فدائيون في ساحات المواجهة

جرحى الجيش واللجان الشعبية.. سيرة كفاح وتضحية 
النهاري:
فور شفائي سأعود إلى الجبهة حتى النصر أو الشهادة

هادي:
اصبت وأسرت ورغم كل شيء سنأخذ بالثأر من العدو

الوشلي:
كلي شوق للعودة إلى الجبهة مع زملائي للتنكيل بالاعداء

راجح:
حالتي في تحسن والحمد لله وسنواصل الدفاع عن اليمن وفدائه

تحقيق/ جمال الظاهري

من الدور الثالث في مستشفى زايد بالعاصمة صنعاء ومن خلال هذه النافذة نطرق ونستطلع معاناة شريحة استثنائية بذلت أرواحها دفاعاً عن سيادة البلد وكرامة شعب, شريحة جلها من الشباب واليافعين الذين فاجأوا الجميع بتفانيهم وبذلهم وبما سطروه من ملاحم بطولية أذهلت العالم.
نتحدّث عن جرحى الصمود والمقاومة عن الجراح والآلام والدماء التي لم تنزف ترفاً أو صدفةً، وإنّما نزفت بقرار وإرادة وبحريّة واختيار.. نتحدّث عن الأبدان والأرواح التي كانت ولا زالت السور الحصين الذي تكسرت أمامه كل حراب العدوان وذابت كل خططه الجهنمية تحت أقدامهم .. نتابع:
نساء وأطفال أصيبوا جراء العدوان, وآخرون فقدوا حياتهم لانعدام أو ضعف الخدمة الطبية أو لأن الطرق ووسائل المواصلات لم تساعد في الوصول في الوقت المناسب إلى المستشفيات بسبب قصف وتدمير طائرات تحالف العدوان أو بسبب الحصار الشامل الذي يفرضه العدوان على اليمن.
لكن اللافت في الأمر أنه وبرغم كل هذا الألم والمعاناة هو أن تجد لدى هؤلاء هذا القدر من الصبر على ما أصابهم, وعزيمتهم القوية والأمل الكبير في الحياة والمستقبل الأفضل لهم ولبلدهم؟!
معنويات عالية
البداية كانت مع عبدالله محمد راجح من أبناء ضلاع همدان وأحد الجرحى الذين يرقدون في المستشفى, التقيناه في ردهة الدور الثالث تحدث وأوجز ما يحتاج إلى مجلدات لتوضيحه وقال:
أصبت في جبهة الخوخة بالكثير من الشظايا في ظهري وعمودي الفقري وتم إسعافي إلى الحديدة ومن ثم نقلوني إلى مستشفى الثورة بصنعاء, حيث رقدت هناك ستة أيام على ظهري فحدثت لي مضاعفات، أصبت بالتقرحات ودام مكوثي في المستشفى نصف شهر وبعدها نقلت إلى مستشفى السبعين واعدت إلى مستشفى الثورة من أجل إجراء عملية لإزالة الشظايا, والحمد لله حالتي الآن في تحسن”.
وقبل أن نتركه ليواصل استمتاعه بسماع أحد زوامل عيسى الليث، أبدى عبدالله ارتياحه من الرعاية التي حظي بها وختم حديثه بشكر الأطباء والممرضين والمندوبين ولم يغفل التأكيد على أن معنوياته عالية وعزمه على العودة إلى الجبهات حال تماثله للشفاء واكتمال علاجه.
رحلة شفاء
كان أسيراً لدى قوات التحالف في عدن .. حسن عبدالله حسن هادي أحد المحررين من سجون عدن يتحدث عن تجربته ومعاناته في سجون المرتزقة وسبب تواجده في المستشفى قائلاً:
كنت ممن أسروا في معارك عدن وقد أصبت حينها بطلقة في رجلي اليمنى وتم أسري وسجني لدى الدواعش في مدرسة بحي كريتر وقد حدثت لي مضاعفات نتج عنها تلف في الحوض وأخضعت للعلاج لديهم ولكنهم ضربوا لي إبرة في ظهري – في عمودي الفقري- وبسبب هذه الإبرة لم أشف حتى اليوم, وبعد عودتي خضعت لفحوصات وأجريت لي عدد من الفحوصات والكشوف الطبية من أطباء قالوا بأنه تم السحب من نخاعي الشوكي وأن هذا ما سبب لي الفقدان والخروج المستمر لسائلي المنوي, ولكن إن شاء الله سنأخذ بالثأر منهم ومن هذا العدو.
توق للجبهات
