التكنولوجيا خطوة جديدة للتطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني

 

عواصم/ وكالات
خطوات سريعة تخطوها السعودية في مسار التطبيع مع الكيان الإسرائيلي في استراتيجية يبدو الهدف منها تهيئة الرأي العام العربي، والسعودي خاصة إلى قبول بفكرة العلاقات الكاملة بين السعودية والكيان، ولا تزال شواهد توجّه النظام السعودي للتطبيع مع “إسرائيل” تتوالى، فبعد اعتراف ابن سلمان العام الماضي في أول زيارة له إلى أمريكا بحق اليهود الصهاينة في أرض فلسطين وتبنّيه لصفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي، وزيارة رئيس المخابرات السعودي السابق أنور عشقي إلى الكيان الغاصب وغيرها… ها هي اليوم تفتح باباً جديداً للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي وهذه المرة عن طريق التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية.
وتسعى السعودية كغيرها من الدول إلى الحصول على أحدث التكنولوجيات العسكرية من أجل منع ما يسمى “توسع النفوذ الإيراني” في المنطقة، وفي سبيل ذلك قام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بإنشاء هيئة عامة للصناعات العسكرية السعودية، التي كان الهدف منها نقل السعودية من مستورد للصناعات العسكرية إلى منتج لها، ولكن كما هو الحال بالنسبة لمشاريع ولي العهد لم تجد خطته طريقها للنجاح وتم صرف مبالغ هائلة من خزينة الدولة دون جدوى، حيث كشف تقرير استخباراتي فرنسي “إنتلجنس أونلاين” أن الهيئة فشلت.
فشل الهيئة الصناعية السعودية، دفع السعودية إلى البحث عن حلّ بديل، وقد وجدته بالفعل لدى الكيان الإسرائيلي، الذي يتمتّع بقدرات تكنولوجية عالية أتاحت له أن يكون نواة سوقٍ شرق أوسطية كبيرة، لكونه قوةً جاذبة ومُهيمنة اقتصادياً وتكنولوجياً وأمنياً، وسمح ذلك كلّه بتقدُّمها وفق استراتيجيةٍ متكاملة تبحثُ فيها عن سلامٍ مشروطٍ، وبسبب تفوقها الاقتصادي والتكنولوجي المتقدّمٍ في شرقٍ عربيٍّ ليس كذلك، سهّل لها الأخير نسْجَ علاقاتٍ ثُنائيةٍ مع دولٍ كثيرةٍ في العالم من خلال شركات التكنولوجيا الاستثمارية بتلك الدول، أو حتّى من خلال الصفقات التي قامت بها، أو من خلال الشركات الإسرائيلية التي اندمجت في الشركات الكبيرة.
ومن بين هذه الشركات، شركة “إلبيت للأنظمة” الإسرائيلية، الواقعة في ولاية “نيوهامبشير” الأمريكية، هذه الشركة الإسرائيلية خصصت للعملاء العرب خدمة خاصة، نظراً لحساسية مواقفهم الدبلوماسية، مع كونهم غالباً ما يكونون مسؤولين رسميين، أو على أقل تقدير على صلة بالدوائر الرسمية لدول لا تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع “إسرائيل”، كما قامت الشركة بإرسال فنيّها إلى بعض الدول العربية كالسعودية التي فضح أمرها بعد العثور على جثة أحد أعضاء طاقم الشركة ميّتاً في ظروف غامضة، حيث كان “كريس كريمر” يقوم بتجربة أنظمة استهداف جديدة لصواريخ (تاو)، من إنتاج شركته.
شركة أخرى أظهرت “الولع” السعودي بالتكنولوجيا الإسرائيلية، وهي “شموئيل بار”، المتخصصة في مجال غربلة الرسائل المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لفلترة التهديدات الأمنية، هذه التقنية لاقت إعجاب السعودية وسرعان ما قدمت طلباً للشركة للحصول عليها وتوظيفها في كشف وتعقّب ما تسمّيهم بالمخلين للأمن في السعودية بشرط أن يتم ذلك عبر شركة وهمية تؤسس خارج السعودية.
من الممكن القول إن كل ما ذكر بالأعلى هو محض افتراء وكذب، إلا أن كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في نوفمبر 2016م جاء ليؤكد المؤكد، حيث قال إنه بفضل هذه التكنولوجيا أصبحت الدول العربية تنظر إلينا كصديق وحليف، ولم تعد تنظر إلينا كعدو.
التكنولوجيا الإسرائيلية
لقد استطاعت “إسرائيل”، خلال العقود الماضية، تحقيق تقدّم ملحوظ في عالم التكنولوجيا، وأصبحت تحتل المراتب الأولى في العالم في هذا المجال، وهو ما أعطاها فُرصاً كثيرة للعب دور كبير في العلاقات الدولية وأن تحقّق أهدافها الاستراتيجية، وعلى عكس بعض الدول التي تستفيد من موقعها الجيوبولتيكي أو مواردها النفطية وغيرها من الخاصيات الكمية التي من الممكن أن تلعب دوراً مهماً في استراتيجية الدول، قام الكيان الإسرائيلي بالاعتماد على قدراته في مجال التكنولوجيا، والمعلومات التنافسية.
وكسب الكيان الإسرائيلي هذه المرتبة العليا في عالم التكنولوجيا بفضل الاستراتيجية التي وضعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في سبيل تطوير هذا القطاع، فقامت بتسهيل القروض المالية لإنشاء هذه الشركات وقدمت المعلومات الاستخباراتية والعلمية لها ومنحتها غطاء سياسياً ومالياً غير مسبوق لا يملكه أي قطاع آخر في الكيان الإسرائيلي، وتمتلك “إسرائيل” اليوم 93 شركة تعمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وهو ثالث أكبر عدد للشركات لدولة واحدة بعد أمريكا والصين، ومن حيث تعداد السكان تعتبر “إسرائيل” الأولى عالمياً، حيث تساهم اليوم بأكثر من ستة مليارات دولار من الناتج المحلي الإجمالي لتل أبيب.
وتقول الدراسات الإسرائيلية إن قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي يقوم على 3 ركائز أساسية:
1- وحدة 8900 أو المعروفة باسم وحدة الجيش السيبراني الإسرائيلي، التي كان لها الفضل في تنمية مهارات وخبرات المجندين الصهاينة فيها، إضافة إلى خبرات قدامى المحاربين الذين يلعبون دوراً مهماً في هذه الشركات عبر تقديمهم أفكاراً للجيش عن صناعاتهم الخاصة.
2-أما الركيزة الثانية هي قائمة الأعداء الطويلة والمتوسعة دوماً للكيان الإسرائيلي، والتي توفر مختبراً دورياً شديد الفاعلية لتجريب التقنيات الجديدة.
3- بنك معلومات استخباراتي كبير، حيث لم يكتف الكيان الإسرائيلي باحتضان التكنولوجية والإلكترونيات العسكرية في العالم وحسب، بل سعى إلى تطويرها عبر زيادة بنك المعلومات الأمنية من خلال ما تُتيحه لها قدراتها البرمجية وتفوّقها في مجال التكنولوجيا الذي تُوظّفه في مجالاتٍ مختلفةٍ، وخاصّةً في مجال الأمن وتحليل البيانات الكبيرة.
ختاماً.. إن التقدّم المعلوماتي والتكنولوجي الإسرائيلي أحدث ما يشبه الخلل الكبير في موازين الصراع بين الدول العربية والكيان، وعوضاً عن أن ينظر حكام العرب إليه بأنه خطر على أمن بلادهم القومي، أخذوا ينظرون إليه كمفتاح لتلبية احتياجاتها المتزايدة من التكنولوجيا، خاصة في المجالات الأمنية في حين أن الكيان الإسرائيلي أخذ ينظر إليه على أنه مفتاح لتحقيق هدفه بتطبيع العلاقات مع جواره العربي، دون أن يخلّ بتوازناته الاستراتيجية والأمنية.
* نقلاً عن ” الوقت التحليلي”

قد يعجبك ايضا