السياحة والسلام

عبدالوهاب شمهان

أصبحت كلمة السلام لدى الدول الكبرى يفهم منها العكس فكلما لاح أفق السلام أدركنا أن المراحل للوصول إلى سلام دائم لازالت طويلة وتقتضي من اليمانيين الكثير من الجهد والسعي الجدي نحو حوار صادق وبناء وهذا الحوار لا يمكن أن يتحقق في ظل غياب القرار النابع من الروح اليمانية المشهود لها على مر التاريخ بالحكمة والقوة والجنوح للسلم والسلام وأقرب الأحداث تشير إلى أن اليمانيين يحققون بذاتهم الكثير من إنجازات التعايش والالتقاء لكن نزعة الأنا الحزبية والفردية اليوم وحب السلطة والسيطرة على مراكز القوة والمال والثروة كثيراً ماتقود من يُعتمد عليهم إلى الخروج عن المألوف المتعارف عليه في حب الأرض والدفاع عنها لتقودهم إلى مصاف العدوان رغبة منهم في التنكيل بخصومهم وبكل معارض للعدوان ؛ فقد خاب الأمل ولم يتوقع لكل مشارك في هذا العدوان سواء من الخارج أو الداخل أن يكون التدمير المتواصل لليمن للعام الثالث على التوالي فأصبح من خرجوا أسرى فكرة الانتقام والقضاء على عفاش والحوثي بحجر واحد أسرى للمملكة والإمارات وعطائهما إلا أن العيب الأكبر تمثل في الدبلوماسية اليمنية في كل أقطار العالم فلم يكن بينهم رجل وفيّ لليمن فقد أثبتوا أن ولاءهم لغير اليمن وأن لا ولاء لليمن وشعبها وأن الدبلوماسية اليمنية في السفارات لاتتعدى المساومة والتجارة والمجاملة فلم نسمع منهم كلمة لا للعدوان ولاعذر لأحد منهم ولو انقطع الزاد خير من التذلل على حساب اليمن وشعبه ولذلك فإن أمام وزارة الخارجية حاليا ومستقبلا تقع مسؤوليات إعادة بناء الولاء لليمن فقط فهي في أهميتها مثل الجيش والأمن الذين أثبتوا أنهم مع اليمن عدا الذين انصهروا تحت لواء المؤامرة إما خشية من تعنت أو غرر بهم أو طمعا في المال والجاه ؛ نسأل الله لنا ولهم الهداية والرجوع إلى صواب الأمر مع الوطن والدفاع عن اليمن لا منتفعين في مشاركة تدمير اليمن لصالح عدو أجنبي متربص بالعروبة والإسلام . فالدين والوطن هما وحدهما من يجود الإنسان بدمه الغالي من أجلهما والوطن يشمل التراب والدار والولد والعرض والمال والكرامة أما الدين فمعلوم (ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) …ومن هنا نؤكد أن لكل منتسب لقطاع من قطاعات الدولة أو للقطاع الخاص وظيفة يجب أن يؤديها ويقوم بواجباته نحوها وأن على من يتولى السلطة عليه أن يقوم بواجبه تجاه كل منتسب لخدمة الدولة كما هي مهمة القطاع الخاص تجاه المنتسبين إليه إلا أن واجبات الدولة تكون أكثر وجوبا وحضورا لأنها القدوة والحامية للمصالح العامة والخاصة وإذا فسدت وظيفة الدولة فسدت الحياة وتعثر أداء الوظيفة العامة ويقال ( إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع ) وكل ميسّر لما خلق له، وتربى وتدرب للقيام به وجميع الوظائف مسؤوليات مرتبطة بالحياة العامة وحمايتها واستمرارها ولا وجود للدولة إلا بها ومن يتولى أمرا لاشك أن الوضوح يكون مرآته والصدق مذهبه والحزم موقفه وإلا صار الناس بلا راع يدبر لهم حياتهم وينظم مؤنهم ومعاشهم فلا تستقر الحياة ولايستتب الأمن بالعصا الغليظة فقط وإنما للناس شرايين يجب أن يضخ فيها الدم وتلك مشيئة الله ولايضخ الدم في الجسد إلا بقضاء الحاجات ومن تولى أمرا فشق على الناس فإن الله لاشك كفيل به. أو كما جاء في الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها سمعت من رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ) والسمع والطاعة واجبة فيما استطاع الناس ..