مكافحة الجريمة بتخفيض عدد السجناء

 

عبدالرحمن علي علي الزبيب

الجريمة تجاوز وانتهاك لنصوص القانون وحقوق الآخرين .
تتفشى الجريمة في بيئة محفزة للإجرام وأسباب تضمن لها الاستمرار.
كل يوم نطالع إحصائيات بارتفاع عدد السجناء في جميع المناطق وافتتاح سجون جديدة واكتظاظ السجون، والبعض يحلل ذلك بأنه مؤشر لنجاح
الأجهزة الأمنية في الضبط والحبس ولكن ؟؟
بمراجعة واقعية نجد أن ارتفاع عدد السجناء واكتظاظ السجون بهم مؤشر إخفاق وفشل للأجهزة الأمنية التي عملها يفترض توفير الأمن للمجتمع بتخفيض تفشي وانتشار الجريمة باتخاذ إجراءات وقائية تحمي المجتمع من الوقوع في الجريمة كضحايا أو كمجرمين .
العلاقة بين انتشار وتفشي الجريمة في المجتمع وارتفاع عدد السجناء علاقة طردية بحيث ينتشر الإجرام بارتفاع عدد السجناء والعكس كونه مؤشراً كاشفاً على عدم إغلاق ثقوب الإجرام واستمرارها في إفراز الإجرام ليسقط الكثير في براثن شبكاتها ويسقطون ضحايا لها كمجرمين أو مجني عليهم .
وتتحول الجريمة بسبب ذلك إلى أسطوانة مكسورة تتكرر باستمرار بدون توقف .
بعد ارتكاب الجريمة يصعب معالجة آثار , فالضحية يكون إما سقط ميتاً بفعل العمل الإجرامي والمال تم سرقته والعرض تم انتهاكه … وغيرها من الجرائم التي تقلق الأمن والسلامة المجتمعية ويصعب جبر الضرر الناتج عن الجريمة وأي جهود لجبر الضرر ستكلف أموالاً طائلة وجهوداً كبيرة وكان الأفضل لتوفير الجهود والأموال تشخيص أسباب تفشي الجريمة وعمل مصفوفة واضحة وخريطة واقعية لتفشي الإجرام في جميع المناطق وتحديد ما هي الجرائم المرتكبة في كل منطقة وأسباب تفشيها والشروع في معالجة تلك الأسباب .
للأسف الشديد مازال البعض يحمل مفهوماً خاطئاً أن الحبس والاحتجاز ورفع أعداد السجناء هو الوسيلة الناجحة لمكافحة الجريمة وهذا خطأ ومخالف للعقل والمنطق الصحيح .
المنطق الصحيح أن مكافحة الجريمة بتخفيض أعداد السجناء والحد من استخدام وسيلة الحبس والاحتجاز لمعالجة الجرائم والاختلالات الأمنية والمجتمعية .
نعم استخدام وسيلة الحبس والاحتجاز قد تضبط المجرمين وتحتجز حريتهم وتكبح تحركاتهم وتكرار الجرائم ولكن ؟؟
الحبس لا يعالج الجريمة ولا يوقفها قد يوقف أدواتها لكنه لا يخمد نيرانها التي تشتعل باستمرار ما لم يتم اجتثاث جذورها ومعالجة أسبابها وعدم التوقف عند ظواهرها .
استخدام وسيلة الحبس بإفراط تنهك الأجهزة الأمنية وتحرفها عن عملها الأساسي وتشغلها في حراستهم وحراسة منشآت الحجز والمنشآت العقابية ومصاريف السجناء ووسائل النقل لهم إلى المحاكم والنيابة العامة وتستهلك معظم جهود عناصر الأمن وإمكانيات الأجهزة الأمنية الشحيحة.
العمل الأساسي للأجهزة الأمنية هو دراسة أسباب الجرائم وتصنيفها والشروع في معالجة جذرية لها والبحث والتحري والتحقق عن المنابع التي يتدفق منها الإجرام إلى المجتمع لتجفيف تلك المنابع لأن تجفيفها أفضل من ملاحقة إفرازاتها .
هناك أسباب متعددة لتفشي وانتشار الجرائم نوجز أهمها في النقاط التالية :
1. ضعف الوازع الديني
يعتبر الوازع الديني عنصراً هاماً لتخفيض الإجرام وللحد من تفشيه, ويعتبر من أهم أسباب انتشار الإجرام في المجتمع ضعف الوازع الديني الذي يدفع المجتمع لنبذ الإجرام باعتباره مخالفاً لتعاليم الدين وتجاوزاً وانتهاكاً لأوامر الله قبل أن يكون انتهاكاً لحقوق الإنسان .
