البطاقة السلعية.. بين حاجة الموظف واستغلال التجار

تحقيق/ رجاء عاطف – سارة الصعفاني
في طوابير يقف موظفو جهاز الدولة بانتظار فواتير حساب تستنفد بطائقهم السلعية التي تأتي ثمرة لجهود حكومة الإنقاذ الوطني كحلول طارئة في ظل عدوان بربري وحصار ظالم يدخلان عامهما الثالث على التوالي.. وفي حين جاءت البطاقة التموينية كحل مؤقت لتوفير المواد الغذائية للموظفين في القطاعين الحكومي والمختلط بعد توقف الرواتب لعدم توفر السيولة النقدية وخوفاً من انهيار العملة الوطنية أكثر مما هي عليه.. لكن ما يحدث من مخالفات في المولات المحدودة جداً التي تم التعاقد معها وجعل الأمر خاضعاً لجشع أصحابها..
(صحيفة الثورة) سلطت الضوء على ما مثلته البطاقة من حل مؤقت لمشكلة انقطاع الرواتب وكذلك مشاكل الموظفين مع فكرة البطاقة السلعية وما حدث من مخالفات من قبل تجار المراكز التجارية التي اتفقت مع الجهات الرسمية.. إضافة إلى جهود الحكومة ممثلة في وزارة الصناعة والتجارة الرقابية والإشرافية على البطاقة السلعية وضبط المخالفين من مراكز التسوق.. إلى التفاصيل:
في ظل العدوان والحصار شكلت البطاقة التموينية حلا منقذا وطوق نجاة للموظف بعد انقطاع الرواتب.. بسبب تداعيات عامين من الدمار واستهداف كل مقومات البلد من قبل دول تحالف العدوان.. الجهات الرسمية أكدت أنه سيتم التعامل بها والشراء كالدفع نقداً دون زيادة في الأسعار إلا انه وبعد تطبيقها وجد الموظفون المستفيدون من البطاقة السلعية أسعاراً قاصمة للظهر إلى جانب عدة إشكاليات أثناء التسوق في المراكز المتعاقد معها من قبل الجهات الحكومية دون مراعاة ظروف العدوان والحصار وانقطاع الرواتب والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد عامة والمواطنون خاصة..
تلك المولات ومراكز التسوق تبرر كل ذلك لاختلاف وارتفاع سعر صرف الدولار وأيضا بيعهم الشيكات التي يتسلمونها من البنك المركزي بسعر مرتفع ..
معاناة الموظفين
وتضيف منال البعيثي- موظفة: أن من ضمن مخالفات التجار استغلال الحكومة في هذه الأزمة الخانقة ثم الموظف، فالحكومة ملزمة قانونيا ودستوريا بحل مشاكل الموظف والمواطن، ولا سبيل سوى البطاقة السلعية.. والموظف مجبر على الشراء بالمبلغ كاملاً أي أن قسائم فئة عشرين ألفاً تشتري بـ عشرة آلاف فقط ولا تسترد الباقي بهيئة قسيمة بمبلغ عشرة آلاف، الأمر الآخر لا نأخذ الباقي نقداً ولو كان أقل من 500 ريال حيث تجبر على أخذ منتج لا تريده يضاف لمشترياتك وفي بعض المحلات يأخذ المبلغ باعتباره تافهاً في حين لو تجاوز ثمن ما اشتريته قيمة القسيمة ولو بمبلغ عشرة ريالات تضطر للدفع نقداً أو إرجاع البضاعة إن لم تكن تملك عشرة ريالات أو يأخذ منك قسيمة فئة عشرة آلاف أو عشرين ألفاً.. وهكذا تجبر على الشراء بها أو أخذ فاتورة المبلغ المتبقي لك لتبقى في قلق على مصير نقودك ! إضافة إلى إجبارنا على شراء منتجات رديئة وبأسعار مرتفعة تعرفها عند المحاسب فقط وازدحام وفوضى في ترتيب المنتجات يكفي رؤية الدقيق والسكر والأرز تدوسه الأقدام ومنتجات تذوب وتتشكل من جديد في الثلاجات من الحرارة !
