خدمة الاتصالات.. ملاحظات لتصحيح الاختلالات

عبدالرحمن علي الزبيب*
أهم الابتكارات العالمية هي خدمة الاتصالات وتقنية المعلومات التي قربت البعيد وسهلت التواصل بين جميع أفراد العالم ومناقشة وتنفيذ الأنشطة التجارية والإنسانية بسرعة وكفاءة وبلا تعقيد ولكن؟
كل عمل بشري تكتنفه بعض الأخطاء التي تخفض مستوى الخدمة وجدواها وتحتاج باستمرار للمراجعة والتصحيح ومنها خدمة الاتصالات وتقنية المعلومات التي أحدثت قفزة كبيرة في حياة الإنسان في العالم وعالجت كثيراً من المشاكل وخففت الصعاب والتكاليف ولكن؟
مازالت هناك أخطاء واختلالات تعترض خدمة الاتصالات العامة ونقصد هنا بالاتصالات العامة جميع الشركات والمؤسسات التابعة للدولة وأيضاً القطاع الخاص كونها تقدم خدماتها لعموم الشعب بدون تمييز فتعتبر عامة.
نتقدم بملاحظات لمعالجة اختلالات خدمة الاتصالات العامة وتقنية المعلومات ونحن مؤملون بإعادة النظر في آلية تقديم هذه الخدمة الهامة وتجاوز الخلل بكفاءة لننضم إلى المجتمع الدولي الذي يحتفل باليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات في اليوم 17 مايو من كل عام والذي يوافق الخميس 17/ مايو/ 2018، تحت شعار “تمكين الجميع من الاستخدام الإيجابي للذكاء الاصطناعي”.
حيث يحتفل العالم بهذه المناسبة منذ عام 1968.
وبهذه المناسبة يقوم الاتحاد الدولي للاتصالات في 17 من مايو من كل عامٍ بإحياء ذكرى إبرام الاتفاقية الأولى التلغرافية الدولية وتأسيس الاتحاد الدولي للاتصالات وتم اعتبار هذا اليوم على أنه اليوم العالمي للاتصالات.
و يعرف الاتحاد الدولي للاتصالات على أنه التنظيم المعترف به من هيئة الأمم المتحدة والموكل إليه مسؤولية تنظيم عمليات الاتصالات على المستوى العالمي بين الإدارات المتعددة والمصالح العملياتية.
الاحتفالية باليوم العالمي للاتصالات وخدمة المعلومات ليست فقط مناسبة للاحتفال وصرف مبالغ مالية كبيرة في هذا الاحتفال بل الهدف منه هو إعادة تقييم جدية لخدمة الاتصالات وتقنية المعلومات بتشخيص كافة الاختلالات ومعالجتها قبل تفاقمها واختيار شعار الاحتفال باليوم العالمي للاتصالات ليس مصادفة بل مقصود جداً وتتواكب مع تطلعات الشعوب وهذا العام كان شعار الاحتفائية يلامس هموم شعوب العالم وهو تمكين الجميع من خدمة الاتصالات الايجابية، والذي أوضحت الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للاتصالات أن الهدف من اليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات هو إذكاء الوعي بالإمكانات التي تتيحها الإنترنت وغيرها من أدوات تكنولوجيا المعلومات في سبل بناء الجسور بين المجتمعات والاقتصادات.
وموضوع احتفالية هذا العام هو تمكين الجميع من الاستخدام الإيجابي للذكاء الاصطناعي حيث شهدت السنوات الأخيرة تقدماً هائلاً في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تحقق بفضل التطورات الهائلة في مجالات داعمة من قبيل البيانات الضخمة والتعلم الآلي والقدرة الحاسوبية وسعة التخزين والحوسبة السحابية وغيرها. وبدأت التكنولوجيات القائمة على الذكاء الاصطناعي تظهر كعنصر أساسي للأدوات الاستباقية والتطبيقات المستخدمة لمساعدة الناس في التمتع بحياة أفضل عن طريق تحسين الرعاية الصحية والتعليم والخدمات المالية والزراعة والنقل ومجموعة واسعة من الخدمات الأخرى.
