أحدٌ.. أحد.. الكفيل.. سوق الرق السعودي وعبودية العصر

*المغتربون.. شاهد آخر على حقد السعودية
تحقيق/ أنس القاضي/ سبأ
“أحد..أحد” نستذكر هذه الكلمة من فيلم “الرسالة” ونستذكر معها ما تعرض له الصحابي الجليل بلال بن رباح من تعذيب وتنكيل على يد احد كبار كفار قريش أمية بن خلف.
ذلك التاريخ قبل 1400سنة وقبل أن يقظي الإسلام على كل مظاهر العصر الجاهلي ولكنه اليوم يعيد نفسه حين نشاهد ما يتعرض له المغتربون اليمنيون في السعودية جارة السوء من اعتداءات سافرة وضرب ومهانة وسلب ونهب لحقوقهم فضلاً عن تحويلهم الى “عبيد” في سوق الرق السعودي نظام جديد سموه “الكفيل” الذي يمتلك مصير العامل وحقوقه وحق اختيار مهنته إلى جانب حقه في بيع أي عامل بمبلغ مالي إلى “الكفيل” آخر بعد الاستغناء عنه.
وقد لا يكون مستبعداً أن يحيي آل سعود العهد الجاهلي ويتقمص سلمان وابنه شخصية أميه بن خلف وعمرو بن هشام (ابو جهل)،بعد كل ما يقومون به من إجراءات تعسفية وانتهاكات لا إنسانية بحق المغتربين اليمنيين والتي نستعرض جزءاً بسيطا منها في هذا التحقيق.. وإلى التفاصيل:
بحسب مركز موارد للدراسات الاقتصادية- اليمني، فخلال السنوات العشر الماضية تنامى دور المغتربين في التنمية المحلية ووصل إسهامهم في قطاع الاستثمار المحلي إلى 60 % من إجمال المشاريع الاستثمارية المسجلة. كما ان المملكة العربية السعودية تُدرك أن العامل اليمني المغترب سيعود لرصيف البطالة بعد أن استهدفت موارده، وهذا سيخلق مشكلة اجتماعية تتعمد المملكة خلقها، ويتكشف زيف ادعائها بدعم الشعب اليمني، حين تدعم الحكومة العميلة والمرتزقة.
تهدد الإجراءات السعودية بتراجع تحويلات المغتربين اليمنيين بنحو 40 %، ما يلقي أعباء ثقيلة على الاقتصاد الوطني وعلى معيشة السُكان المعتمدين على تحويلات المغتربين. وفق ما أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن، يوسف سعيد لـ”العربي الجديد”. وأوضح ، أن الإجراءات السعودية تهدد بعودة نصف مليون عامل يمني حتى نهاية 2018م. ما يكبد الاقتصاد اليمني كلفة كبيرة… وبلغ إجمالي تحويلات المغتربين المالية إلى اليمن نحو 3.4 مليارات دولار، جزءٌ كبيرٌ منها من المغتربين في السعودية خلال عام 2016، حسب تقارير رسمية لصندوق الأمم المتحدة الدولي للتنمية الزراعية.
اليوم يرحل مئات الآلاف من شباب الوطن كانوا يبيعون جهد عملهم ونوم عيونهم، لم يكونوا لصوصاً، ولا مرتزقة يطلبون صدقات “الملك”!.. وعلى شكل وصورة قاتمة تعكس حقائق مغايرة للمغالطة السعودية للعالم بأنها تخوض حربا لإنقاذ اليمنيين، وهي على عكس ذلك، فبعد أن دمرت مقدرات وطنهم وبيئة الأعمال في وطنهم ورغم أنها هزمت في معركة إخضاع اليمن لتصب نيران حقدها على العُمَّال اليمنيين وتنتقم من المدنيين المجردين من السلاح كلما هزمت في مواجهة المقاتل اليمني، في الجبهات الحدودية، برغم فارق الإمكانيات.
