حكاية تعز في الحوبان

 

أنس القاضي

قبل عشرة أعوام لم يكن (الحوبان) أكثر من مفترق طرق للذاهبين إلى صنعاء أو عدن، لكنه اليوم قلب مدينة ينبض بالحياة! (كذلك تخرج الحياة من الموت، وتتشكل المُدن والعمران في زمن الحرب والهدم) وهذه ميزة فريدة يختص بها اليمنيون، وذلك نتيجة لحركة النزوح اليمنية التي هي حركة نزوح داخلية في إطار المحافظة ذاتها أو بين المحافظات، في أسوأ الأحوال.

(الحوبان –جولة عدن)
حركة النزوح الداخلية، تمنع تسرب رؤوس الأموال اليمنية إلى خارج البلد، وتعمل على استيعاب وجمع الأموال والأشغال والحياة في المناطق التي تشهد استقراراً في عملية انزياح اجتماعية اقتصادية طبيعية، أساسها نزوع الإنسان إلى الاستقرار، وهذا سر ازدهار منطقة الحوبان في تعز، التي أصبحت مقصداً لكل المتضررين من الحرب، فالأمن والاستقرار الذي تميزت به منطقة الحوبان تفتقر إليه مناطق وسط المدينة التي أصبحت بيئة طاردة للحياة.
كما انتقلت إلى الحوبان كثير من المكاتب الرسمية في المحافظة كمكاتب التربية والصحة والأوقاف والرياضة، وغيرها من الجهات الحكومية كإدارة الأمن وإدارة مديرية التعزية، وغيرها من المكاتب التي تؤدي عملها من منطقة الحوبان.
ومن (محاسن القدر) ان منطقة الحوبان وشارعها الرئيسي كانت شِبه خالية من العُمران، فاستوعبت النازحين من وسط المدينة، والمحلات التجارية المختلفة، ومن يمشي في شارع الحوبان يجد لافتات المحال التجارية التي كان يشاهدها وسط المدنية سواء التي كانت في شارع المغتربين أو شارع جمال و 26 سبتمبر والحوض، وأسماء المطاعم ذاتها والبوفيات ومحلات الذهب والملابس وغيرها، وكأن المكان تبدل أو انتقل كما نُقل عرش بلقيس!
هاربون من شبح المدينة!
أصبحت مناطق وسط المدينة مرتعاً للمجرمين واللصوص أصحاب السوابق، ومنطقة غير صالحة للنشاط التجاري والحياة اليومية، وقد مثلت الفترة الزمنية ما بين العامين 2016م والعام 2017م موسماً لنهب المحلات التجارية في تعز، حيث شهدت مدينة تعز عاصفة من اقتحامات المحال التجارية والتقطعات والقتل من أجل المال، ناهيك عن اقتحام البيوت وكسر الأقفال. ففي مارس 2016م نفذ المرتزقة عمليات نهب منظمة استهدفت عددا من المحلات التجارية في شارع جمال، وكان ابرز المنهوبات محلات “شارب” التجارية، حيث تم الاستيلاء على كامل محتوياتها.
وفي نهاية ابريل 2017م قُتل مواطنان اثنان وجرح آخر اثر سطو مسلح لمسلحين يتبعون مرتزقة العدوان على محل ذهب بشارع 26 وسط مدينة تعز، حيث قام مسلحون ملثمون باقتحام محل لبيع وشراء الذهب بشارع 26، وأطلقوا الرصاص، ما أدى إلى مقتل صاحب محل الذهب (خالد وليد علي الدبعي 35سنة).
وفي الحديث عن هذه الظاهرة أفاد لوكالة (سبأ) القيادي بحزب الرشاد السلفي محمد طاهر أنعم بأن “معظم ميليشيا المرتزقة بتعز هي عصابات عاطلين عن العمل وشباب بلطجي وقتلة من محششي المدينة القديمة، وصعاليك الجحملية، وهاربي السجن المركزي، وممن قاتلوا مع حمود المخلافي في العام 2011م تحت اسم حماة الثورة”.
وهذه الجماعات المسلحة التي تفتقد المرجعية المركزية ولا تقاتل عن قضية يصعب السيطرة عليها وتتناقض مع حل الأزمة في تعز واليمن عموما.
حركة العمران
شهدت منطقة الحوبان حركة عمران كبيرة منذ بداية الحرب العدوانية على اليمن، سواء من النازحين من وسط المدينة وغيرها من أرياف تعز التي تشهد معارك، أو من العائدين من الغُربة، وكذلك المُستثمرين العقاريين، فبعد حل الكثير من قضايا الأراضي وارتفاع قبضة النافذين والفاسدين عن الأراضي، تسهلت عملية انتقال حيازة الملكية والبناء، كل هذه العوامل تضافرت وأدت إلى عملية العُمران غير المسبوقة في الحوبان، وتكمن المشكلة في أن منطقة الحوبان من المناطق غير المخططة مدنيا، وهو ما يجعل حركة العمران تأخذ مجرىً عشوائياً.
النازحون والإغاثة
قدمت الحوبان ومناطق سيطرة الجيش واللجان الشعبية نموذجاً للدولة، مغايراً للمناطق الخاضعة لمرتزقة العدوان، وباتت مركز جذب للنازحين من وسط المدينة والمديريات الساحلية وغيرها من المناطق المتضررة، إلا أن هذا النموذج الناجح من حيث حضور الدولة والأمان، لا يخلو من المُعاناة، فقد انتقل النازحون بأوجاعهم ومعاناتهم.
نزح غالبية سكان مدينة تعز -نتيجة سيطرة المرتزقة على مناطق سكنهم وأعمالهم- إلى مديرية التعزية وبقية المناطق الخاضعة لسلطة صنعاء ويصل عدد النازحين إلى الحوبان من بداية العدوان حتى (أغسطس) المنصرم حوالي ثمانية عشر ألف أسرة، كما أفاد لـ(سبأ) رئيس الوحدة التنفيذية لتنسيق جهود الإغاثة في محافظة تعز القاضي/ أحمد أمين المساوى. الذي أكد أن ما يقدم من المنظمات الإنسانية لا يغطي كل الاحتياجات وعلى سبيل المثال: “في مديرية التعزية يقدم برنامج الغذاء العالمي ٢١٧٠٠ سلة غذائية بالشهر، فيما احتياج المديرية يفوق ذلك بكثير نظرا لاتساعها جغرافيا وتوافد غالبية نازحي المدينة إليها “.
وأشار المساوى إلى وجود توجه لدى المنظمات الدولية لإثارة النزاعات وزعزعة المجتمع بتعمد تقديم اغاثة لنصف المستحقين، وهو تحد تمت مواجهته، كما أوضح رئيس الوحدة التنفيذية: “اننا من خلال تفعيل السلطة المحلية وتشكيل لجان مجتمعية في كل مركز لتحديد المستحقين استطعنا رفع مستوى وعي المجتمع والمستحقين أنفسهم وتوضيح لهم أبعاد نشاط المنظمات، وقد ادهشونا بالتكافل والإيثار فيما بينهم الأمر الذي استطعنا من خلاله تجاوز ذلك التحدي إلى حد ما، وقد حرصنا على تقديم عون إنساني للمستحقين بغض النظر عن الانتماءات السياسية.
وبرغم حالة التكافل الاجتماعية، يؤكد المساوى انه مازالت هناك فجوات وقصور في أداء المنظمات وبمتابعة حثيثة للأمم المتحدة حصل المكتب التنفيذي في تعز على وعود بتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية للمتضررين لاسيما مع الكثافة السكانية في محافظة تعز.
وجدير بالذكر أن الوحدة التنفيذية لتنسيق جهود الإغاثة خاض معركة إنسانية ووطنية من أجل دخول المساعدات بالتنسيق مع صنعاء، وكشف المساوي عن “سعي بعض الجهات الدولية لتمكين أطراف محددة من المرتزقة من الإمكانيات المخصصة للشأن الإنساني حتى أصبحت أحد مصادر تمويل الحرب في مرحلة من المراحل وجعلوا من قضية حصار تعز احد ابواب التكسب والارتزاق”.
ويضيف المساوى: “تم تنظيم حركة المساعدات الإنسانية بطلبات تقدم من المنظمات الاوتشا(OCHA) وتصاريح من قبلنا للجهات الأمنية والعسكرية بتسهيل وصول المساعدات وتكليف مندوبين بالإشراف والرقابة على توزيعها حتى في مناطق سيطرة الطرف الآخر وحاولنا إعادة خارطة توزيع الاحتياجات الإنسانية لتغطي غالبية مديريات المحافظة بعد أن كان اهتمام المنظمات منحصراً بمديريتين فقط “.
ويذكر المساوى أن أول قافلة مساعدات غذائية أدخلت إلى وسط المدينة عبر معبر الدحي “قام مسلحون تابعون للمرتزقة بإطلاق النار عليها، وهو الأمر الذي دعا إلى نزول مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن جيمي ماكلدور ودخول المدينة لإقناع قيادات المرتزقة بعدم اعتراضها، وكان مستغربا من تصرفهم، وحين التقى بهم صارحهم أن إجمالي المساعدات التي تلقوها عبر عدن في ستة أشهر مضت تغطي احتياج محافظة تعز بكاملها لمدة عام”.
وتواجه جهود الإغاثة مشكلة التقطع ونهب المساعدات من قبل العصابات المسلحة في مناطق المرتزقة، ففي شهر يوليو الماضي تم نهب ٨٠٠ سلة غذائية في الجحملية من مساعدات برنامج الغذاء المخصصة لمديرية صالة، وقبل ذلك تم نهب قرابة ١٠٠٠ كيس قمح في منطقة المجلية من الكمية المخصصة لمديرية المسراخ، وكذلك نهب أحد مخازن رعاية الأسرة في منطقة الضباب.
وطالب رئيس المكتب التنفيذي لتنسيق جهود الإغاثة بمساعدات إنسانية تغطي احتياجات كل مديريات محافظة تعز وليس فقط مناطق سيطرة السلطة الوطنية، محذراً من محاولة تعزيز تصور انقسام المجتمع في تعز عبر ربط مناطق المرتزقة في تعز بإدارة الاوتشا في محافظة عدن، مؤكداً أنه بالرغم من ذلك فإن المجتمع في تعز واحد والفواصل الطارئة سوف تزول.
المعاناة الصحية
فرضت الكثافة السُكانية في الحوبان أعباء صحية إضافية على قطاع الصحة الذي يفتقر للإمكانيات أللازمة خاصة ان معظم المستشفيات العامة كالثورة والجمهوري والعسكري، تقع في مناطق سيطرة المرتزقة وتعرضت للنهب. وشكل ضعف البنية التحتية الصحية في الحوبان أزمة في عدم مقدرة المستشفيات الخاصة على استيعاب الحالات المرضية بالإضافة إلى غلاء تكاليف المشافي الخاصة وعدم قدرة المواطنين على تحمل نفقاتها، وهو الأمر الذي يجعل معظم الحالات الصحية تُنقل إلى محافظة إب.
وفي خصوص التعامل مع هذه القضية تحدث لوكالة (سبأ) الدكتور/ واثق الفقيه، نائب مدير مكتب الصحة في تعز، قائلاً: “ قمنا في مكتب الصحة، وبإمكانيات بسيطة بفتح مخيمات طبية، وكذا فتح مراكز صحية كانت مغلقة منذ عشرات السنوات، حتى أننا اضطررنا لفتح المركز البيطري في الحوبان وتحويله مكتباً للصحة وأيضا تحويل جزء منه إلى مركز للعلاج، وهو الآن يشهد إقبالا كبيراً خصوصا من أوساط النازحين، وهناك نقص حاد في أدوية الأمراض المزمنة”.
وأفاد الفقيه بأن كل هذه الإجراءات “لم تلب الحاجة الكاملة، خاصة مع الحرب والحصار الذي استهدف العدوان بعض المراكز الصحية في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ، بالإضافة إلى الافتقار إلى وسائل النقل وسيارات الإسعاف بسبب تعرض الكثير منها للقصف المتعمد من قبل طيران العدوان”.
واعتبر الفقيه بأن قطع رواتب الموظفين مع نقل البنك المركزي إلى عدن خلق أزمة كوادر حيث غادر المحافظة الكثير من الأطباء ذوي الكفاءة وبحثوا عن العمل في محافظات أُخرى وفي القطاع الخاص.
وفي الحديث عن دور المنظمات الدولية، أكد الفقيه على هزالة دورها، وعدم تقديمها شيئا يُذكر “ باستثناء منظمة أطباء بلا حدود والهيئة الدولية للأدوية”. واعتبر الفقيه ان ما تقدمه أطباء بلا حدود والهيئة الدولية للأدوية “بسيط جداً لا يلبي الحاجة الملموسة، أما بقية المنظمات فأقتصر نشاطها على تقديم حبوب منع الحمل ومواد التنظيف!”.
وأشار نائب مدير مكتب الصحة في محافظة تعز، إلى ظهور حالات من التشوهات الخلقية للأجنة وإسقاط الحوامل وخصوصا في المناطق المحيطة بمناطق الصراع والقصف بالصورايخ المحرمة إضافة إلى تسمم المياه، وفي موسم الأمطار أصبحت هذه المناطق بيئة خصبة لانتشار الأمراض وخصوصا الكوليرا والملاريا وغيرها.
وناشد نائب مدير مكتب صحة تعز، وزير الصحة بإلزام الأطباء والعاملين بالعودة إلى أعمالهم، كما خاطب العالم الصامت أمام ما يرتكبه العدوان من جرائم بحق اليمن أرضا وإنسانا بأن يتحركوا لإيقاف هذه الجرائم.

قد يعجبك ايضا