وسيسمح موضوع عام 2018 لأعضاء الاتحاد وغيرهم من أصحاب المصلحة الرئيسيين بالتركيز على الفرص المتمثلة في إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في التعجيل بتحقيق هداف التنمية المستدامة بحلول 2030
ويستغرب الجميع أن نكون في هذا العام 2018م وبعد مرور أكثر من خمسين عاماً من تأسيس الاتحاد العالمي للاتصالات مازال العالم متوقفاً في نقطة تعميم خدمة الاتصالات وتقنية المعلومات على جميع البشر حيث ونتيجة لآلية العمل الخاطئة التي يتم بموجبها إدارة خدمة الاتصالات وتقنية المعلومات يتم حرمان عدد كبير من البشر منها وظهور عقبات كبيرة نتيجة اختلالات ضربت جذور وهدف خدمة الاتصالات العامة من خدمة إنسانية الى سلعة تجارية مربحة وربما بالإمكان عمل تواؤم بينهما بحيث تكون سلعة مربحة وفي نفس الوقت إنسانية لا يستوجب احتكارها في فئة معينة من الشعوب وهم الأغنياء وحرمان الفقراء منها باعتبارها حقاً إنسانياً للجميع بلا استثناء ولا تمييز.
وبمراجعة عامة وتشخيص لاختلالات خدمة المواصلات العامة وتقنية المعلومات التي تعيق وصولها للجميع نجد أنها كثيرة نوجز أهمها في التالي:
ارتفاع سعر الخدمة
من أهم عوائق تمتع الجميع بخدمة الاتصالات وتقنية المعلومات هو ارتفاع سعرها مما يجعل خدمة الاتصالات وتقنية المعلومات خدمة عنصرية محتكرة للأغنياء ويتم حرمان الفقراء منها.
نحن لا نطالب بأن تكون خدمة الاتصالات وتقنية المعلومات مجانية بالرغم من أنه هدف نأمل تحقيقه ولكن..!!
بالإمكان على الأقل تخفيض أسعارها لتكون متاحة للجميع ويتم بشكل دوري مراجعة أسعارها وتخفيضها باستمرار ومعالجة مسببات رفعها بتخفيض تكاليف إنتاجها وأيضا تخفيض أرباح الشركات منها لتكون في حدود المعقول وتحقق مصلحة الجميع المستهلك والشركة بعدالة وانصاف وبما يحقق ايراداً معقولاً للشركات لضمان استمراريتها وتطويرها ودفع تكاليف إنتاج الخدمة وصيانة الأجهزة ومواجهة فاتورة مرتبات ومستحقات موظفيها ولكن..
يجب أن يكون هناك عدالة وأن يتم عند تحديد سعر الخدمة مراعاة لظروف المستهلك وبنظرة عامة لسعر خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات نجد انها تتجاوز أربعة اضعاف سعرها الحقيقي على الأقل وبالإمكان تخفيضها الى الربع ولن تتأثر شركات الاتصالات وستحقق عدالة للفقراء وتضمن عدم احتكارها.
مكافحة الفساد
يشاع باستمرار وجود فساد كبير في خدمة الاتصالات العامة في الشركات العامة والقطاع الخاص من مصروفات مرتفعة وتهرب ضريبي وتهرب من الرسوم ورفع مبالغ في سعر الخدمة لجني أرباح كبيرة حتى لو تسبب ذلك النهم الشديد للربح الكبير الى حرمان الفقراء منها.
