتها وخطوطها الدرامية الرئيسية والمتعددة وشخصياتها الإشكالية..
وذلك ما يسهل من معالجتها وتحويلها إلى عمل درامي تلفزيوني عبر سيناريو يلم بالرواية وتفاصيلها.
مع الاعتراف أن تحقيق ذلك يحتاج إلى جهة إنتاج لديها قدرة وإمكانيات لتحقيق ذلك…وأولا وقبل كل شيء توفر المناخ السياسي والاجتماعي والثقافي العام الذي يتقبل ويتفهم طبيعة الأعمال الدرامية التي تعالج قضايا الواقع والمجتمع الحساسة دون أن يضع في طريقها الصعوبات والاعتراضات والموانع وتأليب فئات وجماعات من المجتمع للوقوف ضدها.. والتحريض عليها.. والتشكيك في نواياها ..وتأويلها بصورة مباشرة ومجتزئة وحمقاء وقاصرة وبعيدة كل البعد عن مضمونها الهادف وبعدها الإنساني النبيل.
وربما في المستقبل وفي مناخ ديمقراطي وثقافي واجتماعي وسياسي معافى قد يتم ذلك..!!
14
ومن تقديم الناشر للرواية ما يلي:
“هل يصحّ تصنيف البشر بين محض أخيار ومحض أشرار؟ هل الخير قيمة مطلقة؟ والشرّ مثلبٌ يبدأ بزلَّةٍ لا رجوع عنها؟ وهل نتعاطف مع من يغرق، نشعر برغبته الدفينة في الانعتاق من هذا الفخ، أم نتشفّى به؟
هو صحافي. باع روحه للشيطان. أمعن في التورّط مع السلطة في لعبة مُحكمة النسج يمتهنها أقوياء البلاد. في تلك الدوّامة التي سلّم نفسه لرياحها، قام مطهَّر بكلّ ما طُلب منه من أعمالٍ دنيئة، لكنَّ ملمحاً إنسانيّاً طيّباً ظلّ لصيقاً به، يظهر في الخفاء، عند مفاصل الحكايات، في ثنايا المشهد القبيح، حين ينام جميع الحرّاس، وتنقشع قليلاً متطلّبات الوظيفة وأوامر الكبار…
في بلادٍ لا تزال العبودية تُمارَس في دهاليزها، ثمّة «خادمات» يتنقّلن بين بيوت الأسياد، فتيات يشاهدن الرسوم المتحرّكة ويشرّعن أجسادهنّ وأعوامهنّ الطريّة لغزاة الليل والطفولة، وثمّة كرماء يُشهَّر بهم ومجرمون يكافَأون…
في هذه البلاد صحافيٌّ فاسد، إنسانٌ فوّت عليه إنسانيّته، روّضها ببعض الدموع كلما ظهرت، ليموت كمداً بها”.
15
كانت بادرة طيبة ولفتة ذكية من كاتب الرواية الذي أهدى عمله الروائي البديع إلى الأستاذ الأديب والمثقف أحمد ناجي أحمد ..الأديب الإنسان النبيل وصاحب المواقف الإنسانية الرفيعة.
**16
تلك كانت بعض خواطري السريعة والبسيطة على هامش سفري الممتع بين عوالم رواية ” ارض المؤامرات السعيدة” للروائي المبدع وجدي الاهدل.. وهي خواطر تلقائية وبسيطة وسريعة ومتواضعة تدفقت عقب انتهائي من قراءة الرواية ودهشتي بها..
أحببت أن انشرها دونما تنميقٍ أو استعراض لأي مخزونٍ لديّ مما يتعلق بفن الرواية ونقدها .. واعتذر بشدة عن تقصيري الكبير تجاه الكتابة اللائقة عن هذه الرواية البديعة والمدهشة ..كما أعتذر عن ركاكة تعبيري وأي تكرارٍ لسطوري وتعابيري..!!
إنني على ثقةٍ كبيرة بأن هذه الرواية البديعة ستحصد وستحقق الكثير والكثير من التقدير والنجاح وستحظى بالدرس والبحث النقدي والاحتفاء بها وبمؤلفها, ومؤهلة وبجدارة وإلى حدٍ بعيدٍ بحصد الجوائز في مجال الرواية..!!
17
العزيز الروائي المبدع وجدي الاهدل.. شكراً لك , كثيراً وعميقاً وجزيلاً.. لأنك أهديتنا تحفة روائية بديعة وجميلة ومدهشة , في زمن الجدب والقحط والجفاف الإبداعي .. شكراً لك لأنك تبدع بصمتٍ بعيداً عن الضجيج .. شكراً لإبداعك الشاهق, ولتواضعك النبيل.
وشكراً للمبدعين أمثالك من كتاب السرد الروائي في بلادنا.. ممن اجزوا وأهدوا وأضافوا لمدونة السرد اليمني باقة مذهلة من إبداعاتهم وأعمالهم الرائعة والجميلة.. مع حبي وتقديري للجميع.!!
* ملاحظة: ما سبق .. خاطرة سريعة لقراءة عابرة من قارئ عابر..
وقد تكون بعض نقاط لقراءة قادمة أشمل وأعمق لهذه الرواية البديعة في نصها ومضمونها وشكلها ومسارات وخوابي سطورها وفصولها ومضامينها وقضاياها.. وجمالياتها وما حفلت به من مباهج إبداعية روائية.

قد يعجبك ايضا