قراءة من الداخل للتطورات السياسية والدبلوماسية والعسكرية في اليمن في ضوء المعطيات الجديدة

 

أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور
رئيس مجلس الوزراء
تتسارع الأحداث العسكريّة والأمنية والسياسية والدبلوماسية في الجمهورية اليمنية التي تصيغها وتوجهها القيادة السياسية والعسكرية وينفذها القادة العسكريون الأشاوس للجيش اليمني واللجان الشعبية ببراعة متناهية ونادرة ، لتوجيه مسار الأحداث في مختلف المجالات والصعد .
هذه الأحداث والوقائع التي تحدث على ارض معركة الميدان في جبهة الساحل الغربي وفي المياه الإقليمية لليمن وبقية الجبهات وفي ما وراء الحدود وحتى عواصم بلدي العدوان على اليمن ، كلها معلومات ومشاهدات لم تعد ت?صنع كفكرةٍ إعلامية ولا دراميةٍ من خلف الكواليس ولا من خلف الستار ولَم تعد سراً يتداوله أهل الحل والعقد فحسب ، بل إنه قد أصبح خبراً مُشاعاً أي ( أن الخبر بارحي ) كما يسميه أهل اليمن بلهجة محليةٍ عند نقل خبر قد مر عليه ساعات ، وهو موضوع تتناقله وسائل الإعلام العالمية والمحلية والإقليمية من مُعظم قنوات العالم الإخبارية ، ويجتهد المحللون في تفسير ما حدث ويحدث وكل يحلل الخبر على ليلاه !!! ، لكن ما هي الحقيقة النسبية التي علينا التوقف عندها لمعرفة التطورات واتجاه مسار الأحداث في كل هذه العاصفة من الأحداث في البر والبحر والجو ، وما هي القراءات الموضوعية لكل ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية ؟
من الناحية السياسية والدبلوماسية : يتذكر معي القارئ اللبيب المتابع للشأن اليمني بأنه وخلال ثلاثة أسابيع ماضيه تقريباً زار العاصمة صنعاء عددٌ من المسؤولين الدبلوماسيين من الدول الأوروبية وهم : السفيرة / انطونيا كالفو بويرتا سفيرة الاتحاد الاوروبي في اليمن ، السفير / بيتر سيمنبي مبعوث المملكة السويدية لدى اليمن ، والسفير / كريستيان تستو سفير جمهورية فرنسا في اليمن ، والسيد / مارتن غريفيث مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لدى اليمن ، وجميعهم مشكورين يحملون لنا غصن الزيتون لرفع راية السلام والحوار السياسي بين الأطراف المتقاتلة في اليمن ، وهذا في حد ذاته مسعى جميل وتُشكر عليه تلك الدول الأوروبية التي تنشد السلام والأمن والتنمية الدائمة في اليمن السعيد بإذن الله ،
لكن مُعظم هؤلاء الدبلوماسيين لازال مكبلاً ومصفداً بأصفاد قوية ، وهي التزامهم بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الصادر عام 2015م ، هذا القرار كان ولازال وسيظل لعنة اللعنات على الشعب اليمني لأنه شرعن لقتل اليمنيين دون حسيب أو رقيب ، وأطلقت يد كل عابث في الأرض ومنهم الأشقاء الأَعْرَاب بان يعتقدوا بان قتل اليمانيين حلال زلال ، وهنا مربط الفرس وعقدة العُقَد لمن أراد الحل !!! ، والاعتقاد بأن إطلاق العنان لحصار وقتل اليمنيين بأيدٍ عربية إسلامية بأنها الحل الناجع للقضية اليمنية ، أمر لم ولن يتحقق ، بل انه اعتقاد بليد وساذج ، لأنه بعد مرور قرابة أربعة أعوام من الحرب نقول بأنه اعتقاد غير مدروس وربما اعتقاد غبي ، لأن هؤلاء النفر لم يتكئوا في ذلك الاعتقاد الخاطئ على التاريخ الطويل للمقاتل اليمني ، ولا على حاضر وتضاريس نفسية ومعنوية الإنسان اليمني ولا إلى النظر بموضوعية وفهم لتضاريس أرضه وجباله وهضابه ولا إلى إيمانه الراسخ بموضوعات قيّمة ، مثل معاني الكرامة والعزة والشرف ، وهذا لعمري لم يدرسه او يتعلمه هؤلاء فاقدو مثل هذه القيم المعنوية الهائلة التي يتغذى بها وعليها كل أحرار اليمن منذ فجر التاريخ وحتى هذه اللحظة ، بل وسيستمر في موقفه المبدئي هذا .
إن كل عاقلٍ وبيده جزء من قرار صُنع السلام في اليمن عليه أن يراجع كل تلك المعطيات وبالتالي سيصل إلى حلٍ منطقي يستجيب له الواقع بكل تعقيداته .
من الناحية العسكرية : صَعّدت قوى العدوان بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومرتزقتها وعملائها وأتباعها من حربها العدوانية في جبهة الساحل الغربي لليمن ، وأوهمت العديد من دول وشعوب العالم بأن مسألة حسم معركة الاحتلال العسكري لمدينة الحديدة قد حُسمت وما هي إلا ساعات وربما أيام وستكون محافظة الحديدة كلها في قبضة دول العدوان وأن احتلالها للمدينة والميناء أصبح في حكم المؤكد ، وان المتابعين البسطاء وحدهم من صَدَّق مثل هذه الحرب الإعلامية ، ربما قد ابتلعوا الطعم الدعائي والهنجمة والصراخ الإعلامي ، لكن بعد أن حصحص الحق وحضر رجال الرجال الأبطال من المجاهدين من كل أنحاء اليمن للمقاومة والدفاع عن المحافظة الباسلة ، بعد ان وجه السيد الحبيب عبدالملك بدر الدين الحوثي نداءه إلى جميع القبائل والأحزاب والمنظمات وبقية شرائح المجتمع اليمني ، فقد هب الجميع دون تردد استجابة للنداء وتفاعلاً مع خطورة الوضع العسكري هناك ، ومن تلك اللحظة ، فإن موازين القوى العسكرية الميدانية على الأرض قد مالت وحسمت لصالح الجيش واللجان الشعبية .