وإشاعات طويلة بتلاعب في الخدمة بنهب أموال الشعب دون تقديم خدمة مناسبة فيتم احتساب تكاليف خدمة لم يتم تقديمها بحسب التكلفة المطلوبة ولمعالجة ذلك نقترح التالي:
‌أ. تعزيز الشفافية الكاملة في كافة إيرادات ومصروفات شركات الاتصالات العامة والخاصة من نفقات تشغيل ورسوم وضرائب وغيرها واتاحتها لجميع الشعب ليعرف كم التكلفة وأين تذهب الأموال التي يدفعها لتلك الشركات وهل هناك عدالة في تكلفتها وأين تذهب وكم ارباحها؟؟
‌ب. السعر الحقيقي: يلاحظ أن هناك تلاعباً في أسعار خدمات الاتصالات حيث يتم مثلاً تحديد تكلفة الخدمة ثم يضاف إليها رسوم وضرائب مستقلة عنها مما يحدث فجوة بين سعر الخدمة الحقيقي وما يدفعه المستهلك مثلاً تعبئة رصيد بدولار يتم احتساب قيمة الخدمة بدولار وعند الدفع تدفع دولاراً ونصف وعند السؤال عن الفارق بقال أن الفارق هو رسوم وضرائب وهذا تصرف خاطيء حيث يستغل البعض هذا الفارق ليتلاعب في سعر الخدمة ويرفعها ويفترض ان يتم دمج الضرائب والرسوم في سعر الخدمة بحيث يدفع المستهلك مبلغاً واحداً للخدمة ولا يتم تجزئتها والتلاعب فيها بحيث يتم مباشرة خصم الضريبة والرسوم من اجمالي سعر الخدمة وبما يوقف التلاعب في السعر والضريبة.
‌ج. الرقابة والتفتيش: الفساد لايخترق أي جهاز ويعشعش فيه الا في بيئة حاضنة للفساد ولا يمكن لهذه البيئة ان تتحقق لو تم تعزيز الرقابة والتفتيش الشامل على جميع مراحل إنتاج وتقديم الخدمة لإيقاف الخلل قبل تفشيه ومكافحة الفساد قبل انتشاره ويجب لتحقيق ذلك تفعيل آليات الرقابة والتفتيش الداخلي في شركات الاتصالات والرقابة الخارجية أيضا المتمثلة في الأجهزة الرقابية الرسمية والرقابة الشعبية المجتمعية.
انخفاض سرعة الخدمة وجودتها
قد تتحول خدمة الاتصالات العامة وتقنية المعلومات من حلم وردي وخدمة جيدة إلى كابوس اسود وكارثة وذلك بتخفيض سرعتها ورداءة جودتها فيدفع المستهلك مبالغ كبيرة للحصول على الخدمة بسبب التباطؤ فيها وجودتها السيئة وبدلاً من ان يحصل المستهلك على الخدمة في خمس دقائق ينتظر ساعة كاملة وهذا يؤدي إلى ارتفاع التكلفة وضياع الجهد والوقت بلامبرر مستساغ.
ارتفاع تكاليف أجهزة الاستخدام ورسومها
من ضمن معيقات حصول المستهلك على خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات هو ارتفاع سعر أجهزة الاتصال والأجهزة الالكترونية وتضاعف أسعارها واحتكارها بشكل كبير حيث يتم رفع أسعارها بشكل جنوني ومثال ذلك الأجهزة الالكترونية التي من المفترض أسعارها بعشرة دولارات يتم رفعها الى مائتي دولار.
وهذا يستوجب معالجة هذا الفارق الكبير وتخفيضه وكسر الاحتكار في تجارة أجهزة الاتصالات والأجهزة الالكترونية.
وبالرغم من انتشار أجهزة رخيصة الثمن في العالم تقدم خدمات اتصال وخدمات الكترونية لكن للأسف الشديد يتم خنقها ومنع دخولها للاستفادة منها بمبرر أن دخولها سيؤدي إلى إحجام المستهلك عن شراء الأجهزة مرتفعة الثمن إذا كانت الخدمة مماثلة لها أو أكثر جودة من الغالية الثمن.
وهنا يجب ان تقوم أجهزة الدولة بإفساح المجال لدخول الأجهزة رخيصة الثمن بمواصفات جيدة لكسر الاحتكار وضمان حصول الجميع على خدمات الاتصال وتقنية المعلومات بما فيهم الفقراء ومنع احتكارها وحصرها في طبقة الأغنياء فقط.
كما يستوجب تعزيز دور الأجهزة الرسمية في توفير الشركات المستودرة أو المصنعة لأجهزة الاتصال وتقنية المعلومات قطع غيار وخدمات صيانة بمالبغ رمزية جداً.
