خطاب مفتوح إلى المثقفين العرب

أحمد يحيى الديلمي
بين الثقافة والسياسة خيط رفيع يجعل المثقف يتحرك في الهامش المتاح وفي حدود الممكن والمسموح ليصل صوته إلى أكبر عدد من الشعب، وفي عالمنا العربي تسعى سلطات الحكم إلى الاستحواذ على أدوات التعبير لتغدو صوتاً وصورة وكلمة مكتوبة أو مسموعة صدى لما تريد الدولة التعبير عنه كي تترجم الرسائل التي تريد إيصالها إلى الناس لتكون مواقف البسطاء تأييداً مطلقاً لسياسيات الدول وأن مثلت انتهاكاً صارخاً لحقوق المواطنة وخالفت أبسط قيم الانتماء واعتسفت حرية التعبير .
يستطيع المثقف المنحرف خلط الأوراق وتحويل الأحكام المزيفة إلى حقائق ومسلمات لا يرقى إليه الشك ، هذا هو المحك الذي يميز المثقف الوطني عن غيره ، وهنا تتضح الكارثة الكبرى الناتجة عن سبب صمت وتجاهل المثقف العربي لما يجري في اليمن ، بعد عامين من العدوان السعو أمريكي الشرس ، الذي لا يعرف للإنسانية أي قيمة ، نوجه خطاب لوم وعتاباً للمثقفين والكتاب العرب .
نتساءل بمرارة !!: أين أنتم من حرب الإبادة والجرائم البشعة التي ترتكب ضد الشعب اليمني ، أقدام فاجرة مأجورة تدنس أرض الأجداد وتدمر هياكل الحضارة الإنسانية مصدر فخر واعتزاز كل عربي ، هل تجمدت أقلامكم والإنسان اليمني يواجه الموت في كل لحظة ، وحياته معرضة للفناء والدمار والأمراض تفتك به والجوع يمزق أحشاءه ، أين أنتم من كل هذا ؟!! هل آن لهذه الأقلام أن تصحو من سباتها وأن تسهم في إعادة الأمل إلى نفوس اليمنيين بدلاً من اليأس والإحباط من كل ما يمت بأدنى صلة إلى العروبة والإسلام .
هل غاب الحق ؟! وأصبح الباطل هو الغالب ، أم أن المثقفين ترهلوا وانتقلوا إلى مقاعد الفرجة والتعاطف بالقلب فقط ، والآخرين سجدوا للوفرة المالية لدى آل سعود الذين يبالغون في الطموح ودخلوا في عداء وخلاف واضح مع معظم الدول العربية ، وأصبحوا خطراً يهدد كيان الأمة ومقومات وجودها .
للأسف غطرسة وغرور هذه الدولة لم يستثن حتى البيت الخليجي ، وامتد سيناريو ( الأخوة الأعداء ) إلى المنظومة ذاتها ، إذ لا يمكن استبعاد اللقطات المؤثرة من طموح الإمارات وقطر ، وحرص كل منهما على الاحتماء بأمريكا وحتى إسرائيل ، ليس من العدو الخارجي للأمة الذي يهدد مصيرها ومستقبلها ، بل من السعودية والأحلام والكوابيس التي خلقتها بفعل طموحها العبثي غير المتوازن ، من أجله تنهش لحم الأبرياء من أبناء الأمة وتحاول السيطرة على المشهد العربي للتحكم في المواقف ، وتحديد مشاعر وانفعالات التعاطف مع قضايا الأمة الأساسية .
المشكلة، أن كل هذه الأعمال تواجه بصمت مطبق ، لا يختلف على التواطؤ والموافقة الضمنية ، ناهيك عن من ينافق المعتدين مقابل الفتات من المال المدنس بشكل علني ، واليمن منبع العروبة يتألم ، ويواجه عقابين في آن واحد ، الأول أمريكي صهيوني بريطاني لمواقفه من قضايا الأمة الأساسية ، والثاني دافعه الحقد والعداء المتأصل في أعماق آل سعود ، وهو ما جعلنا نخاطب كل مثقف عربي واع صادق الانتماء للعروبة ، ونقول: الشعب اليمني يباد ويواجه حصاراً جائراً ، حال دون وصول أبسط الاحتياجات ، وجعل المجاعة تهدد حياة اليمنيين بالفناء والتأرجح بين البقاء والموت ، والأمراض تفتك بالبشر والكل صامت على هذا العدوان الممنهج الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ الإنساني .
للأسف، هذه الأوضاع لم توقظ الضمائر من سباتها ، حتى التعاطف لم يخلق رأياً عاماً ضد العدوان ، ولم يتحول إلى سياسة عربية تخفف المعاناة ، وكأن أنهار الدماء وأشلاء النساء والأطفال الممزقة لم توقظ الإحساس لدى أي مثقف عربي.
فهل من صحوة ؟!! نأمل ذلك ، والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا