الاهتمام بالتراث اللامادي هو تأكيد للهوية الثقافية والوطنية والحضارية

> وكيل وزارة الثقافة لقطاع التراث اللامادي

لقاء/محمد أبو هيثم
تمتلك بلادنا إرثا وتراثا ثقافيا عظيما ومتنوعا يمتاز بالأصالة والإبداع والتنوع والثراء الذي يعكس مدى عمق واصلة شعبنا العظيم وبلادنا المجيدة..
وهذا التراث الثقافي المتعدد يشكل ثروة ثقافية هائلة متنوعة يمنية المنبع والنبض والملامح والهوية.
ومن أنواع هذا التراث ذلك التراث الثقافي الذي يعد جزءًا مهماً من الذاكرة الشعبية والوطنية والإنسانية، والذي بدأ الاهتمام به على مستوى العالم منذ العقدين الماضيين وذلك من خلال التعريف به والدعوة إلى الاهتمام به وحفظه وتدوينه وتوثيقه وحمايته من الضياع والنسيان والإهمال.
ومؤخرا تم إنشاء قطاع التراث اللامادي بوزارة الثقافة في بلادنا .. وحول هذا الجانب كان لنا اللقاء التالي مع الأخ عبد الرحمن مراد وكيل وزارة الثقافة لقطاع التراث اللامادي .

مفهوم التراث اللامادي
* في البدء حبذا لو نعرج قليلا على مفهوم التراث اللامادي ؟
– التراث اللامادي مصطلح حديث تحدد مفهومه بشكل نهائي في عام 1990م وكان من قبل يعرف بالتراث الشفهي للإنسانية وقد توافق الكل على تحديد مفهومه وفق ما ورد في أدبيات المنظمة العالمية اليونسكو التي حددت مفهومه بقولها :
” يقصد بالتراث الثقافي اللامادي الممارسات والتمثلات والتعابير والمعارف والمهارات وكذا الآلات والأدوات والأشياء الاصطناعية والفضاءات الثقافية المرتبطة بها والتي تعترف بها الجماعات والمجموعات وإذا اقتضى الحال الأفراد باعتبارها جزءا من تراثهم الثقافي. وهذا التراث الثقافي اللامادي ينتقل من جيل إلى جيل، ويقع بعثه من جديد من قبل الجماعات والمجموعات طبقا لبيئتهم وتفاعلهم مع الطبيعة ومع تاريخهم، وهو يعطيهم الشعور بالهوية والاستمرارية، بما يساهم في تطوير احترام التنوع الثقافي والإبداع الإنساني”.
فالتراث الثقافي غير المادي ليس شيئا جامدا , بل هو نتاج وثمرة حيوات عاشها الإنسان متفاعلا فيها مع محيطه الاجتماعي والثقافي , ويمكن أن يقال أنه منظومة متكاملة شكلت طبيعة الحياة التي عليها المجتمعات , من عادات وتقاليد ومهارات متوارثة , وهو أشكال التعبير الشفوي والمرويات الصوتية والموسيقية والأساطير والطقوس وفنون الطبخ والملبس وهو في جوهره تأكيد للهويات الثقافية والحضارية والتاريخية ونشأت فكرة الاهتمام به بالتوازي مع فكرة العولمة حتى تحتفظ الحضارات بهويتها وتكون تعبيرا عن التنوع الثقافي .
التنوع الثقافي والعولمة
* من وجهة نظرك ما الذي يمثله الاهتمام بهذا الموروث الثقافي ؟
– الاهتمام بهذا الموروث لم يأت عبثا , بل جاء كقوة مضادة لحركة الانصهار العولمي التي أحدثتها التطورات التقنية المتسارعة , والتي حولت العام كله الى قرية صغيرة تنصهر فيها الخصوصيات وتذوب فيها الهويات , كما أن الدراسات الأنثروبولوجية تؤكد على أهميته في تطور المجتمعات وترى فيه رافدا من روافد التنمية الاجتماعية والاقتصادية , فكل عمل يقفز على البنى النفسية والثقافية يحدث فجوة وفراغا وجوديا وبالتالي صراعا سياسيا.
فالموروث الثقافي ركيزة مهمة في الحفاظ على التنوع والتراث الثقافي في عصر العولمة المتزايدة، ففي فهم التراث الثقافي غير المادي للمجتمعات المحلية المختلفة ما يساعد على الحوار بين الثقافات ويشجع على الاحترام المتبادل لطريقة عيش الآخر..
المحافظة على الهوية
* تم تعيينك مؤخرا وكيلا لوزارة الثقافة لقطاع التراث اللامادي .. ما الذي يمكنك أن تضيفه الى هذا القطاع ؟
– هذا القطاع طبعا حديث النشأة فقرار إنشاء مسماه الوظيفي تم في عام 2013م , ولم يتم استكمال البناء الهيكلي للقطاع نظرا لظروف الوطن التي مر وما يزال يمر بها , وأنا أحاول ما وسعني الجهد التأسيس للبنية التشريعية والهيكلية للقطاع ليكون مواكبا للتطورات الحديثة وقادرا على القيام بوظائفه التي تخدم التراث وتخدم التنمية , وتحفظ للإنسان اليمني مقدراته وخصائصه وهويته التاريخية والحضارية .
برامج وخطوات علمية
* ماهي طموحاتكم المستقبلية في هذا الاتجاه؟
ج – الطموحات كبيرة طبعا , لكن ما يعيقها هو الإمكانات لكن في بالنا إن أستقر الوطن أن نعمل على تخصيص موازنة للقطاع نظرا لأهميته ,واستحداث مصالح أو مؤسسات لامركزية مختصة بالتراث في المحافظات , وسوف نعمل جاهدين على تشجيع تدوينه وجرده وصونه وإدراجه ضمن مناهج المنظومة التعليمية , وإنشاء دوريات علمية متخصصة , ورابطة للباحثين , وإنشاء قاعدة بيانات ومعلومات بالفنون التراثية , وفرق وطنية تستعرض مختلف تعبيراته , وتخصيص مهرجانات محلية لما تشتهر به المجتمعات المحلية من فنون , ونحاول وضع البرامج والآليات لإدراج ما يمكن إدراجه في قائمة التراث الإنساني.
* هل تعتقد أن التراث اللامادي بكل تنوعه والثراء الذي هو عليه ما يزال بكرا في اليمن ؟
– لا هو ليس كذلك فلا يمكن نكران الجهود التي بذلها الكثير وهي جهود فردية طبعا كجهود علي محمد عبده في جمع الحكايات الشعبية وجهود البردوني في كتابيه فنون الأدب الشعبي والثقافة الشعبية وهناك رسالة علمية للمقالح في شعر العامية في اليمن وكتابات متنوعه في عموم الوطن لمهتمين لا تحضرني الأسماء الآن , وهذا الموضوع بحاجة الى اهتمام كي نعيد ترتيبه وتوفير المعلومات عنه .
* هناك اهتمام واسع لمنظمات ومؤسسات دولية بهذا التراث ..ما مدى طموحكم في الاستفادة من ذلك الاهتمام ؟
– نحن نسعى أن يكون لنا تعاون مع كل المهتمين بهذا التراث الانساني , وكل الذي نتمناه أن تستقر اليمن ,لأننا في ظروف الحرب ولأسباب موضوعية طبعا نصبح عاجزين عن عمل أي شيء .
الوعي بأهمية التراث
* هل أفهم من كلامك أن نشاطكم سيتوقف؟
– لا ليس بهذا المفهوم الذي تبادر الى ذهنك , نحن في ظل الظروف الحالية سنركز على شيئين مهمين هما : استكمال البنية النظامية للقطاع , ونشر الوعي المجتمعي بأهمية التراث اللامادي وفي حدود ما هو متاح ولدينا فكرة ندوة سوف ندشن بها حركة الوعي المجتمعي بالتراث والتشجيع على جمعه وصونه وتوثيقه .
* ماذا عن قيادة وزارة الثقافة ..واهتمامها ؟
– الحقيقة معالي الوزير يولي هذا القطاع اهتماما كبيرا وهو يحرص كل الحرص على أن يترك أثرا محمودا لصالح الإنسان وهويته الحضارية والثقافية ولصالح التنمية والاستقرار في المستقبل من خلال التأسيس لحفظ وصون وتوثيق التراث , فالمعركة في الجانب الثقافي لا تقل شأنا عن سواها لأن استهداف الذات اليمنية بالتغريب والفصل الحضاري هدف استراتيجي لقوى تحالف العدوان على اليمن , بدليل استهداف المعالم التاريخية والرمزيات الثقافية والمدن والمعالم الاثرية .
اعتلالات ثقافية
* كمتابع ومتفاعل مع المشهد الثقافي اليمني ..كيف تقيم تموجاته ؟
– المشهد الثقافي اليمني تشوبه مجموعة من الاعتلالات التي انعكست عليه من الأثر السياسي والصراع على السلطة منذ 2007م وهو منذ ذلك التاريخ الى اليوم يعاني من الركود وفقدان الدور والفاعلية وكل التفاعلات وقتية وآنية ومعيشية ووجودية , وبدلا من تأثيره على مجرى الأحداث والتحكم بمساراتها أصبحت الأحداث تتحكم به وتحدد مساراته , يبدو أننا لم نستوعب حجم التبدلات والتغيرات .
آمل أن يستعيد المشهد وعيه بذاته وبوظيفته وأن نتمكن من تجاوز العثرات وأن نبدع واقعا جديدا يكون تعبيرا عن طموح الإنسان الحديث والمعاصر في قابل أيامنا .
* كلمة أخيرة تودون قولها ؟
– أتمنى عودة الاستقرار إلي ربوع وسهول ووهاد اليمن والانتصار على قوى العدوان التي نالت من هذا الوطن كما لم ينل من مقدراته أي عدوان آخر عبر كل حقب التاريخ , وأتمنى أن تصحو اليمن في قلوب كل من يأكلون خيراتها ويعقونها بجلب المستعمر إليها لانتهاك مقدساتها وقيمها الثقافية والحضارية .
تصوير/حامد فؤاد

قد يعجبك ايضا