الحقد السعودي يطال المغترب اليمني

*فرض رسوم باهظة وتنكيل ممنهج عبر سياسة الانتهاكات والاعتقالات
*إعفاء 3 جنسيات غير عربية من رسوم العمالة الوافدة وإجبار اليمنيين على تسديدها
*معاناة المغترب اليمني تعكس الحقد السعودي على اليمن أرضا وإنسانا
*أكاديميون: أكثر من جريمة يدينها القانون الدولي طالت اليمنيين في السعودية
*”المرصد الأورومتوسطي” بجنيف: تلقينا إفادات من مغتربين يمنيين تتحدث عن اعتقال العشرات منهم ونقلهم قسراً إلى معسكرات *التجنيد للقتال في الحدود نيابة عن الجيش السعودي

تحقيق/حاشد مزقر
يوما بعد يوم تزداد معاناة المغتربين اليمنيين الذين يقارب عددهم الـ (3) ملايين مغترب في السعودية بسبب مختلف الإجراءات والقرارات التعسفية التي اتخذتها السلطات السعودية في الشهور الأخيرة ضد المقيمين من دون أن يتحرك الفار هادي وحكومته التي تقيم في الرياض للتخفيف من معاناة اليمنيين في ظل العدوان الذي تعيشه اليمن والذي تشنه السعودية بشكل مباشر وأصبحت العمالة اليمنية في وضع مزر للغاية حيث يدفع كل مقيم يمني جل راتبه وأجره كرسوم للسلطات السعودية والتي أصدرت مؤخرا إجراءات بشأن توطين (سعودة) بعض المهن والرسوم المفروضة على المقيمين وكل فرد يرافقهم فمثلت ضربة موجعة لمستقبل الآلاف من هؤلاء العمال واعتباراً من 1 يوليو 2017م توجَّب على كل مقيم دفع 100 ريال سعودي شهرياً عن كل مرافق وتضاعف المبلغ (200 ريال سعودي) ابتداءً من هذا العام 2018م.
وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد الجالية اليمنية في السعودية يقترب من ثلاثة ملايين شخص وهو رقم كبير مقارنة بعدد الأجانب في السعودية الذي أوضح تعداد السكان السعودي في العام 2017م أنهم وصلوا إلى 12 مليوناً و185 ألفاً و284 وفي ما اعتبر الكثير من الجالية اليمنية في السعودية تقاعس السفارة اليمنية بالمخزي حيث لم تتحرك بمحاولة لتجنيب اليمنيين آثار القرارات الكارثية بحق العمالة اليمنية والتي تجاوزت الاتفاقيات والمعاهدات بين الطرفين بشأن العمالة اليمنية فيما يقتصر دور السفارة على خدمة مشاريع العدوان ومخططاته التي سعت لتمزيق النسيج الاجتماعي في الداخل والخارج..وفوق ذلك تشن السعودية حربا موازية على المغترب اليمني..بعد ان دمرت بلده ونشرت المجاعة فيه.

مع بداية العام 2018م زادت معاناة اليمنيين في السعودية وبشكل كبير بسبب القرارات التعسفية التي اتخذتها السلطات السعودية فمن الرسوم الشهرية المفروضة على الوافدين ومرافقيهم إلى غلاء المعيشة بسبب ارتفاع الأسعار كالكهرباء بنسبة 300% كذلك أسعار البنزين وارتفاع أسعار مكتب العمل مع زيادة 100% كل عام وغيرها من الضرائب والمتطلبات التي ضاعفت المعاناة بشكل متسارع بالإضافة إلى سياسات (سعودة)المحلات التجارية التي حصرت بعض الأعمال في العديد من المولات والمحلات النسائية وغيرها على السعوديين وتضرر بسببها عدد كبير من المغتربين اليمنيين بإغلاق محلاتهم أو الخروج من أعمالهم، ومع بداية شهر يناير الماضي فرضت السعودية رسوماً شهرية بواقع 400 ريال شهرياً عن كل عامل وافد وتدفع العمالة الأقل من أعداد العمالة السعودية 300 ريال شهرياً ويدفع كل مرافق 200 ريال شهرياً .
