المبدع والحب والحرب

*قراءة في المجموعة القصصية المشتركة (بين حب وحرب):

علي أحمد عبده قاسم
عندما نتحدث عن القصة القصيرة جدا فإننا نتحدث عن فن سردي يعتمد على الإشتغال اللغوي والذكاء الذهني والإقتدار الكتابي من القاص والكاتب بإعتبار الفن فناً سردياً راقياً فيه التكثيف والإختزال والمباغتة والإدهاش.
ومن خلال مطالعتي للمجموعة المشتركة (بين حب وحرب ) فالعنوان يفضي للتحدي رغم المحن والحروب فالمبدع يحمل الحب دائما بل هو مشعل الحب فالحب حرب من نوع آخر.
وسأبدأ بالقاصة إحسان الحداء فهي تقول “سلمت رأسي للحلاق ليحلق أفكاري ” وتقول: “واستقرت آخر رصاصة سطر في رأس الكاتب.
ولو تأملنا النصين فهما من ناحية العنونة نلاحظها أنها مباشرة فالأولى مواطن حين تقول ” سلمت رأسي للحلاق ليحلق أفكاري” فالعنوان الصائب هزيمة أو استسلام أو خضوع فالعنوان يختزل نسيج النص الداخلي وهو أداة جذب للمتلقي وفي النص الثاني عنوانه “صحفي ” حين تقول “استقرت آخر رصاصة سطر في رأس الكاتب ” فالعنوان الصائب مصير أو نضال أو تضحية.
وبذلك كانت النصوص مكتملة من الفكرة والغاية سرديا تفتقر للعنونة الصحيحة وأيضا كان من نصوص الكاتبة ومضات تفتقر للمعايير حين قالت:( أوشكت الكتابة ان تبيض. يضيع القلم في كومة قش) فهذه ومضة تفتقر للمعايير الصحيحة والصواب في صياغتها ” اوشكت الكتابة ” تبيض؛ ضاع القلم في كومة قش ” فثمة قصور من الدرس النقدي لتوضيح الفروق بين الجنسين السرديين.
وإذا انتقلنا الى الخنساء علي ناصر مجلي سآخذ نصها الرائع أولاد والذي يقول: “عدد بنات صلاح النجار في تزايد مستمر فإصراره العجيب على الحصول على عمود البيت لن يتوقف ” هذا النص قصة قصيرة جدا امتلكت التلميح حيث أنها لم تقل ان الوالد يحتاج الى الولد ولكنها ذكرت البنات وتزايدهن المستمر وخلقت مفارقة بالبحث عن البيت الذي هو الولد ولمحت لذلك تلميحا بأسلوب لغوي عميق ورمزت للولد بعمود البيت وبهذا امتلك النص المفارقة والتلميح والفكرة والهدف من النص.
وإذا انتقلنا الى نصها رجولة حيث تقول: ” يرفض نطق كلمة أحبك لزوجته خوفا من أن تضيع رجولته وتتكسر هيبته. وقالها لامرأة عابرة في حياته تجديدا لشبابه وقوة لهيبته ” العنوان جاء ساخرا متهكما من الرجولة التي توزع مشاعرها المزيفة على غير مستحقيها من الأسرة والأهل فكانت الرجولة لا رجولة وبذلك اختزل النص قضية أجتماعية كبرى بالفاظ قليلة وتمكن أن يعكس ذلك بسخرية لاذعة والتقاطة ذكية بطريقة ساخرة يرفض ان ينطق( كلمة احبك لزوجته ).
