الوحدة…مقصد شرعي ..وضرورة حياتية

محمد على السهماني –
في زمن العولمة … تصبح التكتلات والتجمعات وأضف إلى ذلك التحالفات الإقليمية والدولية هي سمة العصر وسر المحافظة على المصالح والعجيب في مفاهيم التكتلات الغربية أن تحالفها يغض الطرف عن اختلاف الثقافات بين الجماعات والدول المتحالفة وأعظم من ذلك أن هذه التكتلات لا تتعصب في اتحادها للدين أو العرق أو اللغة …. لكنها تقفز على كل هذه الثوابت الدينية والثقافية وحتى العرقية حتى تصل إلى الهدف المشترك للمكتسبات والقدرات الحياتية للشعوب والمجتمعات … وإذا كان أطار المصلحة هو الاساس المشترك لقيام هذه التكتلات إلا أنه يبقى مهدداٍ بالانهيار حينما تفقد المصلحة ومن هنا كان ارتباطاٍ جافاٍ لا يحمل القيمة الأخلاقية والالتزام الأدبي لعدم ارتباطه بفضيلة الدين … وفي الوحدة اليمنية نجد أن الارتباط بها يحمل كل معاني التكتل الواحد من مختلف الجوانب الدنيوية وهي هنا ( المصلحة الواحدة ) بضمان تحققها في ارتباطها جذرياٍ بمقص الدين الواحد والثقافة الواحدة … فالأبعاد المثلى في الوحدة اليمنية تفوق كل صور ونماذج التكتلات العالمية لارتباطها بمصالح العباد في الدنيا واتصالها بتحقيق مقاصد الشرع وبالتالي الامتثال للواجب الديني بوجوب الاعتصام وعدم الفرقة والاختلاف .
فالوحدة اليمنية بكل مقوماتها ترتقي إلى مفهوم الوحدة النموذجية في الهدف والغاية … ويشترط لبقاء هذا المفهوم … إلمام الناس بحقيقة وحدتهم التي تقفز فوق كل اعتبارات المصلحة الضيقة للفرد دون الجماعة … وتتجرد عن كل خزعبلات وأوهام اختلاف الثقافات أو الانتماءات التي بدأ البعض يروج لها … وينبغي أن نفهم كذلك أن الوحدة اليمنية هي الطبيعية الحياتية لما ينبغي أن تكون عليه حالة الأمة وحتمية استمرارية هذه الحالة دون انفصال أو تصدع أو انشقاق … استنادا إلى حقيقة التاريخ الذي ما حفظ لهذا البلد إلا اسماٍ واحداٍ وهوية واحدة حتى وإن نطق الغراب بغير ذلك … فلدينا ما يلقمه الحجر ونصوص التاريخ الموثق بنصوص لايمكن إلا الوقوف عندها والتسليم بمقتضياتها … ونحتاج اليوم في معرض محافظتنا على الوحدة أن نستقرئ التاريخ الذي علمنا … كيف أن المستعمر حاول كثيرا أن يفصل بين الهوية وأن يقطع أعضاء الجسد الواحد …فعجز عن تحقيق مخططة الفاشل … حتى وان فصل وقسم الأرض لبرهة من الزمن لكنه عجز عن فصل الإنسان وعن طمس الهوية … وما فتئ أن رأى بأم عينيه كيف أن الهوية والمصير الواحد أعاد لملمة الأرض وجمع ما جزأه المحتل إلى أصله وبالتالي عادت الأرض إلى وحدتها بالفطرة كونها متبوعة بالضرورة لوحدة الدين والهوية الواحدة . ولأننا أمة لانقرأ تاريخنا ومنا من لايفهم حتى حقيقة دينه …. فمن الطبيعي أن نسمع بعض الأصوات الشاذة في عدم ارتباط الوحدة بالعقيدة وبالدين … معللاٍ مفهومة الباطل أن الوطنية غير متصلة بالدين … وغاب عن ذهن هذا المسكين أن الدين الإسلامي ربط المسلم بأرضه ووطنه .. ومحل سكنه برباط وثيق لايمكن