ويفترض أن تتم إعادة النظر في آليات الوعظ والإرشاد وبما يعزز من الوازع الديني الكابح للإجرام بتعزيز الرقابة الإلهية فيستشعر الجميع رقابة الله على أعمالهم فيحجمون عن ارتكاب الجريمة وعدم استغلال ضعف الرقابة البشرية لارتكاب الجريمة كون الله رقيباً عليهم في كل وقت وحين وأقرب إليهم من حبل الوريد .
جهود رفع مستوى الوازع الديني والخوف من الله له اثأر ايجابية تحد من الجريمة وتختصر الكثير من الجهود البشرية .
تتوجب إعادة النظر في آليات الوعظ والإرشاد وأن يكون أحد أهدافها الرئيسية تعزيز استشعار الرقابة الآلهية والوازع الديني لدى أفراد المجتمع .
وإذا ما تحقق ذلك بنجاح تكون قد قطعت الأجهزة الأمنية شوطاً كبيراً في وقاية المجتمع من الإجرام وحمايتهم من الوقوع في براثن الجريمة كضحايا وأيضا كمجرمين .
2. ضعف الوعي القانوني
يستغل البعض ضعف الوعي القانوني وقصور الجهات المختصة في توعية المجتمع لنشر الجريمة في المجتمع واستغلال حاجة المجتمع وصنع المبررات للجريمة .
ما كان هذا ليتحقق لو قامت الأجهزة الأمنية بحملات توعوية عن الجريمة ومخاطرها والمصير السيئ لمن يرتكب الجريمة وإضرارها عليه وعلى محيطة وعائلته ومحبيه لو تم رفع مستوى الوعي المجتمعي لانخفض الإجرام بشكل كبير بإغلاق أهم بوابات تدفق الجريمة إلى المجتمع .
3. الفساد
يعتبر الفساد أهم مسببات انتشار الجريمة في المجتمع كونه يبدد ويضيع موارد الدولة في ثقوب سوداء مما يؤدي ذلك إلى ضعف أجهزة ومؤسسات الدولة بضعف إمكانياتها .
نعم الفساد جريمة خطيرة وسرقة لأموال الشعب ولكنه أيضا سبب هام من مسببات تفشي الجريمة في المجتمع كونه إلى جانب تبديد أموال الشعب يتسبب الفساد في ضعف علاقة الشعب بأجهزة الدولة كون المواطن بتفشي الفساد ينظر إلى مؤسسات الدولة كحواضن وفقاسات للإجرام ولا تستيطع الأجهزة الأمنية القيام بدورها الوطني ضد المجرمين لأن الفساد يكبلها ويتدخل الفساد ليحمي الفاسدين من أي إجراءات قانونية تطالهم .
تتوجب مكافحة الفساد وشن حملة شعواء لاقتلاعه من كافة مؤسسات الدولة بلا استثناء لأنه بتعزيز مكافحة الفساد سينخفض مستوى الإجرام في المجتمع بتفعيل مؤسسات وأجهزة الدولة وتحافظ على إمكانيات وأموال الشعب و إنفاقها في مصارفها الأساسية وتعزز العلاقة الايجابية بين المواطن وأجهزة الدولة كمؤسسات تنبذ الفساد وتكافح الإجرام .
4. ضعف الرقابة الأمنية
ضعف الرقابة الأمنية مسبب لتفشي الإجرام ويشكل بيئة خصبة لانتشار الإجرام ويجب أن يتم تفعيل الرقابة الأمنية في جميع المناطق بتركيب وتفعيل أجهزة الرقابة الالكترونية من كاميرات تصوير وتوثيق وغيرها من الأجهزة الالكترونية لفضح الجريمة قبل وقوعها وإجراء رادع تمنع وقوع الجريمة لأنه مراقب .
5. انفلات السوق الوطنية بلا ضوابط
من أهم أسباب انتشار الجريمة هو الحاجة التي يكون انفلات السوق وارتفاع أسعار السلع مسبب رئيسي لهذا الاحتياج حتى أصبح معظم أفراد المجتمع لا يستطيعون تغطية نفقاتهم من مواردهم وبهذا يكون هناك دافع للجريمة لو تم معالجة هذا الدافع وضبط انفلات السوق وتخفيض أسعار السلع سيتم سحب البساط من تحت مبررات الجريمة وسيخرج عدداً كبيراً من أفراد المجتمع من عباءة ومبرر الحاجة لارتكاب الجريمة وبالإمكان ضبط انفلات السوق الوطنية بإجراءات سهلة وبسيطة وسريعة تحافظ على حقوق الجميع وتخفض نسبة الجريمة في المجتمع الذي سيكون الجميع ضحية لها المستهلك والتاجر وجميع إفراد المجتمع .