وفي أواخر ديسبمر الماضي أعلنت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية السعودية قراراً شمل إعفاء 4 جنسيات من رسوم العمالة الوافدة وهي (الفلسطيني بوثيقة مصرية واتحاد ميانمار وتركستاني و مقيم بلوشي) وهو القرار الذي أكد الحقد الدفين الذي تكنه السلطات السعودية على اليمن أرضا وإنساناً.
التجنيد أو المعتقل
أشار العديد من المغتربين إلى أن السلطات السعودية شنت على مدى الأيام الماضية حملات اعتقالات واسعة في صفوف اليمنيين المقيميين وزجت بهم في السجون وتحدثت مصادر متعددة عن انشائها لمعسكرات تجنيد للقتال نيابة عن جيشها في جبهات الحدود واضعةً أمام المغتربين خيارين إما القتال في جيزان ونجران وعسير بجانب الجيش السعودي أو السجن بحجة عدم تسديد رسوم الإقامة والضرائب.
وأكدت مصادر إعلامية أن قيام السلطات السعودية بحملة (وطن بلا مخالف) يهدف إلى اعتقال اليمنيين المقيمين وترحيلهم إلى معسكرات تجنيدلأخذ دورات عسكرية تمهيداً لقتالهم نيابة عن الجيش السعودي في الحدود اليمنية السعودية..
كما أوضحت ذات المصادر أن حملة الاعتقالات جاءت بحجة القوانين والإجراءات الجديدة التي اتخذتها الحكومة السعودية أخيراً والتي تفرض على المقيم تسديد رسوم الإقامة والضرائب الأمر الذي عجز المقيم اليمني عن تنفيذه بسبب معاناة المغتربين اليمنيين التي تزداد يوماً بعد يوم..وكشفت المصادر ذاتها عن عدة معسكرات سعودية تم إعدادها سلفاً لاستقبال المجندين في كل من جيزان والدمام والطائف ومنها معسكر العارضة التابع للواء السادس حرس حدود في جيزان والذي يشرف عليه العقيد حسين حسان الغمري.
مشيرة إلى أن عدداً من المغتربين الذين تم تجنيدهم نُقلوا إلى المعسكرات ويتم تدريبهم هناك استعداداً للدفع بهم إلى ميدان المعركة..
مراقبون أوضحوا أن السعودية تسعى للتعويض عن الآلاف من المسلحين والمئات من جنودها الذين قتلوا في جبهات جيزان ونجران وعسير خصوصاً بعد فرار المئات من المجندين الذين تم استقدامهم من محافظات اليمن الجنوبية للتدريب في معسكر بجيزان على أن يتلقوا دورات في مكافحة الإرهاب للعودة إلى عدن لممارسة العمل في هذا المجال غير أنهم فوجئوا بإبلاغهم أنه سيتم إرسالهم لقتال اليمنيين في الحدود الأمر الذي دفعهم إلى التظاهر والفرار وتعرض بعضهم للقتل والاعتقال في واقعة اعترفت بها قيادات جنوبية وأعلنت عنها مجلة (العربي) والتي أكدت أنها اطلعت على الواقعة وبالوثائق..وهو ما يفسر ويؤكد رواية المحللين عن تعويض السعودية عن خسائرها عبر تجنيد المئات من اليمنيين المقيمين وهو ما أكدته وزارة الدفاع السعودية في إعلانها عن وظائف شاغرة برتبة (جندي) لخريجي الثانوية العامة (بجميع أقسامها)، والثانوية الصناعية والتجارية أو ما يعادلها ومعهد العمارة والتشييد.
اعتقال العشرات
وأشار «المرصد الأورومتوسطي»_الذي يتخذ من جنيف مقرا له_ إلى أنه تلقى إفادات من يمنيين قالوا إن الحملة التي أطلقتها السلطات السعودية باسم (وطن بلا مخالف) أدت كذلك إلى اعتقال العشرات منهم إذ جرى نقلهم قسراً إلى معسكرات التجنيد للقتال في جبهات الحدود نيابة عن الجيش السعودي..وقالت ميرة بشارة الباحثة القانونية في «المرصد الأورومتوسطي» إن صحَّت هذه الانتهاكات فهي تمثل انتهاكاً خطيراً لأحكام القانون الدولي وحقوق الإنسان عبر التجنيد القسري للمدنيين.