في غرفة أخرى التقينا بالجريح موسى محمد إسماعيل النهاري – شاب يافع لا تفارق البسمة وجهه رغم ما يعانيه من الألم. قبل الحديث معه كنا قد شاهدناه وهو يتكئ على عكازين ويحاول العودة إلى سريره بصعوبة فقام مندوب الجرحى بمساعدته على الاستلقاء على سريره. نظر إلينا وهو يبتسم وأبدى استعداده للحديث وقال:
أصبت في منفذ الخضراء أثناء تنفيذنا لعملية اقتحام لتبة صادق 8, ويومها استشهد اثنان من زملائي، أبو جهاد وأبو مطلق، بعد أن نكلنا بالدواعش, وأنا أصبت في رجلي بطلقة من قناصة (نيمس) ومعنوياتي عالية فوق السحاب وبعد أن أشفى سأعود إلى الجبهة حتى النصر أو الشهادة.
ملاحم بطولية
أما الجريح إلياس عبدالرحمن الوشلي فقد حكا لنا قصته مع الإصابة، واصفاً ذلك اليوم بالملحمة التي يعتز ويفتخر بأنه كان أحد أبطالها، قائلاً:
أصبت بشظية كاتيوشا في عضلة ساقي اليسرى, وقد حدث ذلك في معركة حاول العدو يومها الزحف على مواقعنا في جيزان – وادي جارة- وقد استخدم في ذلك الزحف كل أنواع الأسلحة المتوفرة لديه وبمشاركة الطيران الذي شن علينا خمسين غارة إلى جانب تمشيط مواقعنا من قبل العدو بواسطة قذائف الهاونات التي كانت تتساقط علينا كالمطر, وبعد التمشيط حاولوا التقدم والسيطرة على مواقعنا بمشاركة أعداد كبيرة ومن جنسيات مختلفة، سودانيين وسعوديين وإماراتيين ومرتزقة يمنيين وآخرين – معتقدين بأنهم قد قضوا علينا وأنه لم يعد هناك أحد من المجاهدين لكن وبفضل من الله كان المجاهدون حاضرين وقد كمنوا لهم وبمجرد دخولهم مرمى أسلحتنا باشرناهم بنيراننا ولم ينج منهم أحد”.
وعن الرعاية التي يتلقونها يقول إلياس الوشلي بأنها “ضخمة” وأن معنوياته عالية وكله شوق للعودة إلى الجبهة وإلى زملائه من المجاهدين للتنكيل بالأعداء.
حاجة لتخصصات
في قسم الجرحى التقينا بالدكتور علي السلامي الذي حدثنا قائلاً:
حاليا يبلغ عدد الجرحى في القسم 28 جريحاً منهم من له مدة طويلة وآخرون وصلوا إلينا حديثاً, الكادر الطبي يبذل أقصى ما لديه من جهد من أجل تلبية حاجاتهم, والأدوية متوفرة, وفيما يخص ما نقدمه لهم فإن دورنا يتركز في إجراء عمليات التجميل الناتجة عن الإصابات والحروق إلى جانب مهامنا الرئيسية المتمثلة بالرعاية والمتابعة للحالات التي ترقد لدينا وتنظيف الإصابات بعد إجراء العمليات الجراحية.
وعن احتياجات القسم يقول الدكتور السلامي: الرعاية على أحسن حال ولكن نحن بحاجة إلى بعض التخصصات, نحتاج إلى صيدلي نظراً لنقل الصيدلي الوحيد الذي كان لدينا ونتطلع إلى اكتمال مقومات النجاح, كأن يكون هناك تعاون وتكامل أفضل بين القائمين على المستشفى وممثلي أنصار الله بالقسم ومع الجهات المعنية برعاية الجرحى ( مؤسسة الجرحى) من أجل توفير العدد اللازم من الممرضين لأن عددهم الحالي غير كافٍ.
إنهم أملنا
التقينا أيضاً بالأخ محمد أحمد مهدي الشريف – مساعد طبيب- الذي فضل أن يبدأ حديثه عن علاقته بالجرحى وعن انطباعه حول معنوياتهم كونه كان قد رابط مع المجاهدين في جبهة نهم حسب قوله فقال:
لقد كونت صداقات كثيرة مع المجاهدين في الجبهات وبالأخص الجرحى الذين تعاملت معهم في الميدان, وقد أدهشوني بمعنوياتهم العالية وباستعدادهم الدائم للتضحية, وبعد نقلي إلى مستشفى زايد لم ينقطع تواصلي معهم. إنهم أملنا ويدهشونك حين تسمعهم يتحدثون عن شوقهم للعودة إلى الجبهات والكثير ممن تعافوا قد عادوا فعلاً إلى الجبهات ومنهم من لا يزال هناك وآخرون ارتقوا شهداء”.
نواقص مطلوبة