اما القاصة ايمان العزي فإنها لم تكتب قصة وإنما كتبت خبرا مطابقا للواقع ولم تضف شيئا ولم تبتكر جديدا ” وكأنه سوبرمان أو أحد الأبطال الخياليين حين اقترب بدراجته النارية وبأقصى سرعته في الطريق نحو أولئك النساء لم يكن بطلهن المنقذ بل لص حقائب ” أليس هذا الحدث يحدث في الواقع كل يوم فما الذي أضافته وما الذي ابتكرت فالقصة القصيرة جدا ليست خبرا مطابقا للواقع وليست وصفا لحادثة بل هي إدهاش ومفارقة والإدهاش هو أن نأتي بما لا يتوقعه القارئ فيهز مشاعره والعنوان مفضوح ومباشر “محترف ” ونصها الذي يلي لا يختلف عن الأول فهو خبر لحادثة وعنوانه مفضوح ومباشر وكاشف غير ملمح “خرف” ” أتكأ على عصاه وعيناه محاطة بالتجاعيد تطاردان الفتيات المارات بالقرب منه ” هذا خبر مطابق للواقع يحدث كل يوم ونراه متكررا والعمل الإبداعي إضافة وتجديد .
ومما سبق نلاحظ؛ أن السرد والوصف والتقاط الفكرة والمشهد لكن لم تتمكن من خلق النهاية التي تبعد الفكرة عن الواقع والواقعية ويرجع ذلك أيضا لقصور الدرس النقدي الذي يوضح للمبدع مفاهيم المصطلحات النقدية ليكتسب المبدع المهارة.
أما الشاعر والقاص زاهر حبيب فإنه أتى ومضات في بعض ما كتب ومن ذلك نصه ذات حنين حيث يقول: ” رسم امه. احتضنته اللوحة ” هذه ومضة مكتملة وليست قصة قصيرة جدا فالومضة عبارة عن طرفين متناقضين متصارعين يفضيان الى إدهاش القارئ وهز مشاعره والومضة تقترب من الحكمة وتتكون من ثمان كلمات وأقلها كلمتين لا غير لذلك نص زاهر حبيب امتلك الادهاش والمباغتة والمفارقة باعتباره ومضة وليس قصة قصيرة جدا فنلاحظ الادهاش الصادم في ” احتضنته اللوحة ” والعنوان موفق لحد بعيد ذات حنين إلا أن النص يفتقر لمعايير كتابة الومضة.
ومن النصوص التي نالت إعجابي نوعا ما نصوص شيماء صالح با سيد حيث تقول في نصها خطيئة : ” كان الفقر هو الخطأ الوحيد الذي لم ترتكبه عمدا ومن يومها تجمهرت الأخطاء في شرايينها تباعا أدمنت الليل ولم يلح أمل للعودة والبدء من جديد ” القصة ترسم تبعات الفقر الذي يفضي الى بيع الذات والمتاجرة بالجسد إلا أن النص فيه عيبان:
1-العنوان كان كاشفا ومفضوحا (خطيئة) حيث فضحت مضمون النص 2-أشارت بمباشرة وتقريرية حين قالت أصبحت فتاة هوى إلا أنها استطاعت أن تخلق مفارقة وإدهاشاً ولغتها جذابة وسردها ممتع.
ومن النصوص المرمزة نص الأستاذ عبدالله احمد حسين ” عاش منعما في غرفة المجاري أسفل الشارع ….. حدثته نفسه بالخروج الى الأعلى حيث النور والحياة فكان ضحية لأول عجلة ” النص مرمز فالصرصور هنا رمز لكل حقير يتطاول ولا يقتنع بما هو له وأيضا الصرصور ذلك الكائن القذر الممرض فالنص فيه حالات لتفاوت المستويات والطبقات وفيه رؤية خاصة لكل من لا يقدر نفسه ويضع نفسه في مكانها.
أما القاصة غدير الخاوي ففي نصها أجرة تقول: “لأنه أحبني كثيرا خبأني في محفظته أستقل سيارة أجرة وعندما غادرها دفع بي الثمن ” هنا القاصة تتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة وأنها دائما في مستوى التهميش وسيطرة الذكورة فالرجل لا يأبه ان يدفع بها أجرة تاكسي لا أكثر فالنص مختزل ومكثف يختزل قضية الرجل والمرأة بتكثيف عميق وادهاش ملفت ومفتوح في آفاق التأويل.
أما القاصة سلمى الخيواني ففي قصصها القصيرة جدا غالبا ما تأتي بأخبار وليست قصصاً قصيرة جدا ففي هذا النص تحكي وتسرد عقدتها من الأكل اما لسبب مرضي او لسبب التخمة أو لعدم مهارة الطبخ أو لحالة نفسية تعاني منها ويتضح ذلك من خلال العنوان عقدة فالعقدة هنا تحكي حالة نفسية بعلاقتها بالأكل فما دخل المتلقي بخبرها الشخصي فالنص يقول” عندما أصبحت ثلاجة مطبخي تكتظ بالأطعمة , كنت قد اعتدت النوم وبطني خاوية ” اليس هذا خبرا ” اعتدت النوم وبطني خاوية”
وكأنها تقول: نمت جائعة والثلاجة مليئة بأصناف الطعام.
وهذاواقعها لم تزد عليه مايدهش.
وهذا يتكرر ليس في هذه المجموعة ولدى القاصة فقط فهناك قصور فهم من الكاتب والمبدع أن القصة عموما ليست وصفا لحادثة وليست وصفا لحادثة ذاتية بل القصة القصيرة جدا هي مباغتة تهز الكيان وتجعل القارئ يتشابك مع النص بانصدام فارق ومجيء بالجديد والمفاجئ.
والعنونة اختزال لمضامين النص فيكون العنوان هو النص لذلك وصف الحادثة بخبرية. هو أمر بعيد عن السرد. ويقترب بل يلامس الواقع وهذا بعيد عن فنية السرد الذي يخلق من المشهد مالايتوقعه القارئ والمتلقي.
إذن ثمة قصور في خلق الإدهاش وثمة قصور في العنوان الذي يجمع شتات النص ودلالته ويعود ذلك لجادة الفن السردي الذي لم يصل للجدل الذي يكتب له الرسوخ والنضوج ولكن هذه بداية جريئة من شباب طامح واخترت النصوص بعض النصوص هذه لأبين هذا الجانب الهام الذي سوف يتجذر ويأخذ به القاص في قابل الأيام.
وآخرا
-المجموعة هامة جدا بوصفها جمعت كتاب من محافظات الجمهورية.
-المجموعة جاءت بنصوص قصيرة جدا وهذا فن سردي جديد وجريء يعبر عن منافسة المبدع لغيره.
مهما كان من قصور فإنها استطاعت أن تقدم نصا جديداً وجريئا.
-العنوان لمجموعة قصص قصيرة جدا والمفترض نصوص قصيرة قصيرة جدا بوصفها جمعت الومضات والقصة القصيرة جدا .
-المجموعة تشكل فسيفساء ابداعية لواحدية ابداعية يمنية وتدل على شباب مثابر ينطلق من ذمار الابداع.
-تفاوت النصوص بين القوة والقصور إلا أنها بداية موفقة وجريئة في النص القصير جدا اليمني.
المجموعة جمعت كتابا من معظم محافظات لتشكل فيسفساء ابداعية وواحدية ابداعية يمنية .
-لايعني نقدي التقليل من أهمية المجموعة ولكني أحببت أن أبين القصور خاصة في النهايات فثمة مشكلة في التقاط الادهاش والمباغتة ويعود لذلك لأسباب عديدة أهمها تقصير الجانب النقدي .
–ذمار تشكل وترسم لوحة ابداعية متميزة من خلال الإصدارات والنوادي والندوات والورش حيث كوكبة من المبدعين ليست إلا في ذمار.
-ما يزال هناك قصور في الفهم بين القصة القصيرة جدا والومضة ويعود ذلك للقصور من الجانب النقدي.

قد يعجبك ايضا