فارق العمل الجائر
يمثل المغتربون اليمنيون، الكم الأكبر من مجموع الطبقة العاملة في السعودية، فهم الأكثر عدداً والأدنى أجراً، وعلى سواعدهم قامت المملكة السعودية الحديثة، مجردين من أي حقوق عمالية، فظروف العمل في السعودية خارجة عن المواثيق الدولية التي ضمنت حقوقاً للعمال، ولا ينتاب الغرب “المتمدن” أي انزعاج من وضع العُمَّال وانعدام الديمقراطية في ذلك البلد!
وعلى عكس ساعات العمل في دول أوروبا وشرق آسيا ودول عربية أخرى محددة بـ 8 ساعات.. ما يزال العامل اليمني في المملكة السعودية، يعمل 12 ساعة يومياً، ليتحمل أعباء ومهام متعددة يقررها مزاج البرجوازي (الكفيل) ويغيب عنه التأمين الصحي، كما يصعب عليه أن يستقدم عائلته للعيش معه، ومع القرارات الأخيرة بوجوب دفع ضريبة التابع أصبح لقاء لم الشمل في الملكة مستحيلاً!
في الغالب والعام لا يوجد عقد عمل رسمي يحدد العلاقة بين العامل اليمني ورب العمل السعودي (الكفيل)، كما تغيب اللوائح التنظيمية الموضحة لحقوق العامل وواجباته. يحرم العامل اليمني من الحوافز المادية، وكذا المعنوية إذ يُعامل بإهانة من قبل (الكفيل)، كما يُحرم من أجر الاجازة السنوية، ولا يتلقى مكافأة نهاية الخدمة، ولا يحظى بيوم راحة أسبوعي، كما يتعرض للنهب من الكفيل أو الاعتداء، إذا طالب بحقوقه المشروعة.. وما يؤسف له هو أن الحكومات اليمنية المتعاقبة والموالية للسعودية، لم تقم طوال العقود الماضية، بأي إجراءات لحماية حقوق العُمَّال اليمنيين، الذين يخضعون لشروط البرجوازية السعودية، ويُنقلون إلى السعودية عبر شركات سمسرة لا عبر جهات يمنية رسمية.. فحتى اليوم لا توجد أي اتفاقيات يمنية سعودية تنظم مسألة العُمَّالة اليمنية. ويتذكر اليمنيون باعتزاز وحسرة ما كان لليمني من قيمة في فترة الرئيس الحمدي، او اليمني الجنوبي إبان دولة اليمن الديمقراطية سابقاً.
إسهام في تنمية المملكة
كان يذهب الإنسان اليمني ليعمل في الغربة، ويجمع قدراً لا بأس من المال، ليعود إلى وطنه فيفتح مشروعاً اقتصادياً صغيراً يعيش منه حراً كريما، لكن ذلك لم يعد وارداً، فالعامل اليمني اليوم، ما عاد بوسعه سوى جمع القليل من المال ليدفعها إلى السلطات السعودية في نهاية المطاف.
تراكمت الضرائب وتعددت الجبايات التي تمص عرق العامل اليمني المغترب، ما بين نقل كفالة، وتجديد إقامة، وتأمين صحي، ونهب مباشر من (الكفيل) حتى تقلص أجر العامل في المملكة الفاحشة الثراء، ويكاد يُماثل أجر من يعملون في الوطن اليمني المُفقر! وأصبحت الفيزا تجارة مربحة لسماسرة العمل السعوديين الذين يبيعون ويشترون بالعُمَّال اليمنيين، كما كان يحدث في سوق الرق في العهد العبودي، والعامل اليمني المغترب الذي تسميه السعودية “أجير” هو فعلا مُستعبد إن لم يعمل بشروط البرجوازية السعودية فسيموت جوعاً، ولن يجد ما يرسله لأبنائه المتلهفين.
وتبعا لذلك ومع القرارات السعودية الأخيرة، أصبح العامل اليمني هو مَن يُنفق من ماله على الدولة السعودية وعلى رب العمل السعودي المُترف، لم يعد النفط من يتكفل بالموازنة السعودية، مورد اقتصادي أُخر لا يقل اهمية عن النفط يبرز كمصدر ايراد وهو جبي الضرائب من العُمَّال المغتربين في السعودية من كل العالم، والجزء الأكبر من الطبقة العاملة في السعودية، هم من أبناء الطبقة العاملة اليمنية المبدعة المجتهدة.
ووفق قرار مجلس الوزراء السعودي في أواخر العام الماضي، بدأت المملكة العربية السعودية، تطبيق تحصيل رسوم “المرافقين” عند تجديد هوية المقيم، بواقع 100 ريال كرسم شهري على كل مرافق للعمالة الوافدة في السعودية ليصبح المبلغ سنويا قد بلغ 1200 ريال، ويتضاعف المبلغ مع مطلع عام 2018 حتى يصل في عام 2020 إلى مبلغ 400 في الشهر وبمجموع 4800 ريال في السنة.
تاريخ العدوان
وما تعتبره السعودية تهريباً ودخولاً لا شرعيا هو حق مثبت ومقر في اتفاقية “الطائف” 1934 واتفاقية “جدة” 2000م بأن يحظى اليمني بحقوق تضمن له حرية الدخول والحركة والعمل والملكية في السعودية، وهي الحقوق التي انقلبت عليها السُلطة السعودية، التي تعجز عن فصل التداخل الاجتماعي في المناطق الشمالية اليمنية مع الأقاليم اليمنية تاريخيا التي ألحقها ابن سعود بسلطنة نجد فغدت مملكة!
وليس هناك بدايةٌ محددةٌ لاضطهاد واستغلال المغترب اليمني.. فعبر التاريخ خصوصا المعاصر، هناك محطات واضحة وناصعة بصفحات سوداء من العدوان السعودي على كل ما هو يمني حتى الحجيج المحرمين في طريقهم إلى بيت الله الحرام، لكن موجة التعسفات الجديدة بحق المغتربين اليمنيين بدأت منذ العام2015م.. ولكنها كانت بداية غامضة وكما لو أنها في صف تصحيح أوضاع المغتربين اليمنيين، غير أنها في الأصل مسألة حصر استعدادا لهذه المرحلة البشعة، ومع بداية العدوان العسكري على اليمن لجأ النظام السعودي لمنح “هوية زائر” للعمال اليمنين، الذين دخلوا عن طريق (التهريب)، لاستدراج هؤلاء العُمَّال (المتهربين) ووضعهم تحت الرقابة لمخاوف أمنية، وأيضاً محاولة سعودية لتجميل وجهها العدواني، ورغبة في تأييد هؤلاء العُمَّال العدوان الإجرامي والتوسعي على الجمهورية اليمنية.
ومن الملاحظ أن الهجمة العدوانية على المغتربين اليمنيين اشتد أوارها بشكل كبير، منذ أن صعد ابن سلمان إلى موقع ولي العهد، و تجاوزت السعودية مع مجيء ابن سلمان توجيهات محمد بن نايف الذي كان بمنصب ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والتي كانت توجيهاته أقل عدوانية إذا ما قُورنت مع ما يمارسه ابن سلمان.
أصوات دولية
وإزاء هذه الهمجية السعودية ضد العمال اليمنيين ارتفعت أصوات إعلامية دولية مسلطة الضوء على هذه الأعمال اللا إنسانية، حيث عبر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه من الإجراءات الأخيرة التي تقوم بها السعودية تجاه المغتربين اليمنيين، فقد اعتبر أن على السعودية “أن تأخذ بعين الاعتبار تدهور الأوضاع الإنسانية التي خلفتها الحرب المندلعة على اليمن منذ مطلع العام 2015 والتي تعد السعودية طرفًا رئيسًا فيها”..
وقال المرصد إن اليمنيين في الوضع الراهن مع ما تشهده البلاد من حرب، ينطبق عليهم وصف اللاجئين ما يجعلهم يندرجون تحت قاعدة «اللجوء وعدم الطرد» التي نصت عليها الاتفاقية الخاصة باللاجئين لعام 1951 وهو ما يجعل طردهم وترحيلهم انتهاكًا لهذه القاعدة وقد يعرض حياتهم للخطر.