وهذا يشير إلى ما صار إليه الحال في بعض قطاعات الدولة وأخص بالذكر قطاع السياحة وهو قطاع حيوي في نشاطه وخدماته وصنائعه يعتمد في القيام بها على كثافة اليد العاملة ولذلك تجده مجالا واسعا لكسب المعاش والسعي للرزق الحلال شأنه شأن كل قطاع يقدم خدماته للسكان والمقيمين والزوار والسياح في السلم والحرب مقابل قيمة أو أجر معلوم ولقد أصيب هذا القطاع في إدارته الموجِهة والمُشرفة عليه بشلل أصاب عمودها الفقري الذي تقوم عليه منذ تحرك أحداث 2011 التي دمرت مبنى السياحة وما احتواه من تجهيزات ومستلزمات عمل بلغت قيمتها المئات من ملايين الريالات وهي ملك للدولة والشعب كان استباحتها ونهبها وبيعها والسماح بها جريمة أدت إلى تشريد الموظفين من مبنى إلى آخر ولم تنظر أي حكومة لطلب استعادة مبنى السياحة حيويته ونشاطه وكل فريق وظف هذا المطلب لما يحز في نفسه من مكايدة للآخر حتى كان العدوان برعاية الولايات المتحدة الأمريكية ومساندة ما يسمى بالمجتمع الدولي وبينهم الأصدقاء لليمن والواقع يشير إلى أن لكل دولة سياستها وفي السياسة لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة وإنما المصالح المستمرة أينما ظهرت هي الدائمة وهي المطلب الذي يحافظ عليه ولو كان فيه فناء بلدان وحياة شعوب وقد كانت الضربات الأولى موجهة لقطاع السياحة تعمدا حيث شمل القصف المباشر والتدمير الشامل كافة المنشآت السياحية في كل مناطق ومدن المواجهة الحدودية وكل مناطق الاستثمار والمدن والمواقع السياحية الطبيعية والبيئية والتاريخية والآثارية حتى الحمامات الطبيعية وأماكن الاستجمام لم تسلم وكل ما هو مساعد لاستمرار الحياة والعمل والانتقال وزاد الطين بلة وضع هذا القطاع في المهمل من شؤون الدولة واستبعاده من كل عناية ورعاية حتى صار المبنى المستأجر الخالي من مستلزمات العمل والمكاتب والكراسي مقرا للأشباح وكل من زاره يعد بأن يعالج متطلباته الأساسية ودفع إيجاره ثم يقف أمام حصن المالية لايفتح له باب ولايستجاب له طلب . والمالية لاتعد هذا القطاع ماليا من مقومات عمل الدولة وهو الجاذب للاستثمارات المحلية والخارجية وأن المستقبل يكمن في الاهتمام به فهو يضم أكثر المنشآت حيوية وطلبا واستيعابا للعمالة بكثافة وهي منشآت الطعام والشراب والمنشآت الفندقية بكل مستوياتها وتنوعها والوكالات السياحية والمهن السياحية المختلفة ومكاتب تأجير السيارات ووسائل النقل الأخرى وغيرها من الخدمات كما ترتبط بتشغيل الكثير من القطاعات المساعدة كالاتصالات والتجارة والتسوق والطيران وإنعاش وتنمية المجتمعات المحلية والمناطق الريفية والساحلية والجبلية والصحراوية والكثير من المهن والأنشطة . وهو القطاع الذي تظهر عليه الرعاية والعناية والاهتمام إذا قدمت وذلك بعودت العافية سريعا إلى كافة مرافقه وهذا مايجعل كل مشتغل ومهتم بهذا القطاع أكثر تفاؤلا بالمستقبل وأكثر حرصا على استمرار المطالبة برعاية الدولة له وتطوير منظومته التشريعية والعناية بالتدريب والتأهيل لكوادره وخاصة العمالة السياحية في كافة المنشآت السياحية أما أن تظل الصورة الضبابية القاتمة لدى كل مسؤول في الحكومات اليمنية فلا يزيد اهتمامهم عن حديث مفرغ من كل عمل مساند فعلي ومن كل موقف داعم وكل اهتمام جاد فكل مايدور لايزيد عن كونه حديثاً للإعلام والإعلان والدعاية وتلوين زي الحكومة بالألوان الناصعة الملفتة للأنظار حتى في مجالات الاهتمام بالمدن التاريخي والأثرية والمعالم ومواقع الآثار والمتاحف والمواقع السياحية الطبيعية والبيئية مجرد اهتمام خال من كل عمل يقود إلى استغلال تلك المناطق والترويج لها والإنفاق من أجلها والمحافظة عليها .
– السياحة اليمنية قصة طويلة بحاجة إلى من يتدارك فصولها ويربط فيما بينها ويحسن التنسيق لخطوطها ويلم أماكنها ويهب وقته وجهده لإخراجها إلى الحياة بما يليق باليمن وحضارته وعقيدته الإسلامية وتطلعه للحياة والتعايش مع الأمم لا أن يشارك في دفنها وتغييبها وسلام الله على كل يد عملت وتعمل وستعمل في خدمة السياحة وتنمية خدماتها ونشاطها واستثمارها وحمايتها . ونتمنى لقيادة الوزارة توحيد الرؤية وتكاملها ولا يوجد فرد واحد مهما بلغت قدراته أن يكون حاملا لكل الأعباء وملما لكل التفاصيل ولا يمكن تحقيق الصورة الرائعة للإدارة إلا بالتقارب والتكاتف واحترام القدرات والمسؤوليات وإعطاء الصلاحيات وفقا للوظائف ومهامها وتمنياتنا للأخ الوزير والوكلاء ومدراء العموم كل النجاح لإعادة الحياة الإدارية إلى سابق عهدها ففيهم جميعا القدرة المتكاملة التي يمكن من خلالها تجاوز الصعاب مع القليل من الدعم المعين وأقصد به دعم مجلس الوزراء ووزارة المالية.

قد يعجبك ايضا