فصله وليس هناك أدل من الأثر النبوي الذي يقول: (حب الوطن من الإيمان) ومفهوم الحديث يقتضي أن هذا الحب الواجب على كل مسلم تجاه وطنه يقتضي حرص كل منا على سلامة ووحده أرضه وشعبه وقد يشكك البعض في صحة هذا الحديث وبالتالي عدم التسليم بمقتضياته … وهؤلاء أضع بين أيديهم نصا نبويا آخر ورد في أصح كتب الحديث مفاده (أن النبي عليه الصلاة والسلام في معجزة الهجرة المشهورة وهو على راحلته مغادرا موطنه الأم (مكة) التفت إليها قائلاٍ والله إنك لأحب البقاع إلي لولا أن أهلْك أخرجوني) هل يمكن لأصحاب دعوات فك الارتباط اليوم أن يفهموا من كلام النبوة التي يسلم لها الجميع دون استثناء بأنها من مصادر التشريع الإسلامي … وعندما يتصل الحديث بأهمية الامتثال للتشريع الذي ندين به فهذا يعني بالعود إلى مدلول الحديث السابق أن الدين من خلال مبلغ الدين (النبي عليه الصلاة والسلام) يرسل للناس جميعاٍ معنى حب الأوطان والحنين إليه باعتباره فطره إنسانية تجسدت في قول وفعل المشرع الثاني بعد القرآن وإذا لم يكن لنا نحن المسلمون إلا الاعتبار ومن ثم الاقتداء بهذا النموذج الخالد لكفانا أن نقارع به من يتاجر ويزايد على فحوى النصوص ويتلاعب بحقائق التاريخ …. وبنظره أخري في المصدر الأول للتشريع وهو القران الكريم الذي يستعرض الوحدة في آيات عده بعبارات متعددة منها (الاعتصام – عدم الفرقة – النهي عن نقيض الوحدة وآثارها على غرار مصطلح المنازعة والتفكك) كل هذه المفردات القرآنية الواضحة يفهم منها فرضية الوحدة والاعتصام …. ألا يفهم هؤلاء أن قضية الوحدة ليست مجرد مزايدات سياسية أو مصالح حزبية أو مناطقية … بل إن مقصد تحقيقها والمحافظة عليها يندرج تحت أصل من أصول الدين وهذا مايجعل منها مقصداٍ شرعياٍ وضرورة حياتية … لاتقبل إخضاعها للمكايدات والصراعات الفئوية والمناطقية والسياسية ولا يمكن لي عنقها تحت وطأة انقطاع المصالح السياسية واللهث حول الثروة والغنيمة وتقاسمها … فالموضوع أكبر وأجل وأعلى من ذلك والتأصيل الشرعي كفيل أن يؤكد ذلك دون تعصب أو تحريف وتأويل للنصوص الدامغة .
أن الإنصاف في الطرح والتجرد عن الأهواء الضيقة في مناقشة الوحدة هو السبيل الوحيد لإخراجها من بؤرة النظرة الضيقة لمدلولاتها الوطنية وضرورياتها الحياتية بمختلف الجوانب في حين أن معالجة الأخطاء المتراكمة التي تقضي بإعادة الحقوق وإنصاف المظلوم والمساواة بين الناس من أهم الخطوات الضرورية والمستعجلة لترسيخ مفهوم الوحدة وإقناع الناس بجدواها ووصول ثمارها للقاصي والداني دون احتكار أو تسلط …وفي هذا المعني الأصيل تظهر حقيقة ( العدل والمساواة ) كمبدأ لا بديل عنه في مواجهة المناوئين والمرجفين تجاه الوحدة … فهل يمكن للدولة أن تتبنى هذه الحقيقة التي يمكن لها الظهور والسطوع من بوابة الحوار الهادف والبناء … عندها ثقوا أن وحدتكم محمية وخالدة وإن تعالت أصوات الرعاء الغثائية . والله من وراء القصد

mohsahman@gmail.com

قد يعجبك ايضا