توسع الفكرة
شكلت البطاقة السلعية طوق نجاة لموظفي جهاز الدولة في ظل العدوان والحصار، لكن إذا لم يجد اهتمام وتطوير للفكرة وتوسيع جدواها فإنها ستفقد نفعها في ظل إجبارية الموظف بنصف راتبه إلى مراكز محددة لا توجد فيها خيارات كافية لترتيب أولويات احتياجاته..
هذا ما أشار إليه الموظف أسامة الرعادي متسائلا في نفس الوقت : إن كانت البطاقة التموينية حلا لا بد منه حالياً لهذه الأزمة القاسية فلماذا لا نشتري من الحكومة ما نحتاج إليه حيث تتولى هي الشراء والبيع لنا بدلاً من جعل مصيرنا بيد تجار جشعين لا يخافون الله في بلد لا رقابة ولا ضبط ، وقال: مؤلم العبث برواتبنا، والأكثر وجعاً مديونيات متراكمة واحتياج لمتطلبات العيش في حين لا تملك ريالاً.
فيما يقول توفيق عبده – تربوي: على الحكومة أن تفرض رقابة على هذه المولات وأن تتوسع في الفكرة ليس بالمواد الغذائية فقط لنعيش، عليها أن تفتح حسابات للمؤجرين لنحول من رواتبنا النقد المتعثرة والمؤجلة، وأن تتوسع في فكرة البطاقة التسويقية لتشمل الغاز والبترول والدواء والفواتير ورسوم أطفالنا في المدارس وتخصص باصات للموظفين، وعلى المعنيين الخوف من الله وإنقاذ شعب يعاني في كل شيء.
تأخير القسائم
وأضاف عزيز الخامري: مر العيد وأطفالي بلا ملابس، والأكثر إشكالاً هو مجيء البطائق في وقت ضيق قبيل أيام العيد والى مراكز أسعارها باهظة خصصت لزبائن من ذوي القوة الشرائية العالية.. فكيف تحدد الحكومة لموظف راتبه 30 ألفاً إلى مثل هكذا محلات فيها خيارات ضيقة وأسعار خيالية مخصصة للأثرياء، هناك محلات لا يكفي راتبي فيها لشراء حذاء لأصغر أطفالي.
وأما لطيفة غالب، فتتساءل: إذا كانت البطاقة التموينية أمرا واقعاً بسبب العدوان والحصار الذي خنق البلاد والعباد، وخوفاً على العملة الوطنية لانعدام السيولة النقدية، فلا بد من معالجات تتخذها حكومة الانقاذ الوطني كضرورة الانتظام الشهري بتعزيز حسابات الموظفين بنص الراتب شهريا… حتى لا تخلق أزمة كما حصل في العيد حيث انتظرنا شراء منتجات رمضان ولم تأت إلا قبل العيد بيوم فلم نتمكن حتى من شراء مستلزمات العيد لأنها جاءت في الوقت الضائع.
وقال مجيب مسعد- يعمل بوزارة الصناعة والتجارة : أثار ضيقي التشديد على كتابات البيانات والتوقيع خلف كل قسيمة بعد أن تستغرق ساعات ما بين تسوق وانتظار دورك في طوابير طويلة في مولات تخصص كاشيراً واحداً فقط للبطائق التموينية ، وأن تكون الكروت الورقية بطاقة ممغنطة مثل بطائق الصراف الآلي تخصم ما قمنا بشرائه دون الإلزام أن نشترياً بمبلغ القسيمة كاملاً، وأن تبقى البطاقة كالشيك أو البطاقة الممغنطة تتعامل بها الجهات الحكومية خصم من رصيد الموظف للحصول على سلع وخدمات أساسية .. يكفي كمثال تسديد الهاتف والإنترنت ودفع ثمن الفحوصات في مستشفيات حكومية.
تلبية احتياجاتنا الأخرى
ومن جانبها ترى نغم جحاف – موظفة بإحدى الوزارات: أن من الإشكاليات أيضاً تحديد مراكز تسوق بعيدة جداً عن المنزل ولا تتوفر فيها احتياجاتنا غير الغذائية، ونتيجة الفوضى وازدحام هذه المولات لا نشتري.. وتضيف جحاف: هناك احتياجات كالغاز والأدوية والمواصلات ووايتات الماء لا تحلها البطاقة التموينية.. نقدر عاليا الظروف التي يعيشها الوطن. جراء العدوان والحصار.. لكن نريد أن نشتري ما نريد وليس ما يفرضه علينا جشع التجار والمراكز التجارية كما نطالب الحكومة بضبط هذه المراكز..
فيما وجدنا الأخت عبير الشيبه : تضع في عربة التسوق علباً صغيرة جداً من الزبدة تشكو استغلال تجار الحروب حيث تقول: ليس معقولاً أن لا تجد في السوبر ماركت مكان تسوق العائلة سوى أحجام صغيرة جداً لمنتجات أساسية كالزبدة والحليب والعصير.. لمن تكفي ؟ ولماذا نحن مجبرون على دفع ثمن العلب.. ؟
وأخيرا تشتكي أماني الحميدي: أنه في بعض المولات يتم تفتيش عربة المشتريات بعد أن دفعنا قيمة ما اشتريناه ومقارنة المشتريات بما هو مدون في الفاتورة ! وهذا فيه عدم احترام للموظف وتشكيك في أمانة المحاسب، وليس هناك عرض لأسعار المنتجات حيث تفاجأ عند المحاسب بعد انتظارك ساعات في الطابور بأسعار خيالية.
رفعنا ببعض المراكز
خالد الخولاني- مدير عام مكتب الصناعة والتجارة بأمانة العاصمة أكد أن هناك شكاوى كثيرة من قبل الموظفين على المولات التي تعاقدت معها الجهات الحكومية منها رفع الأسعار ، وعدم توفير البدائل اللازمة حسب احتياج الموظف مما يضطره لشراء بضائع ليس بحاجتها ما دفعنا للنزول الميداني إلى هذه المولات، وتم رصد عدة مخالفات منها رفع الأسعار وعدم توفير البدائل وعرض بضائع مقاربة على الانتهاء وسلع رديئة للغاية وتم تحرير محاضر ضبط وإحالة هذه المولات إلى النيابة المختصة، ورفع تقرير مكتمل حول هذا الموضوع إلى وزير الصناعة والتجارة ونسخة إلى أمين العاصمة.
وقال عن المخالفات في هذه المولات: أن كل المولات التي تم التعاقد معها لم تلتزم عدا مول واحد وجدناه ملتزماً بالمواصفات والشروط وأن ثمن المنتجات بسعر السوق.. منوهاً بأن هناك من يسعى لإفشال نظام البطاقة التموينية لكنهم بصدد حل مشكلة المولات التي قامت بإخفاء السلع أو رفع الأسعار لاتخاذ الإجراءات القانونية.
تقرير المخالفات
وقد حصلنا على تقرير النزول الميداني للجنة مكتب الصناعة والتجارة التي فحصت المولات العاملة بنظام البطاقة التموينية السلعية.. وقد كان من أهم ما أورده التقرير من ملاحظات هو أن بعض المولات تغير في الأسعار من يوم لآخر.. كاشفا عن أن التبريد في ثلاجات بعض المولات غير كافٍ، حيث تسبب في تلف الأجبان واللحوم والدقة والمخللات، إلى جانب عرض وتخزين مواد مختلفة غذائية واستهلاكية تالفة، مع وجود مواد مجهولة المصدر في بعض المراكز كالعصائر والمشروبات المضاف إليها نكهات وملونات صناعية لا تخضع للمواصفات والمقاييس.
كما أن المواد الغذائية في بعض المولات كالدقيق والسكر مخزنة بطريقة غير صحية حيث تخزن في بدرومات المولات وتعرض على البلاط وبدون أي اشتراطات صحية لحمايته من التلف وانعدام نظافة المخزن والمكان تماماً ، كما أن التبريد في ثلاجات بعض المراكز والسوبرات غير كافٍ وتلف الأجبان واللحوم والدقة والمخللات، أيضاً وجود منتجات مكدسة وعشوائية ما يعرض منتجات كثيرة للتهوية والتلف كالمكرونة، وقدم التقرير تصنيفاً مقتضباً للمولات موردا بعض الأسماء التي قال: أنها أسوأ المولات في التخزين والنظافة وطريقة العرض وإشهار الأسعار .
