صفعة جديدة للعرب من أمريكا ..

 

أحمد يحيى الديلمي
أعجبني كثيرا موقف محلل سياسي أمريكي عندما رد على سؤال المذيع في إحدى القنوات : هل تعتبر إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن صفعة جديدة للفلسطينيين؟ أجاب على الفور وبدون تلكؤ ، بل قل صفعة قوية لكل العرب وهم سبب هذه الصفعة ؛ لأن أسماءهم تكلست ولم تعد تصغي إلا لوجهة نظر البيت الأبيض الذي يستند إلى خطط تم وضعها في زمن مبكر عندما انتقلت رعاية دولة إسرائيل والاستماتة في حماية مصالحها من بريطانيا إلى أمريكا وارتضت الأولى بالتحول إلى موقع تابع يقدم الاستشارات كلما طلب منه.
هذه الرؤية الواعية لم تقدم جديداً عن حلقة التآمر على الشعب الفلسطيني لكنها فضحت الدور الأمريكي في التأثير السلبي على مشاعر الانتماء لدى الإنسان العربي ودفعه للاستهانة بالأفق الجمعي الواحد ومبادئه السامية وكل ما يحث على التشبث بالأوطان وترجمة قيم الانتماء الصادق في الدفاع عنها ودرء المخاطر أين ما كان مصدرها؛ بدوافع النخوة ودوافع النجدة التي ظلت راسخة في الكيان العربي وأقرها الإسلام كما هي عليه، وهنا يتضح الدور السلبي الخطير للجماعات الإسلامية لأنها استهانت بالانتماء القومي واعتبرته دعوة عصبية شوفينية تتعارض مع أممية الإسلام، وكانت المعضلة الأولى ان هذا الاتهام وجه إلى المنظمات الفلسطينية باعتبارها علمانية كافرة ملحدة لا تستحق التأييد ولا النصرة، مقابل العمل على استقطاب حتى الشباب الفلسطيني للجهاد في أفغانستان ضد الاحتلال السوفيتي بدعوى انه جهاد في سبيل الله واقصر الطرق المؤدية إلى الجنة ، هذه الأفكار وردت في ميثاق حركة حماس الفصيل التابع لحركة الأخوان المسلمين؛ فلقد بدأت عملها بتوجيه سهام العداء إلى منظمة التحرير الفلسطينية والمنظمات المنضوية تحتها بدعوى انها علمانية بعيدة عن الإسلام، وأيدت الفكرة السعودية وبعض الدول العربية والخليجية بالمال والسلاح بقصد التقليل من دور أنظمة التحرير الفلسطينية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية واستقطاب المشاعر للتعاطف مع مظلومية الشعب الفلسطيني.
من هذه النقطة بالذات وجود المخابرات الأمريكية والبريطانية معززة باستراتيجيات مؤسسات التأثير الصهيونية الفرصة مواتية للاستفادة أكثر من الجماعات العائدة من أفغانستان والتي سميت بالعرب الأفغان لما كانت عليه من غلو وتطرف وتجاوز لكل قيم ومبادئ العقيدة فحولتها إلى رأس حربة لتقويض الواقع العربي وتفكيكه من داخله وفي البداية تحويل بوصلة الصراع من دولة الكيان الصهيوني الغاصب إلى الداخل العربي والإسلامي، حيث تعالت صيحات الاتهام لأنظمة الحكم بالكفر والالحاد والارتداد عن الدين وطالت التهمة أتباع الأحزاب السياسية والمذاهب الإسلامية المخالفة لنهج هذه الجماعات مع ما رافق العملية من تفجيرات دامية واقتراف ابشع الجرائم المروعة التي تمادت وطالت حتى مصدر الفكر والتمويل المادي وفي المقدمة السعودية.
أحداث سبتمبر 2001م
مثلت أحداث 11سبتمبر 2001م لحظة فارقة في التاريخ الإنساني بشكل عام ولم تكن من قبيل المصادفة انها جاءت بعد الموقف الصلب المتمسك بالحق الرافض لكل الضغوط والممارسات التعسفية من قبل الرئيس المرحوم ياسر عرفات الذي رفض التوقيع على بنود المرحلة الثانية من ما سمي بـ”اتفاقية اوسلو للسلام” مما جعل أمريكا على يقين تام بعدم جدوى الخطوات التي قام بها للتأثير على إرادة” الانتماء القومي كانت المفاجأة غير سارة لها ولدولة الكيان الصهيوني لأن المرحوم عرفات تمسك بالقدس كعاصمة للدولة الفلسطينية وضمان حق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم المغتصبة من أرض الشتات، مما أثار غضب أمريكا الراعية للاتفاق فقاموا بعزل الرجل واحتجازه كسجين في كامب ديفيد لكنه صمد ورفض الخنوع وجسد موقفا عظيما فضح الدور الأمريكي المتآمر على الشعب الفلسطيني ، وجعل إسرائيل تأبى الاستمرار في تنفيذ اتفاقية اوسلو، وها هي اليوم نفس المنهجية تبرز من جديد تحت غطاء ما يسمى بـ”صفقة القرن”، اذ نسمع ترامب الرئيس الأمريكي الحالي يصر على المجاهرة بنفس الفاحشة، معتبرا القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني ورافضا الاعتراف بحق العودة للفلسطينيين الموجودين في الشتات، وفي هذا دلالة واضحة على ان إستراتيجية تصفية الثورة الفلسطينية موجودة في رفوف ارشيف البنتاغون والمخابرات الأمريكية وان أمريكا بكل ما تقوم به من أعمال شاذة تارة بنصرة حقوق الإنسان وأخرى بغطاء إنساني إنما تمهد لتحقيق هذه الغاية التي تخدم مصالح الكيان الصهيوني، لذلك نجد ان ترامب يتصرف بهوس وجنون اليوم معتمدا على التحولات السلبية والتخاذل الذي طرأ على الموقف العربي بالذات الدول التي جنحت إلى ما يسمى (الحياد) القاتل وبادرت إلى الاعتراف بصفقة القرن قبل ان تقرأ تفاصيلها ودون أن تعرف مضمونها المجحف.