وهنا يحق لنا طرح الأسئلة ذات المضمون الوطني على المحللين الإعلاميين وهم ( دواشن العصر ) الذين هللوا وطبلوا للقوات السعودية الإماراتية ومرتزقتها بقولهم بأنهم قد استولوا على الجزء الجنوبي من مدينة الحديدة : أين هم الآن ، أين هؤلاء البائسون الذين ملئت القنوات التلفزيونية الأجنبية والعربية من غُثائهم وهرائهم ودجلهم وتدليسهم للرأي العام اليمني والعربي والإقليمي ؟ .. أين هم الآن من كل البطولات العظيمة التي حققها أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية ؟ .. أين أسيادهم الذين استخدموهم كأدوات باهتة لكي يثرثروا بحديث الإفك والرذيلة الإعلامية وسقوط الذات إلى مديات هابطة وطنياً وأخلاقيا وحتى دينياً ؟ فالمملكة العربية السعودية أعلنت بالأمس انها ستتوقف عن إرسال ناقلات نفطها عبر باب المندب لأنه كما تدعي قد أصبح ممراً خطراً وغير آمن ، الم تُذق السعودية والإمارات غالبية اليمانيين بحصارها الجوي البحري والبري الأمرين وعملت على تجويع ونشر الأمراض والأوبئة والجراثيم بسبب قصفها الجوي للمنشآت الصحية ومشروعات وآبار مياه الشرب وكذلك تدمير منشآت الصرف الصحي ، وأعلنت الإمارات المتحدة أن خللاً فنياً وقع في مطار ابوظبي ولهذا حولت مُعظم رحلات الطيران إلى المطارات الفرعية ، علماً بان ذلك ناتج عن إطلاق القوة الجوية اليمنية لطائرة مسيرةٍ ذاتياً ووصلت هدفها بدقة عالية ، كل ذلك حدث ويحدث في مسار تطور العمليات العسكرية.
من الناحية الإنسانية : تتزايد معاناة المواطنين المهجرين و النازحين بسبب استمرار المعارك وجلّ هؤلاء ترك أثاثه ومستلزمات عيشه في منزله وخرج مذعوراً جراء قصف طيران الأباتشي والفانتوم لقراهم ومدنهم وبلغ عددهم في عموم اليمن ما يزيد عن سبعة ملايين وستمائة ألف مواطن يمني لا ملبس ولا غذاء ولا مسكّن ، هذا ما أفادني به السيد / ستيفن اندرسن الممثل المقيم لبرنامج الغذاء العالمي في اليمن في آخر لقائي به منذ يومين ، والطامة الكبرى أن 80% من احتياجات هؤلاء المهجرين يتم استيراده عبر ميناء الحديدة والتي تحاول دول العدوان عبثاً السيطرة عليه لتضمه إلى بقية الموانئ التي سيطرت عليها القوات الاحتلالية للإمارات العربية المتحدة ، ولهذا وذاك ضج العالم كله ضد الهجوم الإرهابي الذي شنته الطائرات والبوارج الحربية لدول العدوان ، والذي خلّف أعظم كارثة إنسانية في العالم وهي الأسوأ في تاريخ الحروب في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
الخلاصة : لكي تنجح مهمة المبعوث الأممي المستر / مارتن غريفت علينا جميعا مساعدته في تجنب جميع المحاذير والمثالب التي تُعيق أي حل سياسي او أية تفاهمات وطنية موضوعية ، وعلى السعودية والإمارات وبعد أربع سنوات من الحرب وبعد أن حدث ما حدث عليهم أن يقبلوا بسلام الشجعان والنبلاء وأن يستوعبوا اللحظة السانحة للحل على قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، وسيتم الحفاظ على المصالح المشتركة وفقاً لقواعد الجوار الأخوي الذي يحترم فيه الجميع مبدأ عدم التدخل في شؤون الغير ، والله اعلم منا جميعاً.
وفوق كل ذي علمٍ عَلِيم..

قد يعجبك ايضا