6. ضعف خدمات السجون والتدريب والتأهيل للسجناء
السجون منشآت إصلاح وتأهيل وليست فقط منشآت عقابية ,من المفترض ان تكون السجون منشآت يدخل فيها المدانون بارتكاب الجريمة لتأهيلهم وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي بررت وحفزتهم لارتكاب الجريمة ويتم إكسابهم إتقان حرفة ومهنة تحد من احتياجهم لارتكاب الجريمة لتغطية متطلباتهم .
يجب أن تتم دراسة حجم العائدين إلى الجريمة وأرباب السوابق ودراسة أسباب ذلك بمافيها انخفاض مستوى أداء السجون في تحقيق الهدف منها وهو إصلاح السجناء وضمان خروجهم من السجون مواطنين صالحين .
7. انتشار عصابات الإجرام
معظم المجرمين ضحية لعصابات إجرامية غسلت عقولهم وبررت لهم ارتكاب الجريمة وسهلت ومهدت لهم طريق الإجرام .
من المفترض أن يتركز عمل الأجهزة الأمنية في كشف رؤوس وقيادات جميع العصابات الإجرامية لا أن يتم إنهاك الأجهزة الأمنية في ملاحقة ذيول وضحايا تلك العصابات الإجرامية البعض يبرر ضعف الأجهزة الأمنية في ملاحقة واجتثاث العصابات الإجرامية بأن لها نفوذاً كبيراً في كل مكان وموقع ولكن ؟
هذا المبرر خاطئ ويستوجب ان يتم تصحيحه بتعزيز الإرادة الوطنية لدى القيادة السياسية وتعميم وجوبية اجتثاث جميع عصابات الإجرام بدون استثناء وإذا تحقق ذلك سيتم إغلاق أكبر ثقوب تتدفق منها الجريمة للمجتمع وتحمي أفراد المجتمع من السقوط في شبكاتها الإجرامية كمجرمين أو ضحايا لهم .
8. الشفافية الشاملة
معظم الأجهزة الأمنية تعمل في بيئة محاطة بالسرية والكتمان حتى أن السرية أصبحت مرادفاً للعمل الأمني وهذا مفهوم خاطئ جداً نعم هناك مواضيع تستلزم السرية لانجاز العمليات الأمنية لكن معظم العمل الأمني يجب أن يكون شفافاً ومعلن لجميع أفراد المجتمع ليعرف المجتمع حجم الجريمة في المجتمع وأسبابها والاعتراف بالأخطاء والاختلالات ليتم معالجتها وتصحيحها إذا ما استمر الجميع يخفي الأخطاء والاختلالات في الأجهزة الأمنية ويكابر ويعاند في عدم الاعتراف بوجودها لن يتم إصلاح وتفعيل الأجهزة الأمنية الذي أهم عناصرها الشفافية والمصارحة بالخلل والخطأ لأن إنكارها سيسد جميع طرق التصحيح والإصلاح .
9. ضعف الثقة والشراكة المجتمعية
لن تستطيع الأجهزة الأمنية بمفردها تحمل عبء تحقيق الأمن في المجتمع ويتوجب أن تكون هناك شراكة مجتمعية تضم منظمات المجتمع المدني بشكل عام والمتخصصة في السجون ومكافحة الإجرام بالوعي وغيره والقطاع الخاص للمشاركة في تحمل مسؤولية تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع .
ولن تتحقق شراكة إيجابية بين أجهزة الأمن والقوى المجتمعية مالم يتم تعزيز الشفافية والثقة بينهم .
غياب الثقة والشفافية يخرج المجتمع المدني والقطاع الخاص عن تحمل مسؤوليتهم في تأمين المجتمع وسيجعل الأجهزة الأمنية تواجه الإجرام بمفردها وهذا خطأ تتوجب معالجته وتصحيح العلاقة بين أجهزة الأمن والمجتمع المدني والقطاع الخاص ورفع مستوى الثقة بينهم ومعالجة أيّ مشاكل تؤثر سلباً على تلك الشراكة الإيجابية بينهم وبما يجعل للأجهزة الأمنية حاضنة شعبية مجتمعية وجزءاً هاماً في المجتمع وليس جزءاً بعيد عنه ومواجهة له بسبب سوء فهم أو تصرف خاطئ يدفع الجميع ثمنه ويتسبب في انهيار الأمن وتفشي الإجرام .