هذه الروح الانهزامية تؤكد ما ذهب إليه المحلل الأمريكي وهي ان الدول العربية تآمرت على نفسها وأصبحت تتلقى الصفعات دون ان يرمش لها جفن منذ ان تخلت عن نصرة القضية العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني وهرولت نحو الاستسلام والتبعية العمياء لأمريكا بكل ما هي عليه من الصلف والتآمر وهو ما جعل العصابة الأمريكية الخبيثة تنفذ إلى كل مفاصل الدول ومكنها من تحويل الإرهاب إلى مظلة إسلامية بهدف النفاذ إلى مكونات الهوية والثقافة القومية بما اشتمل عليه الأمر من خداع ومكر وتزييف للحقائق كل ذلك في سبيل إضعاف الروابط الجمعية وتمييع الانتماء للعقيدة والأمة وبالتالي تحولت كلمة الإرهاب إلى سيف مسلط ضد كل دولة أو جماعة ترفض الاستسلام أو الخنوع للرغبات الأمريكية وهي رغبات مشؤومة من اجلها لا تتردد أمريكا عن فعل أي شيء جنوني وان تطلب الأمر الاعتداء والغزو المباشر كما حدث في أفغانستان والعراق، أو تحفيز أطراف إقليمية أو جماعات إرهابية لشن حروب بالوكالة كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن ولبنان ممثلا في حزب الله.
الخطورة لا تكمن في الفعل ذاته لكنها تبلغ الذروة، لأن المنفذ والممول عربي ويتم تسويق مبرراتها من خلال الإعلام العربي، وهنا لا نستغرب شخصاً سعودياً يدعي انه محلل يقول بأن الفلسطينيين سيفقدون كل شيء إذا لم ينتهزوا آخر فرصة تقدمها لهم أمريكا ويصل الأمر إلى حد الجنون والبؤس عندما نسمع المدعو احمد أبو الغائط وهو يحرض العالم على الشعب اليمني ويشرعن الجرائم التي ترتكب ضد الأطفال والنساء والشيوخ في اليمن ؛ لينال الحظ الأوفر من العطاء السعودي كما عبر عن ذلك بنفسه فقد اتبع التحريض بالشكوى من قلة المادة وعدم الالتزام بدفع الميزانية، المهم انها كلها مواقف مخزية، ولو أردنا أن نحصيها لاحتجنا إلى سفر طويل وعدد من الأقلام لكن هذا هو حال الأمة المزري الذي وصلت إليه بفعل الحكام الذين أذلوا الشعوب ونهبوا ثرواتها وبالتالي فان المطلوب من القوى الفاعلة في الأمة ان تتوحد لتسهم قدر الإمكان في دعم القضية الفلسطينية وتعزيز صمود الأبطال في كل ثغور المواجهة.
لابد أن يدرك كل عربي شريف ان ما يسمى بدول محور الاعتدال العربية عضو مريض في جسد الأمة لا يمكن شفاؤه كون عقول الحكام أصيبت بمرض فقد المناعة وبالتالي اثر على الذاكرة فافقدها الإحساس بكل ما هو عربي وإسلامي ودفعها إلى مجارة الآخرين بلا وعي وترديد التوصيفات الأمريكية بما في ذلك المهينة التي تعتبر أي مقاوم للصلف الأمريكي الصهيوني إرهابياً والإرهابي الحقيقي حملاً وديعاً أو ثائراً يقاوم الظلم وينتصر للحق.
أليست قمة المهزلة والانحطاط السلوكي والأخلاقي!! الإجابة الطبيعية تقل نعم ؛ لأن أمريكا بدأت تفصح عن كل شيء ولم تترك أي متردية أو نطيحة الا واستعانت بها وراهنت عليها لتحقيق الغاية الخبيثة المتمثلة في فرض الكيان الصهيوني كدولة محورية من دول المنطقة وأهمها على الإطلاق على حساب أي شيء بما في ذلك الحق التاريخي العادل للشعب الفلسطيني وكل هذه الأفعال أصبحت من المسلمات، لأن أمريكا استطاعت التأثير على المشاعر وأدخلت حتى المنظمات الفلسطينية في صراعات هامشية لا علاقة لها بالقضية بقدر ما تتصل بالكرسي ومن يتربع على عرشه، الأمر مخيف ويحتاج إلى أكثر من وقفة وأكثر من فعل جماعي ويتطلب من كل العرب وفي المقدمة أبناء الشعب الفلسطيني ومسؤولي المنظمات الارتقاء إلى مستوى المسؤولية لتجاوز المناطق الصفراء التي تؤدي إلى الاحتقان وتفاقم الخلاف والبحث عن المشتركات وكل ما يؤلف بين العرب لامتلاك قدرة التحدي وتعزيز عوامل الرفض المطلق لحلقة التآمر.
فهل يعي العرب والفلسطينيون خطورة ما وصلنا إليه، مطلوب إظهار النوايا الحسنة وتفعيل كل ما يعزز الثقة ، هذه هي الروح التي نتوخاها من الجميع في هذه الظروف الصعبة، ونسأل الله ان يمد الأمة وأبناءها المخلصين بالثبات على الحق انه على ما يشاء قدير ، والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا