صناعة الفخار.. جماليات بديعة وحضور يلبي احتياجات الناس

 

*رغم العدوان والحصار

من ابرز الحرف اليمنية الأصيلة التي اتقنها اليمنيون ومارسوها بكل حرفية واقتدار لتلبية حاجياتهم وما أكثرها سواء للزينة أو للمأكل والمشرب ؛ إنها صناعة الفخاريات التي لا زالت حاضرة ولكن ليس بمثل ما كانت عليه من قبل فقد خفت بريقها قليلا ولكنها لازالت حاضرة لدى محبيها وعشاقها سيما في الأرياف وإن كان حالها كما هو لم يتغير في ظل العدوان والحصار .
هناك من الحرفيين من لا زال مواظبا عليها حريصا على مواصلة مشواره الذي ورثه كابرا عن كابر ومنهم صالح الزبيري يعمل في صناعة الفخار في أحد شوارع العاصمة وتحديدا في القاع وكان لـ”الثورة” حديث معه نشر سابقا ؛ حيث يمتلك احد متجرين في ذاك الشارع و يوجد في هذين المتجرين القليل من الدلات الفخارية المستخدمة للمياه و”المزهريات” والبعض من الأواني الصغيرة المستخدمة لأغراض مختلفة في المأكل و المشرب فيما تتوزع رفوف المتجر لصناعات أخرى من العسف وصناعات حديثة للأواني .
إقبال ضعيف
احد العاملين أو المشتغلين في هذه الحرفة ويدعى عبدالله حسين يأتي بهذه الأواني الفخارية من منطقة المراوعة لكنه يصطدم على الدوام بعدم إقبال الناس عليها.
ويقول: “كنا في السابق نشتري كميات كبيرة من الأواني الفخارية ونبيع الكثير منها بسبب الإقبال المتزايد”.
ويضيف: “هذه الأيام يقل الطلب على هذه الأواني” باستثناء دلات الماء يجد عبدالله صعوبة في تسويق بقية الأواني الفخارية لأن الناس كما يقول لم يعودوا يهتمون بقيمة هذه الأواني التي لها علاقة بالتاريخ اليمني.
عبدالله مستوعب جيداً للتسلسل الزمني لهذه الصناعة حتى اللحظة .. على اعتبار أن هذه الصناعة هي الوحيدة التي ربطت الماضي بالحاضر، وما عدا ذلك مجرد تدوينات قد تصدق فيما تصف وقد تخطئ فيما تقول تارة أخرى.
صاحب المتجر الأكبر المجاور لمتجر عبدالله لا يشتري هذه الأواني من أماكن صناعتها، إنه يعمل في هذه الصناعة منذ ستين عاماً وورث المتجر عن جده وأعمامه وأبيه.
فالزبيري لا يبيع مصنوعات أخرى غير الفخار ففي الغرفة الخلفية للمتجر خصص مكان لصناعة الفخار التي تتم في المساء وينتهي منها صباحاً وفي النهار يعمل في بيع تلك الأواني.
يقول الزبيري: “نأتي بالتراب الخالي من الشوائب من منطقة الطويلة في المحويت كلفة القلاب الصغير الذي يجلب التراب من الطويلة 5000 ريال ناهيك عن إيجار النقل”.
ويضيف الزبيري إن أسرته عملت في صناعة الفخار منذ ستين عاماً كون الصناعة لا تكلف الكثير من المال كما هو حال الشراء من أماكن أخرى وإعادة بيعه مجدداً.
الشارع الموجود فيه هذان المتجران كان مساراً للكثير من المظاهرات في العام 2011م وواجه المتظاهرون فيه مضايقات كثيرة اليوم يبدو الشارع صباحاً أكثر هدوء اٍلا ضجيج يخنق المارة ولا باعة يصرخون في آذان الناس فقط الفخار يعلق التاريخ على رفوف ثلاثة محال تجارية هي قوام المتاجر التي تبيع الفخار حصرياً.
تنقيبات فخارية
على بعد عشرات الأمتار توجد كلية الآداب التي يتفرع منها قسم الآثار إذ توجد في مخازنه لقى أثرية من العصر البرونزي في الألف قبل الميلاد.
الدكتور محمد محمود الثور أستاذ آثار ما قبل التاريخ “العصر البرونزي” في قسم الآثار يقول: اللقى الموجودة في مخزن القسم من موقع أْثري في سنحان عمل فيه طلاب وأساتذة من قسم الآثار كلية الآداب عملوا في مواسم “1998 – 2001م”.
