ثورة سبتمبر : قضية الارض والمسألة الزراعية وهدف القضاء على الاقطاع(2-2)

 

عبدالجبار الحاج

عندما أرسل الزعيم عبد الناصر فريقا من الاقتصاديين المتخصصين في المسالة الزراعية وملكية الارض  للوقوف أمام وضع الاقطاع في اليمن …
وصل الفريق إلى اليمن في أواخر ديسمبر  ..وبالفعل التقى الفريق بقيادة الثورة وحكومتها كما التقى بالبيضاني كوزير اقتصاد وعقد الفريق لهذا  الهدف مؤتمرا مكرسا لتناول برنامج الإصلاح الزراعي مع المعنيين والمختصين اليمنيين .
في محاولة لتعطيل المؤتمر القى  البيضاني كلمة أمام المؤتمر أعلن فيها أن  لا اقطاع في اليمن وأن الأسر الاقطاعية والملكيات الواسعة للأرض محصورة في بيت حميد الدين وانها قيد المصادرة وانه ما من اقطاعيات خارج هذه الأسرة  بيد ان الفريق طرح معايير للملكية الاقطاعية وسواء انتمى اصحابها لبيت حميد الدين أو خارجها فان هذه المعايير وحجم الملكية هي المحدد للإقطاع.
اضطر عندها البيضاني للرضوخ امام الوفد وتم اقرار القيام بزيارات ميدانية  للوقوف على الواقع في عدة مناطق وعاد الفريق محملا ببيانات وأرقام تؤكد شيوع الملكية الاقطاعية خارج بيت حميد الدين وأكثر من ذلك سيادة أعراف وأنظمة من العبودية التي يمارسها الاقطاع وتفشي نظام العبودية وأكثر من ذلك انتشار العبيد في بيوتات ومناطق شاسعة من تهامة والجبال القريبة والمحيطة بتهامة .
على الرغم من شروع الثورة السبتمبرية عبر سلسلة من المبادرات التي استهدفت الاقطاع أو كبار الملاك ..حتى انها اعلنت مصادرة أراضي هادي هيج في تهامة وآخرين وقبضت في صنعاء على البعض من ركائز النظام وهو رئيس محكمة ووجدت لديه ملايين الريالات ويملك من الأرض مايساوي 1500 فدان .
مما له دلالته أن كثيرا من الفلاحين امتنعوا بعد قيام الثورة اليمنية ( عن دفع ايجارات الأرض للملاك تماما كما فعل فلاحو فرنسا عقب قيام الثورة الفرنسية ..)باذيب كتابات مختارة ص136
كان القاضي عبدالرحمن الارياني الذي كان وزيرا للعدل قد اصدر بيانا وهو البيان الذي اذيع من صنعاء والذي يقضي بإعادة نظام المجارين…. و (كلنا يعرف كيف استقبل الناس هنا وداخل ارياف ومدن الجمهورية البيان الذي اذيع من صنعاء والذي يقضي بإعادة نظام المجارين وهو من نظام الاقطاعية الامامية البائدة … وارسلت مئات البرقيات لحكومة الثورة ضد عودة هذا النظام مما جعلها تسارع الى الغائه بعد يوم واحد من الاعلان عن عودته ..) كما جاء في مقال نشره باذيب في نفس الفترة باذيب في كتابات مختارة .
مثل هذه التدابير كانت ضرورية لحماية وتهيئة الثورة لحل المسالة الزراعية حلا سليما ولقيت هذه التدابير الثورية التقدمية التأييد الكامل والحماس من قبل الشعب .
وبالرغم من ان عدداً من الاجراءات التي اقدمت عليها الثورة وتمكنت من انزال ضربات قاسية الا انها لم تمض نحو اجتثاثه ..الامر الذي ابقى على عناصر ومقومات بقائه وعودته وهو الذي ادى الى طول امد الحرب ولكن دون طائل او تحقيق تقدم وإنجازات ثورية اقتصادية واجتماعية كانت فرصها مواتيه .. لان النظر الى ان المعركة هي في ميزان الحرب فقط ..دون دفع بالمسيرة الثورية نحو تحقيق انتصارات اقتصادية واجتماعية وسياسية هو ماجعل ويجعل دائما من انتصارات الحرب وحدها فعلاً عسكرياً محضاً أو قد تتحول المعركة الى ساحة فروسية لا علاقة لها بالأهداف والطموحات الشعبية .
سرعان ما اخذت تلك الاجراءات تتراجع في ظل حكومات هجينة ومركبة من عناصر قوى الثورة المضادة انقضت عليها ودعمتها وساندتها المجالس التي تكاثرت وحاصرت الثورة وقواها .وهي مجالس اتت للأسف بقرارات من مجلس قيادة الثورة بهدف تقريبها وتلين موقفها المناوئ للقيادة وهكذا تراجعت الثورة ومفاهيمها لصالح الإبقاء على قوى الثورة المضادة وتحسين موقعها في الحكم… وعليه جرى الإبقاء على اموال وممتلكات من اعلنوا تأييدهم للثورة وهكذا تقاطر العشرات والمئات من بين هؤلاء وممن لم يعلنوا بعد التحاقهم بالمعسكر المعادي للثورة معلنين ( تأييد الثورة ) ليس انخراطا في الثورة ولكن حفاظا على مكانتهم الاجتماعية وامتيازاتهم وممتلكاتهم الحرام من الأرض والثروة وزادوا عليها مما كان يغدق عليهم من اموال شراء الولاءات بين الجمهورية والملكية .