وأعرب المرصد الحقوقي عن بالغ قلقه إزاء قيام السلطات السعودية بترحيل آلاف اليمنيين المقيمين على أراضيها ممن دخلوا إلى الأراضي السعودية بطريقة غير مشروعة إما هرباً من الحرب أو للبحث عن عمل معتبراً أن على السعودية أن تأخذ بعين الاعتبار تدهور الأوضاع الإنسانية التي خلفتها الحرب المندلعة في اليمن منذ مطلع العام 2015م والتي تعد السعودية طرفاً رئيساً فيها..
وقال «المرصد الأورومتوسطي» في بيان صحافي إن السلطات السعودية كانت قد أطلقت حملات تهدف إلى تصحيح وضبط أوضاع العمالة لديها ولاسيما فيما يخص مخالفة أنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود ما أسفر عن ترحيل الآلاف من العمال الأجانب وفرض العقوبات على بعضهم..وبين «الأورومتوسطي» أن عدد المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود الذين تم ضبطهم ضمن الحملات الأمنية في مناطق المملكة السعودية كافة بحسب ما أعلنت حكومتها بلغ قرابة 409 آلاف مخالف وبحسب وكالة الأنباء السعودية بلغ عدد الذين تم ضبطهم أثناء محاولتهم التسلل عبر حدود السعودية 5701 شخص، 77 % منهم من اليمنيين (حوالي 4390 يمنياً) تم ترحيلهم إلى اليمن.
جرائم ضد الإنسانية
خالد المجلي باحث أكاديمي وناشط حقوقي يمني عمل خلال السنوات الأخيرة على إبراز الواقع المعاش لليمنيين وربط ذلك بمعاملة السعودية للمواطن اليمني المغترب على أراضيها كون أبهى صور معاناة المواطن اليمني تأتي من هناك فيقول ” تقصيت عن كثب وضع المواطن اليمني الذي يركن في معيشته على السعودية عن طريق العمالة هناك وتوصلت في آخر بحوثاتي إلى أن اليمني المغترب في السعودية يعيش حالة معيشية أقل ما يمكن وصفها بالمأساوية، فالانتهاكات التي تطال المغتربين اليمنيين سواء من قبل الإجراءات الأمنية السعودية أو من قبل السعوديين الذين يعملون لديهم تكاد تصل إلى جرائم ضد الإنسانية فمن خلال الحالات التي تم رصدها وكذا الشهادات التي تم جمعها فإن أكثر من جريمة يدينها القانون الدولي طالت اليمنيين ومنها الاعتداء على يمنيين بالضرب والاهانة ووصلت في بعضها حد الموت أيضا يتعرض اليمني المغترب هناك للاستفزاز والسلب والنهب للمتلكات والاستغلال والابتزاز للكثير منهم خصوصا الذين دخلوا السعودية بطرق غير قانونية ـ بحسب ما تذكر السلطات السعودية ـ وإلا فالحق أن أكثر من حق قانوني لليمني اكتسبوه من بنود اتفاقية ترسيم الحدود اليمنية السعودية قد ضيع تماما من قبل السلطات السعودية .
نظام الكفيل والعبودية
ويرى الدكتور حمود العودي أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء من خلال ورقة عمل تتحدث عن (تجارة البشر) بأن نظام “الكفيل” في دول الجوار العربي هو التجسيد الأبرز لما يشبه أو يقترب من عبودية وتجارة البشر والتي يعاني منها اليمنيون في دول الجوار العربي أكثر من غيرهم من العمالة الوافدة العربية وغير العربية، بل إن مشاكل تجارة البشر أو ما يشابهها على الأقل تمتد إلى ما هو أكثر من مجرد نظام الكفيل إلى افتقاد الكثير من العمالة الوافدة من اليمنيين لأبسط حقوقهم الاجتماعية والإنسانية كحق امتلاك ناتج عملهم وأدواته وحتى ما يوازي مساحات قبورهم عند الموت ناهيك عن حقوقهم المدنية في حرية التعبير والتنظيم المهني والنقابي المنصوص عليه في كل وثائق حقوق الإنسان وفي جوهر الشرع الإسلامي نفسه وهو الأمر الذي يفسر في تقديرنا على الأقل كل واقع النكران والجحود لكل ما هو يمني لدى أصحاب القرار في السعودية رغم صلة الجوار وواحدية الدين واللغة ورغم الثراء الفاحش ورغم مئات مليارات الدولارات التي تنفقها في شراء الأسلحة، فكل ما تصنعه بالمغترب اليمني لن يأتي بسبب قلة أو عسرة بل من تغييب إنسانية الإنسان ليصبح عندها مجرد سلعة للبيع والشراء في سوق النخاسة الجديد وإن بأشكال ومسميات جديدة .