وسجل التقرير على بعض المراكز مخالفات بعد ان لاحظ وجود تمور معروضة ظاهر عليها التغير في اللون والقوام، وكذلك وجود لحوم في الثلاجات عليها تغيّر في الشكل بسبب سوء التغليف وقلة التبريد..
وأشاد التقرير صراحة بأسماء المولات الملتزمة ببنود الاتفاق الخاص مع أجهزة الدولة، مؤكدا أن المواد الغذائية متوفرة بأحجام وأنواع وأسعار مختلفة والعرض بشكل سليم ومنظم.
إجراءات قانونية
وجاء في التقرير بعض التوصيات منها اتخاذ الإجراءات القانونية حيال المتلاعبين بالأسعار في عدد من المراكز والمولات التجارية وذلك من قبل نيابة الصناعة والتجارة حسب المخالفات المحالة إليها ، وأيضا إلزام تلك المولات بتوفير كافة الأصناف من أجل حقوق المستهلك في الاختيار في النوعية والكمية التي يراها مناسبة، وكذلك إلزام المولات بالتقيد بأسعار السوق المنافسة وتقديم منتجات بجودة أفضل، وأنه يجب تشكيل لجنة فنية من الجهات المعنية من المواصفات والمقاييس وصحة البيئة وحماية المستهلك واستقرار الأسواق والتأكد من صلاحية المواد والتشديد على شروط التخزين وبالذات اللحوم والأجبان.
عامر الملصي – مدير إدارة التخطيط والمشاريع في وزارة الصناعة والتجارة، أيضاً قال: جاءت البطاقة السلعية كحل مؤقت لأزمة السيولة النقدية ووافقت بعض المراكز التجارية وفرضت شروطاً ومع هذا وجدنا مخالفات مثل التسعيرة الموجودة على رفوف السلع غير مطابقة لتسعيرة الكاشير ، حيث وصلت الزيادة في الأسعار من ??-??? وهذه ليست نسبة بسيطة خاصة في سلع الأجبان والألبان ، إلى جانب أننا لم نجد بدائل بها مواصفات للمنتجات التي نريدها مع وجود عرض وبيع سلع على وشك الانتهاء.
ويرى الملصي أن الحل لهذه المعاناة يكمن في خلق جو المنافسة بين التجار ومنع الاحتكار وأيضاً يجب تحديد الأسعار ومراقبة التجار خاصة في ظل ما نعيشه من حصار وعدوان ، والذي يجدر بهم أن يخافوا الله في المواطن ويكتفوا بهامش الربح بدلاً من التكسب الحرام، وكما انه لا بد من التنسيق فيما بين الجهات لتنظيم آلية سير البطاقة السلعية تفادياً لازدحام المولات.
التحقيق مع المخالفين
روضة قعيش-عضو نيابة الصناعة والتجارة أوضحت من جانبها أن مكتب الصناعة والتجارة بالأمانة رفع بأسماء عدد من المراكز التجارية والمولات المخالفة والتي تم تحويل الموظفين إليها للتعامل بالبطاقة السلعية لتجاوزها الأسعار السائدة في الأسواق ورفع أسعار المواد الغذائية وتم اتخاذ الإجراءات القانونية قبل تلك المحاضر وتم طلب أصحاب المراكز التجارية والتحقيق معهم حيث ما زالت النيابة في طور التحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية بما يكفل القانون..
وبدورها وجهت رسالة إلى كل المتضررين من المواطنين والموظفين بأنه عليهم التعاون واللجوء إلى النيابة لتقديم شكاويهم وطلباتهم في أي مخالفات يجدونها وأنه بناءً على شكاويهم سيتم اتخاذ الإجراءات وفقاً للقانون.

قد يعجبك ايضا