السياحة والمستقبل المنظور

 

 

عبدالوهاب شمهان

برغم الثراء الحضاري والطبيعي للسياحة اليمنية إلا أنها واجهت أي السياحة اليمنية في كل مراحلها عددا من الصعوبات والعوائق المادية في بعض جوانبها وقلة الخبرة ونقص الكفاءة وتزاحم المصالح في جوانب أخرى ما جعل التعثر مرافقا مخلصا لها في مشوارها المستمر بمواجهة المخاطر ، ومن أهم الصعوبات التي أعاقة نموها السليم الذي لا يتبعه تراجع هي المواقف الحكومية والارتجال عند تشكيل الحكومات ونهج العشوائية عند التنفيذ فمنذ قيام الثورة اليمنية لم تشكل هيئة أو مؤسسة أو وزارة للسياحة قط وفقا لما تقتضيه المصالح الاقتصادية والتنموية بقدر ما كانت مجرد محاولات للتوافق مع المحيط المؤثر من حولنا وعملية إرضاء لأشخاص وخلق وظائف للوجاهات والمنفذين والقادة ولذلك لم يكن للسياحة الأهمية الوطنية الاقتصادية ولم تزد عن كونها مكملة للمسميات ، فهي مهملة وتعتبر حلا لوضع بعض الشخصيات في مناصبها حين كانت هيئة ثم تحولت إلى وزارة ولم تأخذ مكانتها الجديرة بها .
إن وزارة السياحة ظلت عرضة للدمج والفصل تارة مع الثقافة وتارة مع المياه والبيئة وخاضعة لعدم الاستقرار حتى بدء الاهتمام بالسياحة الدولية كمورد اقتصادي في اليمن من باب المماثلة مع الغير وليس من باب الشعور الجاد بأهميتها وبفضل من الله مكنتها الظروف المحيطة أن تفرض وجودها وحضورها الإقليمي والدولي والمحلي من خلال اعتراف الجهات المعنية بالتخطيط بها واعتبارها أحد القطاعات الاقتصادية الإنتاجية الواعدة لتبرز كوزارة أنموذج في إدارتها وفي نمو كيانها وكوادرها في بضع سنين ولكن التراجع إلى الصفر عاد إليها مصحوبا بالنظرة الدونية تقليلا لأهميتها وللعاملين فيها مما جعلها خارج إطار الرعاية والاهتمام وفي هامش الموازنة وما حكاية الواعدة إلا كذر الرماد على العيون .
مع بداية 2011 تفاقمت الأحداث ودمر مقر الوزارة ونهبت محتوياته حتى العظم وبشكل تدريجي وومنهج وأمام أعين الحكومة وقادة الربيع وصارت عبارة عن أطلال تبكي وتندب حظها العاثر الذي تفاقم مع وجود حكومة الربيع والتوافق التي ماطلت إعادة الترميم والتجهيز بسبب المناكفة والمهاترة وإعاقة أي تقدم يحسب لشريك التوافق علما أنه كان بالإمكان إعادة الحياة والاستقرار فالقدرة والإمكانات متوفرة بل وإعادتها إلى أوج قمتها لكن النوايا غير الصحية وفقد الرؤية السياحية جعلها من المحذورات في نظر من يملكون زمام الأمر وهكذا ظل موظفو السياحة مشردين من موقع إلى آخر حتى اللحظة لتعود اليوم المحاولات المتكررة للعمل على تحقيق الاستقرار والابتعاد عن حالة الوسوسة والوشوشة التي تضع السياحة ما بين القناعة والرفض ليس عن علم ودراية ومعرفة وبدائل مدروسة ولكن عشوائية تفرضها عدم الخبرة وعدم إدراك أهمية السياحة كقطاع اقتصادي إنتاجي خدمي كثيف العمالة واعد بالنمو وبتلك المنهجية قد يغلب التفكير الذي يقول السياحة ليست بحاجة إلى وزارة وموظفين وموازنة فهي لا تقدم إيرادات للموازنة وإنما هي عالة على الموازنة مثلها مثل الثقافة لأنهم لا يعرفون أثرها العام حتى على السياسة لذلك يتم جمعهما معا كلما نادى منادي العجز والضعف والإهمال ليضعهما خارج الاهتمام العام وخارج الرعاية الكاملة وإن بدأت الوزارة كما سبق الإشارة بوجود اهتمام موضوعي يسمح بانتعاش الحياة وما تكاد تظهر بعض الملامح حتى تصاب بالتصلب وينقطع عنها الدعم والعون وتعود لذات النفس في وضعها هامش الموازنة والجميع يدرك عقم هذا التفكير المالي والاقتصادي وأنه سعي لدفن مورد رباني يفترض العناية به ووضعه في الصفوف الأولى من الاهتمام .