يؤكد الشريف أن “الاهتمام والرعاية للجرحى جيدة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد”.. ويضيف: إلا أن هناك بعض النواقص نحن بحاجة إلى استيفائها مثل المراهم الجراحية فهي غير متوفرة في المستشفى ويتم شراؤها من السوق كـ(السوكلسرين), حيث يشتريها الجريح وهي غالية الثمن, في حين أن باستطاعة المستشفى توفيرها وهذا يتطلب التعاون بين مؤسسة الجرحى والمستشفى كون ميزانية المستشفى محدودة والجهة المعنية بالجرحى والتي تحصل على مخصصات الجرحى هي مؤسسة الجرحى التي تقوم مشكورة بتوفير ما نحتاجه من ما هو متوفر في صيدلية (المسيرة).
مؤسسة الجرحى
مندوب الجرحى المشرف على القسم الخاص بهم عبدالرحمن جراد رحب بنا وأبدى شكره على اهتمام الصحيفة بأوضاع الجرحى قال:
يوجد لدينا في قسم الجرحى 28 جريحاً إصاباتهم متنوعة ما بين الغيبوبة المطلقة، وهي 4 حالات نقلوا من مستشفى 48 والمدة التي هم فيها على هذه الحالة حوالي سنة وأكثر وبين اصابات تتنوع بين العظام حوالي 20 إصابة والبقية معاقون (إصابات في العمود الفقري والجمجمة).
جراد تابع قائلاً: أما عن نوع المهام التي خصص للمصابين في المستشفى فإنها ترتكز على أساس جراحات التجميل – مركز لجراحات التجميل) فيما يتم تنفيذ العمليات الجراحية الكبيرة في مستشفيات أخرى ومن ثم ينقلون إلينا لاستكمال بقية إجراءات التداوي ومعالجة التقرحات الفرشية ومضاعفات الإصابات وجراحات تجميلية – إغلاق الجروح- وأغلب الحالات التي تأتينا من صعدة وحجة على أساس أننا مركز رئيسي لاستقبال الحالات ألتي تأتي من هاتين المحافظتين, فنستقبلها ومن ثم نوزعها على بقية المستشفيات.
تعاون وتكامل
في توصيفه تجهيزات المستشفى ومدى توافر احتياجاته قال جراد: “يوجد لدينا كادر لا بأس به رغم الحصار وما إلى ذلك, لدينا طبيب عام في الطوارئ وممرضان يتواجدون على مدار 24 ساعة لاستقبال كل الحالات وتشخيصها, وبالنسبة للأخصائيين من الأطباء يتم استدعاؤهم من المستشفى الجمهوري والشرطة عن طريق مؤسسة الجرحى, إلى جانب ما يوفره لنا مستشفى زايد من البنية التحتية وأخصائيي التخدير والفنيين, ولأن لدينا ميزانية خاصة مستقلة تحت إدارة وإشراف مؤسسة الجرحى ، إلا أنهم ومراعاة للظروف وما نواجهه من الطوارئ ومن الضغوط في بعض الأحيان يمدونا ببعض الاحتياجات من المستشفى رغم أن ميزانيتهم ليست بتلك الميزانية التي يتمتع بها المستشفيات الأخرى كـ( العسكري) كون المستشفى متخصصاً في مجال الأمومة والطفولة.
نقص الكادر
وأضاف جراد: “نعاني من نقص في الكادر التمريضي.. 28 جريحاً يعتني بهم ممرضان هذا العدد غير كافٍ رغم وجود المتطوعين, ولدينا قصور في الطوارئ وما هو متوفر ليس كافياً (اثنين)، وليس بالشكل المطلوب نظراً لقربنا من جبهة نهم والمناطق تتعرض للقصف بشكل دائم، كما أن عملنا لا يقتصر على جرحى الجبهات فقط فنحن نستقبل بعض الحالات وخاصة النسائية التي تتعرض للإصابات جراء قصف الطيران على المواطنين في الأحياء القريبة والقادمين من خارج صنعاء التي اغلبها من الحديدة.
تحديات كبيرة
وقبل مغادرتنا المستشفى كان لابد من الاستماع إلى قيادة المستشفى فالتقينا مع نائب مدير مستشفى زايد الدكتور/ عصام صوفان الذي بدأ حديثه بشكر الصحيفة لاهتمامها بالمستشفى وتلمس أوضاعه وقال:
