استعمار واحتلال جديد

 

محمد صالح حاتم

كنا نحن العرب والمسلمون نمنّي أنفسنا ونحلم بالاستقلال والتحرر من الاستعمار الأجنبي في القرون الماضية ابان الاحتلال البريطاني والفرنسي والايطالي والبرتغالي ،فقام أجدادنا وآباؤنا بثورات عسكرية ومقاومة للمحتل والمستعمر لبلداننا،وبالفعل تم طرده من جميع البلاد العربية والإسلامية في منتصف القرن العشرين،ولم يبق سوى قلب العرب فلسطين الجريحة تقبع تحت وطأة الاحتلال الصهيوني إلى يومنا هذا.
وبعد ان تم طرد المستعمر من بلداننا وتم إعلان استقلال الدول العربية والإسلامية، كنا نظن أننا أصبحنا مستقلين ومحررين فعلا ،ولكن للأسف لازلنا إلى يومنا هذا مستعمرين اقتصاديا وفكريا وسياسيا ،فقرارنا السياسي مغتصب بأيدي أعدائنا، وأفكارنا تم غسلها وتم احتلالها واستعمارها بمفاهيم ومصطلحات جديدة تخدم الأعداء وتدمر القيم والأخلاق التي تعتبر من ركائز وعوامل القوة بالنسبة لنا كعرب ومسلمين.
ولازلنا مستعمرين اقتصاديا ،فلقمة عيشنا بأيدي الغرب فكل ما نأكله ونلبسه ونستخدمه نستورده من دول الغرب ،على الرغم أننا نمتلك كل مصادر الاكتفاء، فوطننا العربي يتوسط دول العالم وأراضيه من أخصب الأرض تنتج كل ما تجود به الأرض ،فالسودان تعتبر سلة غذاء العالم، لو تمت زراعتها فقط لاكتفى العرب والمسلمون من القمح والحبوب والثروة الحيوانية ،وكل المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها الإنسان،وكذا دولنا العربية تختزن في باطنها كنوزاً من الثروات النفطية والغازية والمعدنية والتي تعتبر اكبر مخزون في العالم،وكذا الوطن العربي يسيطر ويشرف على أهم الممرات والمضايق البحرية التي تمر عبرها التجارة العالمية ،ولكن رغم هذا فنحن مُستَعمَرُون رغم المقومات والثروات التي نمتلكها والتي تجعل منا قوة اقتصادية كبرى،يكون لنا قرارنا الدولي.
فبعد الحرب العالمية الثانية وانهيار الاشتراكية وسيطرة الرأسمالية وظهور مصطلحات العولمة والحكومة والبرمجة ،وارتباط الاقتصاد العالمي بالدولار ،والهدف هو السيطرة على الاقتصاد العالمي والتحكم بالعالم بواسطة الاقتصاد والعملة أو حرب العملات ،بحيث يبقى الاستعمار موجوداً.
فالعرب والمسلمون اليوم أصبحوا أسواقا لمنتجات الغرب ،ورؤوس الأموال العربية الكبيرة يتم إيداعها في الصناديق الغربية واستثمارها في بناء الفنادق والمنتجعات والملاهي والمراقص،والمفاخرة في شراء أفخم السيارات والطائرات واليخوت ،وبناء أضخم القصور،وكذا قتل بعضنا البعض فالمال العربي يقتل ويدمر العرب والمسلمين ،وكذا يتم منعنا من الزراعة والصناعة، وهذا هو ما أوصلنا إلى الحال الذي نحن فيه اليوم من ارتهان وخضوع وانقياد للغرب والأمريكان.
وما يشهده وطننا العربي اليوم من قتل ودمار واحتلال ليس الا نتيجة للتخاذل والتآمر فيما بيننا،وهذا كله بأوامر من أعدائنا أمريكا والكيان الصهيوني ،لأنهم يعرفون أننا لا نملك شيئاً من المقومات او الإمكانيات،التي تجعلنا نرفض أوامرهم أو نرفض تنفيذ مخططاتهم ومشاريعهم، التي يريدون تنفيذها في بلداننا، لأن اقتصادنا بأيديهم وقرارنا السياسي هم المتحكمون فيه عن طريق حكامنا الخاضعين لهم،والمنفذين لسياستهم.
ومن رفض أوامرهم او حاول الاستقلال برأيه ويريد بناء دولته والنهوض باقتصاد بلده،وحاول الاكتفاء الذاتي من خيرات بلاده شنوا عليه الحرب وتآمروا عليه،وفرضوا عليه حصاراً اقتصادياً ،وعملوا على انهيار عملته،بحيث ينهار اقتصاده ويجوع شعبه ويموت أطفاله، حتى يضطر للاستسلام ويخضع لهم ،ويقبل بشروطهم وما يملوه عليه ،وهذا هو حال الشعبين السوري واليمني ،اللذين يمثلان عنواناً للشعوب الرافضة والمقاومة للاحتلال والاستعمار السياسي والاقتصادي ،فما يتعرض له شعبنا من حرب ودمار وقتل وحصار وتجويع وانهيار للعملة بهدف إخضاعنا واستسلامنا لأعدائنا ،وقبولنا بمشروعهم وهو الأقلمة والتقسيم على أساسي طائفي مذهبي مناطقي،لتتسنى لهم ،السيطرة على سواحلنا ونهب ثرواتنا وانتهاك سيادتنا ومصادرة قرارنا السياسي .
وعاش اليمن حراً أبياً،والخزي والعار للخونة والعملاء.

قد يعجبك ايضا