ويضيف تنقيبات الطلبة تلك عثرت على لْقى أثرية لكن دون تحديد زمن تلك اللقى الفخارية، وهذا يدل على مدى أهمية هذا المنتج وارتباطه القوي بحياة الناس .
في مواقع أْثرية عدة توجد لْقى فخارية لم يحدد زمنها لأنه لا يوجد على تلك اللقى نقوش بعينها .. فقط في حالة وجود الفخات الدائرية لتلك اللقى يمكن تحديد زمن لها غير أن وجود آثار أخرى في نفس الطبقات التي يوجد فيها الفخار يمكن تحديد زمانها.
لكن بالعودة إلى تاريخ الفخار إجمالاً فإن المصادر التاريخية تشير إلى أن الفخار يعود إلى الألف الثامن قبل الميلاد.
تسلسل تاريخي
وتشير المصادر ذاتها إلى أن صناعة الفخار تعود في اليمن إلى الألف ومائتين قبل الميلاد، الإيطاليون نقبوا في وادي ناعم خولان الطيال ولأول مرة في بداية الثمانينيات تمكنوا من معرفة العصر الحجري ووجود عصر برونزي لأن الاعتقاد السائد حينها ذهب إلى وجود فجوة بين العصر الحجري الحديث وبداية العصور التاريخية سبأ مثالاً.
أثبتت التنقيبات تلك وجود تسلسل زمني لثقافات اليمن القديم .. ووجدت في ذلك الموقع لْقى فخارية كثيرة.
وفي صبر بمحافظة لحج وجدت أثناء التنقيبات بموقع أثري أوانُ فخارية سليمة “100 %” يعود تاريخها إلى الألف الثاني قبل الميلاد ووجدت معامل وورش بكميات كبيرة ويقول الدكتور الثور: هذا يعطينا فكرة عن العلاقة بين حضارة وأخرى.
الأمريكيون أيضاً عملوا مسوحات أثرية في منطقة معبر بذمار ومناطق المرتفعات وكان الهدف من هذه المسوحات هو وضع تسلسل زمني لما قبل التاريخ واحد الاهتمامات في هذه التنقيبات كانت تصب في تتبع التسلسل الزمني للفخار.
وفي زبيد وجدت بعد التنقيبات الأثرية أوان فخارية تعود إلى العصر الإسلامي.
يقول الدكتور محمد الثور: مادة صناعة الفخار كانت متوفرة لدى كل فئات المتجمع والأواني المصنوعة من الفخار كانت في متناول شرائح المجتمع.
الثور عمل في موقع أثري بعمران .. الموقع يعود للعصر البرونزي في الألف الثاني قبل الميلاد ووجد في الموقع لقى فخارية.
ويقول: “كل المواقع الأثرية التي تم التنقيب فيها لا تخلو من “اللقى” الفخارية الأثرية.
في التسلسل الزمني حتى اليوم ظلت الصناعة الفخارية هي المادة الوحيدة التي ربطت التاريخ بالحاضر، صحيح كما يقول العاملون في صناعة الفخار إنها قلت لكنها على الأقل لا تزال موجودة ولعل مناطق تهامية (كيس والمراوعة) هي أصل هذه الصناعة.
تواجد محدود
في صنعاء الصناعة محدودة وتكاد تكون مقتصرة على منطقة مذبح وفي شارع السلال القاع في متجر صالح الزبيري.
نوافير، مزاهر، دلات، أكواز، تناوير، مواقد، برم، هذه الأواني الفخارية هي المتواجدة في السوق اليمنية بشكل محدود وبعض من هذه الأواني تتم زخرفتها بأشكال مختلفة لإظهار الجمال الذي تبحث عنه الذائقة الإنسانية عامة.
أسعار هذه الأواني ليست مرتفعة بل مناسبة للأسر متوسطة الدخل فيما تمر صناعتها ولاسيما الأواني الكبيرة كما يقول الزبيري على مرحلتين في اليوم الأول تصنع الآنية حتى المنتصف وفي اليوم الثاني تكتمل صناعتها.
أدوات الصنع لهذه الأواني الحالية هي ذاتها في العصور التاريخية المختلفة مثل أفران الحرق والعجلة واليد وطريقة السندات.

 

قد يعجبك ايضا