انقطاع التحويلات
وبحسب خبراء اقتصاد فإن معظم المغتربين اليمنيين بالسعودية يعملون في مهن بسيطة وبأجور متواضعة يعيلون من خلالها آلاف الأسر في الداخل والإجراءات السعودية الأخيرة تهدد بتراجع كبير للتحويلات المالية للمغتربين وهذا سينعكس سلباً في زيادة معاناة اليمنيين بالداخل كون أغلب العمالة اليمنية تتركز في أنشطة بسيطة أغلبها في تجارة التجزئة والمطاعم وأعمال البناء ومحال بيع الملابس وأجهزة الهاتف ويقبضون أجوراً متواضعة للغاية مقارنة بالعمالة الوافدة من بقية الدول.. وبحسب متوسط رواتب العاملين مقابل الرسوم المفروضة بالإضافة إلى دفع قيمة الفيزا وتجديد الإقامة كل سنة والكفيل ورسوم السفارة وإيجار السكن ورسوم الكهرباء والمياه والاتصالات والإنترنت ورسوم الدراسة ورسوم تأمين طبي مبلغ مابين ( 1200 – 700) ريال ورسوم مكتب العمل 200 ريال ورسوم تعقيب 300 ريال ورسوم تجديد الآقامه 750 ريالاً كما يجب على المغترب أن يدفع للكفيل ما بين (2000 _ 5000) ريال ورسوم تأشيرة 300 ريال سعودي كل ذلك يتم دفعه خلال عام واحد فإنه سيصبح من المستحيل استطاعة أي عامل تحويل مبالغ مالية لأسرته في أرض الوطن وتوقف تحويلات المغتربين مما يعني توقف أمل اليمنيين الأخير وأهم مورد اقتصادي في ظل العدوان السعودي الذي يعصف بالبلاد منذ أكثر من 34 شهرا مما يهدد اليمن بمزيد من الفقر والجوع كون هذه التحويلات المصدر الرئيسي لحياة آلاف الأسر اليمنية.
وقال خبراء اقتصاد إن 90% من المغتربين اليمنيين لن يتمكنوا من سداد هذه الرسوم لأنها تتجاوز أصلاً ما يتقاضونه من أجور، وأكدوا أن الإجراءات السعودية الأخيرة التي بدأ تطبيقها منذ مطلع يوليو 2017م ستؤدي إلى تراجع تحويلات المغتربين اليمنيين وقد تدفع عشرات الآلاف من العمالة اليمنية في السعودية للعودة إلى بلدهم رغم ظروفها القاسية.
الأمر الواقع
بينما ارتضى الكثير من أبناء الشعب اليمني من الفقراء الاغتراب في دنيا المآسي بالنسبة لهم لم يكونوا يطمعون بأكثر من أن تستقر بهم أيامهم في السعودية من أجل تأمين لقمة العيش لأسرهم في الداخل لكن الأيام الأخيرة لم تضمن لهم استمرار تنفسهم لا غير وبعد أن فقدوا ما كانوا يطمعون به فقد تحولت الحياة أمامهم إلى بحر من المصائب يحاولون جاهدين النجاة من أمواجها التي تنوي إغراقهم فهم الآن يقاومون ما فرضته السلطات السعودية من رسوم أثقلت كاهلهم عن طريق بعض الإجراءات كالتقشف في المصاريف وتقليل عدد الوجبات والاستغناء عن كثير من المواد الغذائية غير أن كل هذه الإجراءات لم تخفف من الأمر شيئاً فالسلطات السعودية تأتي بأساليب جديدة لخنقهم ولكي يرضوا بالأمر الواقع فإن الانتهاكات تطالهم كأسلوب إضافي يجبر العديد منهم على مغادرة أراضيها كما غادرها الكثير من قبلهم.

قد يعجبك ايضا