خلل المسؤولية المجتمعية لشركات الاتصالات
أرباح شركات الاتصالات الحكومية والخاصة مرتفعة جداً وهذا يجعلها امام مسؤولية مجتمعية كبيرة لتخصيص نسبة من تلك الأرباح الطائلة لتقديم خدمات اجتماعية للمجتمع الذي هو سبب لتلك الأرباح.
ويلاحظ ان المسؤولية المجتمعية لشركات الاتصالات ضعيفة جداً ولا تتواءم مع الأرباح الهائلة لها ولا تلامس احتياج وأولويات المجتمع واستهداف الفئات الأكثر احتياجاً من فقراء وطلاب وسجناء.
وهذا لا يعني عدم وجود شركات اتصالات تقوم ببرامج وأنشطة اجتماعية ايجابية فهناك بعض الشركات التي تستهدف الفئات الأكثر احتياجاً ولاحظنا بعضها الذي تقوم بتقديم خدمات اجتماعية للسجناء المعسرين والمحتاجين سواء بشكل موسمي أو بشكل متسمر ولكن..
ما زال دور معظم شركات الاتصالات في الايفاء بمسؤوليتها الاجتماعية ضعيفاً والبعض يبرر ذلك بأن تلك الشركات تخصص نسبة بسيطة من إيراداتها لصناديق تابعة للدولة للنشء والشباب والمعاقين وغيرها ولكن هذا لا يكفي يجب ان تقوم هذه الشركات بإعلان تخصيص نسبة لا تقل عن 10% من إيراداتها لتنفيذ برامج مجتمعية هامة وأن تشرك المجتمع في الرقابة على صحة تنفيذ ذلك الالتزام بشفافية ودون تلاعب أو فساد كما يستوجب ان لا يتوقف دور شركات الاتصالات في توريد الرسوم للصناديق والضرائب بل يستوجب ان تشرف وبشفافية على آليات صرفها للتحقق من صرفها في مصارفها المحددة وعدم انحرافها إلى جيوب البعض كمكافآت ونفقات تشغيل وتكاليف سفر وسياحة ونثريات عبثية وأن تشرك الشعب في الرقابة على الشركات والصناديق وتعزيز الشفافية الكاملة التي تخنق الفساد.
الاضرار الصحية
تابعنا دراسات موثقة بوجود اضرار صحية على المستهلك عند استخدامه لخدمات الاتصالات وتقنية المعلومات وأن هناك أشعة خطيرة تتسبب في أمراض مزمنة وسرطانية بسبب الاستخدام العشوائي لتلك الخدمة وأجهزة البث والارسال.
والذي يستوجب ضبط هذه العمليات وأن تكون في حدود معقولة لا تؤثر على صحة وسلامة المستهلك وأن يكون للجهات الرسمية المختصة دور ايجابي ومستمر لضبط أي تجاوز كما يجب ان يتم رفع مستوى الوعي المجتمعي لدى المستهلك بأضرار استخدام أجهزة الاتصال وتقنية المعلومات والزمن المتاح واليات الاستخدام الخاطئ ليتم تجنبها وغيرها من المحاذير الصحية الذي لا يجوز لشركات الاتصالات طمسها ويجب ان تنشرها بشافية للحد من الضرر الصحي الناتج منها.
وفي الأخير
نتقدم بجزيل التبريكات والتهاني لجميع شركات الاتصالات وتقنية المعلومات بمناسبة اليوم العالمي للاتصالات ونطالب وبإلحاح ان يتم استغلال هذه المناسبة لتطوير أدائها والوقوف الجاد أمام كافة الاختلالات التي تعيق حصول جميع شرائح المجتمع لخدمات الاتصالات وتقنية المعلومات بضبط وخفض أسعارها ورفع جودتها واتخاذ الإجراءات التي تحد من تغول الفساد فيها وتعزز من دورها المجتمعي والإنساني باعتبار خدمة الاتصالات وتقنية المعلومات حقاً إنسانياً للجميع وفقاً لشعار احتفالية هذا العام وان يتم تشخيص جميع المشاكل والاختلالات التي تعيق خدمة الاتصالات لتصحيح الاختلالات.

قد يعجبك ايضا