وأشار المرصد الحقوقي الدولي إلى أنه تلقى إفادات من يمنيين قالوا إن الحملة التي أطلقتها السلطات السعودية باسم “وطن بلا مخالف” أدت كذلك إلى اعتقال عشرات منهم حيث جرى نقلهم قسرًا إلى معسكرات التجنيد للقتال في جبهات الحدود نيابة عن الجيش السعودي.
حقائق صادمة
الحقيقة الصادمة لليمنيين من ضعاف النفوس الذين ارتموا في أحضان آل سعود وصدقوا الشعارات الزائفة بغباء لم يسبق له مثيل في التاريخ، وأيدوا العدوان السعودي على وطنهم.. هي أن حملات الترحيل لم تستهدف فقط العُمَّال المتهربين، بل طالت بشكل أساسي مَن مُنحوا رخصة زائر في العام 2015م، كما تستهدف أصحاب الإقامة القانونية، الذين دفعوا عشرات آلاف الريالات السعودية لشرائها من عصابات مافيا الفيزا السعودية… ولطالما شاركت الحكومات الفاسدة المتعاقبة في إذلال المغترب اليمني وعدم إنصافه، لكن التاريخ اليمني لم يشهد حكومة أشد عمالة، وهواناً من حكومة الخائن هادي التي يرأسها العميل ابن دغر، هذه الحكومة التي يعترف النظام العدواني السعودي بشرعيتها، لم يخجل منها ويراعي حقوق اليمنيين ولم يلق بالاً لاستغاثتها الخجولة ولتأكيدات العميل علي محسن الأحمر أن مناشدات المغتربين وصلت أسماع وزير الحرب السعودي ولي العهد ووالده السفاح سلمان بن عبدالعزيز.!
ورغم أن المواقع الإعلامية التابعة لقوى العدوان والمرتزقة ضجت بأخبار طلب الحكومة العميلة من دولة العدوان استثناء اليمنيين من القرارات الأخيرة ولكن دون جدوى.. الأكثر إسفافاً، أن رئاسة الجالية اليمنية ممثلة بالمرتزق فضل بن عطاف وكيل وزارة شؤون المغتربين في الحكومة العميلة، والقنصل اليمني والسفارة اليمنية في السعودية، تقف بكل وقاحة في صف النظام السعودي..
القنصل اليمني العميل لبني سعود، علي العياشي، احتفل بالعدوان على بلاده، مصرحاً قبل ثلاثة أعوام قائلا: “تلك العاصفة التي دكت أوكار الانقلابيين، ها هي تذهب في اتجاه لمسة عطف وتقدير لأبناء الشعب اليمني الذي هو قريب دائما من أبناء الشعب السعودي”.
ومؤخراً استدعت السفارة اليمنية بالرياض بطلب من “هادي”، الشرطة السعودية لتفريق متظاهرين من المغتربين اليمنيين تجمعوا أمام السفارة، منددين بدور هادي وحكومته وتجاهل السفارة للانتهاكات التي يتعرض لها المغتربون اليمنيون… أما وزير المغتربين في الحكومة العميلة علوي بافقيه، فلم يجد حرجاً في تبرير الإجراءات الظالمة بحق عمال اليمن قائلاً: “غالبية اليمنيين في المملكة غير مؤهلين ومعظمهم يأتي من مناطق الحوثيين”.
أخيراً.. يتوجب على الدولة ممثلة بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني العمل بمسؤولية لقضية المُرحلين، وتدارس الخيارات الملائمة لاستيعابهم في سوق العمل، والاستفادة منهم كأيدٍ عاملة، ومن رؤوس الأموال اليمنية التي يُضيق عليها، ليتصدى الجميع معاً، لحرب إفقار جديدة تشنها الجارة العدوانية المترفة!

قد يعجبك ايضا