على مدى ثلاث سنوات من العدوان وبفضل من الله استطاع المستشفى إثبات حضوره وجدارته وصموده في وجه العدوان بتكاتف كادره وتناغمهم مع مندوبي الجرحى واللجان الشعبية, من منطلق أن الظروف استثنائية والتحدي كبير والعمل التعاوني والجماعي أفضل الأساليب لتحقيق النجاح والفائدة المراد تحقيقها، وأستطيع الجزم والقول بأن مستشفى زايد وفي ظل إمكانياته المحدودة يقدم ربما ما لا يقدمه غيره ممن يمتلكون الموازنات الكبيرة والكادر البشري الضخم.
وبالنسبة لدورنا في ما يخص الجرحى يتم بالتنسيق مع مندوبي الجرحى داخل المستشفى وعمليات الجرحى وعمليات وزارة الصحة المركزية, وأيضاً بالتواصل مع مندوبي الجرحى في المستشفيات الأخرى ومع المؤسسة المعنية بهم (مؤسسة الجرحى) التي نتواصل بهم مباشرة وعن طريق مندوبيهم في المستشفى.
لم ندخر جهداً
وأضاف: “منذ بداية العدوان لم ندخر أي جهد وبذلنا ولا زلنا نبذل ما نستطيعه وعلى نفس الوتيرة التي بدأنا بها كل ما أمكننا من اجل توفير وتقديم الخدمات لكل الحالات التي خصص المستشفى لخدمتها وتلك التي أضيفت نتيجة للعدوان على بلادنا ، جرحى العدوان والمواطنين في الزمام السكاني القريب بالمستشفى وحتى من المحافظات الأخرى.
إمكانيات محدودة
يستدرك د.عصام صفوفان هنا قائلا: طبعاً الخدمات التي نقدمها للجرحى وفق ما هو متاح لنا نوفر أخصائيي وفنيي التخدير على نفقة المستشفى الخ, ونتحمل نفقات الكادر التمريضي في قسم الجراحة وأيضاً نفقات الصيانة للأقسام بشكل عام.
أما ما يتعلق بموضوع الطوارئ فنحن مستشفى أنشئ على أساس أنه متخصص للأمومة والطفولة وكادرنا شحيح وإمكانياتنا محدودة, والكادر الموجود يعمل على مدار 24 ساعة ويخدم الجرحى، جراحة عامة وأمومة وطفولة وأيضاً الحالات الطارئة لحوادث السير والطرقات التي تحصل في المناطق القريبة منا.
وقد وفرنا ثلاث صالات عمليات للجرحى وصالتين عمليات نساء وولادة.
العوائق والصعوبات
ويواصل الدكتور عصام صوفان حديثه ويعرج على المعوقات التي يواجهونا قائلاً:
تواجهنا صعوبات يأتي في مقدمها أن المستشفى يعمل بدون موازنة ومعظم الكادر العامل متعاقدون أو متطوعون يعملون بالأجر اليومي, وبهذه المناسبة فإننا نناشد وزارة الصحة ووزارة المالية ونطالبهما بإطلاق الموازنة كي نتمكن من تقديم خدمة أفضل, كما نؤكد على وزارة الصحة والمنظمات ونناشدهم بأن يمدوا لنا يد المساعدة كون المستشفى يخدم شريحة كبيرة من المواطنين وجرحى العدوان, لأن ما يصلنا من المساعدات في الوقت الحالي تخص الأمومة والطفولة ونضطر لتغطية العجز في الأدوية والمستلزمات الطبية من الإيرادات الشحيحة للمستشفى, لأن ما يقدم لنا كنفقات تشغيلية لا يساوي شيئاً أمام النفقات التي نتحملها ما وضعنا أمام مشكلة الوفاء بحقوق العاملين لدينا التي وصلت إلى مستحقات متأخرة لخمسة أشهر.
أرقام كارثية
تتسبّب الحروب والنزاعات المسلحة بإيقاع الكثير من الضحايا والجرحى والمصابين من المقاتلين والمدنيين على حد سواء، وعلى مدى ما يقارب الثلاث سنوات خلفت الحرب العدوانية التي تشن على اليمن أعداداً كبيرة من البشر ذوي الإعاقة سيكون لها في المستقبل تداعيات كثيرة وجسيمة.
وبحسب إحصائية مدنية مستقلة نشرها المركز القانوني للحقوق والتنمية فإن عدد الضحايا المدنيين جراء العدوان السعودي الأمريكي على اليمن خلال 1000 يوم قد بلغ 35415 ما بين شهيد وجريح. يضاف إليهم 21,812 جرحاً بينهم 2,722 طفلا، و2,233 امرأة، و16857 رجلًا، فيما تجاوز عدد النازحين مليونين وستمائة وخمسين ألفا.

قد يعجبك ايضا