وقعت اراضي بيت حميد الدين المصادرة للدولة والمطروحة في برنامج لجنة تصفية الاموال المستردة للتصفية  تحت قبضة شيخ الجمهورية في حاشد واستأثر واستفرد بالبسط والاستغلال لها دون الدولة ودون  ارادتها وبقيت على  علمي حتى عام 2014 ولا ادري بعد سقوط عمران والعصيمات وجمهورية الأحمر  كيف آل حالها  وإلى أين صارت؟
..!! كذلك وقعت أراضي بيت حميد الدين في محافظة إب بيد أحد شيوخ المحافظة !!
وعلى العكس تماما من هذه الانتكاسات الثورية التي منيت بها الثورة اليمنية شمالا فإن الثورة اليمنية في الجنوب مثلت في  توجهاتها الاقتصادية والاجتماعية  برنامجا للثورة الوطنية الديمقراطية في موضوعات السيادة والعدالة والتحرير وتصفية الاقطاع والسلاطين وبقايا الاستعمار وموضوعات إعادة توحيد الجنوب من 23 سلطنة ومشيخة مرورا ووصولا إلى تبني  الوحدة اليمنية  كخيار استراتيجي وغيرها من أهداف الثورة فقد مثلت على عكس خيبات الشعب والثوار في الشمال وتراجع مسيرتها الثورية نحو الانتكاسة   ففي مقابل تناول اوضاع  الثورة في الشمال  في هذا الاتجاه فإن  تتبع مسيرة نضال الشعب اليمني و انتصار الثورة في الجنوب وفقا لأهداف ثورة سبتمبر في موضوعات قضية  الأرض والملكية والمسالة الزراعية  التي تناولتها في هذا المقال  هنا فإنني معني بتناول المسارات والتطبيقات  لمضامين الثورة اليمنية في الجنوب ثورة 14 اكتوبر في حلقات أخرى لاحقة تتزامن مع ذكرى ثورة اكتوبر وذكرى استقلال الجنوب في 30 نوفمبر .
فمن خلال  الوقوف على قضية الأرض والمسألة الزراعية والملكية الذي وقفت عليه من خلال المبادرة الثورية ثم التراوح بين التصعيد الاجرائي لهذا الهدف وبين   التراجع حينا وصولا الى الانتكاسة وعودة الاقطاع مرة اخرى وصولا الى تحول التمدد والتوسع في ملكية الارض الى نهج رسمي نهبوي فيدي بجائحة لا تميز بين ملكية الدولة والمواطن ودون أن يحتاج الى تفنن وذكاء في الاستيلاء والسطو فعرف البسط +السلطة + النفوذ يساوي  كفالات  بتحقيق وإنجاز  أسرة  اقطاعية بأسرع زمن ممكن وتهامة منذ السبعينات والثمانيات نموذج.
كما قلت فإنني معنى بإنصاف الثورة اليمنية جنوبا في هذه المسألة الواردة في العنوان ..في القانون والتطبيق الصارم والشامل لقانون الإصلاح الزراعي الذي شمل إعادة توزيع الأرض ومصادرة ملكيات السلاطين من الأرض وعدم قبول عودتهم أو قبول إعادة إقطاعياتهم ونفوذهم مهما كلف ذلك .. لأن الثورة ومنها هدفها في القضاء على الإقطاع تتمثل في  تصفية الاساس المادي والاقتصادي  الذي هو مركز القوة والسيطرة لقوى الهيمنة في  حين كانت الانتكاسات الثورية ودعوات المصالحة الوطنية وشعارات السلام مسوغات  السير نحو الخيانة على حساب الشعب وتضحياته كما حصل مع ثورة سبتمبر .
لكل ثورة شرعيتها في استنادها إلى ثقة وتأييد الغالبية العظمى من أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير الجذري وذلك بعد أن تغدو محاولات اصلاح النظام من داخله ضرباً من الأوهام ..وفي المقابل من الطبيعي أن يكون للثورة اعداؤها وهم الطبقة التي استهدفتها الثورة وأخذت تفقد سلطتها ومعها ركائزها السلطوية التي تستأثر وتستفرد بخيرات البلد وموارده على حساب الأغلبية الساحقة .
تقاس الشرعيات الثورية بالإنجاز للأهداف التي قامت من أجلها وتحققت او تتحقق على الأرض .
ظل معظم المثقفين الثوريين والكتاب يطلقون على حدث الـ 23 يوليو في مصر 52 انقلابا عسكريا ولم يطلقوا عليه بوصفه ثورة إلا في العام 54 حينما دشن عبد الناصر إجراءات الحل الثوري الجذري في مجال القضاء على الإقطاع وإعادة ووضع حد للملكية ومنح المعدمين من الفلاحين الأرض وضرب الاحتكارات الكبرى وبنى مؤسسات القطاع العام والعدالة الاجتماعية ومضى قدما في قضايا التحرر والسيادة والحريات … وتلكم هي الشرعية الثورية …. شرعية الإنجاز .

قد يعجبك ايضا