والآن وبعد مضي كل السنوات من العمل والجهد وبفضل الانقسام الداخلي الذي أنشأه العدوان بجداره يمكن الجزم بعودة وزارة السياحة إلى نقطة الصفر أو نقطة البداية أي أنها بحاجة إلى خمس سنوات من العمل الجاد في التكوين المادي والتنظيمي والإداري والفني إن وجد الدافع الوطني المنبعث من أهمية السياحة التي هي بحاجة إلى مصداقية التوجه السياسي الأعلى والحكومي عبر توافق على الرؤية الواضحة لقيمة السياحة وتوجيهها التوجيه السليم الذي لا يخرج عن قيم ومبادئ المجتمع اليماني المحافظ والمنفتح للحياة والعمل على إعداد استراتيجيات وخطط تتوافق مع كل منطقة سياحية وتوفير الإنفاق لمتطلبات العمل الذي يساعد على التكوين والترويج الاستثماري واستخدام الكوادر النزيهة والمخلصة والقادرة على تحقيق نجاحات متتابعة وبخطوات سلسة وسليمة وتجديد الروح العامرة بالنشاط الخالية من الإحباط والشكوى ونقلها من حالة الجمود والركود إلى ساحة العمل المتواصل .
إن عملية بناء وزارة السياحة لم تعد من السهولة والبساطة أن أرادت الحكومة بناء قطاع سياحي اقتصادي إنتاجي استثماري كثيف العمالة فالحاجة لمراجعة التشريعات ضرورية وإعادة الهيكلة لوظائف الوزارة وفقا لمقتضى إعادة البناء وليس وفقا للقرارات الصادرة بعشوائية وارتجال والتي تحمل الوزارة قطاعات ليس زمنها ومن ثم تأخذ من الجهد ما يضيف الكثير من المتاعب والأعباء البعيدة عن الهدف أو الأهداف لتصل إلى عدم الرضاء والقناعة بالنتائج وتصبح حكاية تتوارث قصتها ولا يضاف إليها شيء مجدٍ أو تقود إلى منفعة.
فهل هناك من سيلتفت لهذه الوزارة الهامة ولا يعجل بطلب المستحيل قبل الوصول إلى النضج والرشد وامتلاك القدرات وإعادة ترتيبها .
إن وزارة السياحة مصنعا يحتاج إلى الحركة والتجديد والتموين والإقناع بأن كل جهد وإنفاق لابد أن يعطي ثماره وأن كل حركة لا بد أن تكون مرسومه ومحسوبة النتائج وأن الاتصال بالعالم الخارجي السياحي جزء من المهمة ولكن ليست بالصورة المرسومة في وزارة الخارجية وإنما هي علاقات لا تحتاج لقطاع واسع بقدر ما تحتاج إلى نوعية من القدرات والكفاءات القادرة على تحقيق الهدف بعناية بحيث تتجاوز كل خطأ فني وتتلافى العمومية فتعلم كيف ترمي هدفها وتصل إلى الغاية .
السياحة تتطلب ثقافة وعلم ولغة وإتقان ورصانة وسلوك متميز وأخلاق عالية والتزام بالآداب العامة وبآداب السياحة بما يتوافق والنظام العام الذي تعيش تحت رعايته فهي أرواح تظل معلقة في خدمة السياحة والسياح ومتابعة الوضع العام ومستجدات السياحة وتفكيرها متواصل فيما يحقق الجدوى من خدمة السياحة .
السياحة مجال واسع يرتبط مع كل مجالات الحياة وإن لم تكن تمتلك الوزارة قيادة فطنة وسياسة ورؤية واضحة المعالم فإنه من الصعب الربط والتواصل مع القطاعات الأخرى وإدارة العمل والنشاط السياحي بمسؤولية ومن ثم سوف تصيب مخاطر السياحة المجتمع بالضرر لذلك نؤكد على أهمية السياحة للمجتمع كجانب تنموي اقتصادي وثقافي واجتماعي وربطها بقيم وأخلاقيات المجتمع عموما والمجتمعات المحلية خصوصا من خلال تكثيف التوعية بين أفراد المجتمع وإشراك منظمات المجتمع المدني فيما يحقق الخدمة العامة للسياح والتنمية المحلية .
إن الاستثمار المحلي هو الجناح الأول الذي يجب أن يكون قوي العود ويمتلك القدرة على المشاركة بجديه وهذا يرتبط بمدى قدرة وكفاءة قطاع التنمية في خلق فرص الاستثمار وعرضها وتمكين الاستثمار المحلي من الاستفادة منها ومن مواقعها دون شراكة اسمية مفروضة ليأتي بعد ذلك الجناح الثاني والقوي والذي يحتاج إلى الوضوح والدقه والمصداقية والشفافية في التعامل والتسهيل وتقليص النزاع ومراجعة المعاملات إلى حد الصفر مع وجود معايير موضوعية عليه الالتزام بها لتمتلك الجمهورية اليمنية قطاع سياحي فاعل خلال عشر سنوات من الآن إن استقرت الأوضاع وتوقف العدوان وبدأ اليمنيون مرحلة البناء وإعادة الاعمار ومنح القطاع أهميته وحتى لا تعود السياحة اليمنية إلى الصفر في المستقبل المنظور ؛ وهذا العمل جماعي يشترك فيه كل المعنيين بما فيهم المواطنين ..

قد يعجبك ايضا