10. ضعف آليات العدالة التصالحية
من مسببات الإجرام إخفاق المؤسسات الرسمية والمجتمعية في حل المشاكل التي تطرأ في المجتمع وتكون مبرراً وحافزاً للإجرام لو تم تفعيل جهود الأجهزة الرسمية والمجتمعية لمعالجة جميع المشاكل بسرعة سيتم القضاء على نسبة كبيرة من الإجرام التي يتسبب إخفاق التعامل الإيجابي معها فمثلاً إذا حدث احتكاك أو نزاع بين طرفين في حارة أو قرية إذا ما قام عاقل الحارة أو شيخ القرية بسرعة المبادرة لتوقيف النزاع قبل اشتعاله سيؤدي أي تقصير في استمرار ذلك النزاع وحصول جرائم بسبب التقصير في إخماد نيران الفتنه في مهدها.
كما أن أقسام ومراكز الشرطة لها دور كبير في تعزيز العدالة التصالحية في المجتمع وأن يتم النظر لجميع القضايا والمشاكل من منظور مجتمعي وليس فقط امني وأن يكون هناك دور لبث روح التسامح والإخاء بين جميع أفراد المجتمع وبما يؤدي إلى فكفكة صاعق تفجير الإجرام في المجتمع الذي يتفشى في المجتمعات الممتلئة بروح الانتقام من الآخر ويطفئها التسامح والمعالجة السريعة لجميع المشاكل قبل تطورها وإنصاف الجميع بعدالة تصالحية مجتمعية ناجزة وفاعلة.
ويتم إيجاد آليات سريعة للحد من نشوب المشاكل ومنها على سبيل المثال لا الحصر تطبيق آليات الحصر والتوثيق للأراضي في جميع المناطق للحد من نزاع الأراضي الذي يعتبر سبباً للجريمة ويسقط نتيجتها ضحايا وأن يكون هناك لجان فنية بإجراءات سريعة لمعالجة أيّ مشاكل بسبب الأراضي ويكون عملها نزيهاً وشفافاً تحقق عدالة ناجزة تنصف المظلومين دون تطويل في الإجراءات تنهك الجميع منها وأن يكون لتلك اللجان ثقة وقوة يخضع الجميع لها لعدالتها وفاعليتها وكفاءتها وإغلاق جميع ملفات القضايا فيما يخص الأراضي في جميع المحاكم القضائية والذي تضيع سنوات طويلة في نزاع كان بالإمكان البت فيها من لجنة فنية في وقت وجيز جداً .
وفي الأخير :
نؤكد على أن ارتفاع عدد السجناء ليس مؤشر إنجاز ونجاح بل مؤشراً واضحاً لإخفاق وفشل الأجهزة الأمنية في خفض مستوى الجريمة وتأمين المجتمع من الإجرام والذي يستلزم تجفيف منابع الإجرام وقيام الأجهزة الأمنية بشراكة مجتمعية واسعة لرفع مستوى الوعي الديني والقانوني المجتمعي بمخاطر الجريمة وأسبابها للوقاية منها وان يتم تركيز جهود الأجهزة الأمنية في ضبط عصابات الإجرام التي تعتبر فقاسة ومنبعاً يفرز الإجرام في المجتمع وعدم التقوقع في مربع ملاحقة ذيول وضحايا عصابات الإجرام الذي تنهك الأجهزة الأمنية ويضيع جهودها وإمكانياتها بلا جدوى ولا ثمرة .
كما يتوجب ان يتم تشخيص مسببات الجرائم من جميع النواحي الاجتماعية والنفسية والإدارية والأمنية والاقتصادية وغيرها من الأسباب والشروع في معالجة تلك الأسباب واجتثاث جذورها وبما يعزز من أمن وسلامة المجتمع ووقايته من الجريمة قبل وقوعها وعدم التفريط حتى وقوع الجريمة لأن التفريط يكون قبل وقوع الجريمة لا بعدها كما ويستلزم تفعيل الإصلاح والتدريب والتأهيل في السجون للحد من عودة السجناء للجريمة بعد خروجهم وأن يخرجوا مواطنين صالحين يكون لهم دور إيجابي في كشف عصابات الإجرام بدلاً من الوقوع في شباكها الإجرامية وسيؤدي ذلك إلى تخفيض أعداد المنخرطين في عصابات الإجرام وبذلك تتم مكافحة الجريمة بتخفيض عدد السجناء .
عضو الهيئة الاستشارية لوزارة حقوق الإنسان + النيابة العامة
law771553482@yahoo.com

قد يعجبك ايضا