العمائر المدنية والحربية في ظفير حجة

> في رسالة دكتوراه للباحث يحيى العبالي:

الثورة نت /متابعة / محمد أبو هيثم

حصل الباحث اليمني يحيى لطف العبالي خلال الأيام الماضية على درجة الدكتوراه وبدرجة امتياز وذلك من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الحسن الثاني بالعاصمة المغربية الدار البيضاء وذلك عن أطروحته العلمية المقدمة لنيل درجة الدكتوراه تحت عنوان ” العمائر المدنية والحربية في مدينة ظفيرحجة – دراسة أثرية ومعمارية وتاريخية توثيقية”.
وقد تم مناقشة رسالة الدكتوراه من قبل لجنة علمية وأكاديمية والتي أشادت بالباحث وبرسالته العلمية ومضمونها وما احتوته من مادة علمية ومابذله الباحث من جهود بحثية ودراسية جادة كان من ثمارها هذه الأطروحة المتميزة في مجالها .

جانب حضاري
* الباحث الدكتور يحيى العبالي يسلط الضوء على رسالته من خلال السطور التالية:
تعتبر دراستنا للعمائر المدنية والحربية بمدينة ظفير حجة أول عمل علمي يتناول العمائر المدنية والحربية في مدينة من مدن اليمن بالمناطق الجبلية، وستكشف هذه الدراسة للباحثين عن عناصر معمارية وأساليب إنشائية ومواد بناء، كخاصية للمنطقة، كما أنها محاولة للخروج بتصور عن الجانب الحضاري لهجرة من هجر العلم في اليمن، وهو موضوع لم يطرق بعد من قبل الباحثين رغم أهميته.
يتحدد الإطار المكاني للدراسة في مدينة ظَفِير حَجَّة التي تتبع إدارياً مديرية مبين، ومبين إحدى مديريات محافظة حجة الواقعة شمال غرب الجمهورية اليمنية.
أما الإطار الزماني للدراسة فينحصر ما بين القرن 10-13هـ/ 16-19م، مع الأخذ في الاعتبار وجود إشارات تاريخية ووثائق تتحدث عن معالم معمارية تعود إلى فترة قبل القرن 10هـ/ 16م.
ويقول عن أهداف الدراسة:
تتمحور الأهداف المتوخاة من هذه الدراسة في النقاط الآتية:
1- توثيق المنشآت المعمارية المدنية والحربية في مدينة ظَفِير حَجَّة توثيقاً علمياً.
2- دراسة عناصرها المعمارية ومعالمها الثقافية ومقارنة ذلك بالمواقع المشابهة.
3- البحث في موقع ظَفِير حَجَّة وعلاقته بالمجال المحيط به .
تطرح الدراسة مجموعة من الإشكاليات الأساسية التي حاولنا الإجابة عنها وتتمثل في تحديد نمط العمارة السائدة في المنطقة، وأساليب البناء، وأشكال التحصينات في مدن اليمن الجبلية، حيث كان للطبيعة ومجالها الجغرافي دور في إعطائها خصوصية، كما عملنا على إبراز المعالم والعناصر المعمارية لمدينة ظَفِير حَجَّة، وتوضيح الدور الحضاري الذي لعبته، ومعرفة علاقتها بالبيئة المحيطة بها سواء من حيث مواد وتقنية وأنماط البناء، أو الدور الذي لعبه الموقع الجغرافي.
وقد شكلت الدراسة الميدانية قطب البحث بل جله، اذ تطلب العمل الاثري الميداني مني ثلاث سنوات تقريباً،تجمعت لدي خلالها معطيات أثرية متنوعة معمارية ولقى أثرية موزعة على مجال جغرافي صعب التضاريس طوبوغرافياً، وبمجال تقارب مساحته 3 كم مربع، تدرس بمقاربة علمية لأول مرة.
ذلك كان على مستوى الدراسة الميدانية ويضيف الباحث قائلاً:
– أما على مستوى المرجعية المصدرية، فقد واجهتنا صعوبة ندرة المادة المصدرية المكتوبة، الأمر الذي دفعنا إلى الاعتماد على الوثائق الخاصة من الساكنة إذ تجمعت لدينا 200 وثيقة استثمرنا عدداً منها في هذه الدراسة، بينما احتفظنا بالبقية لتشكل مادة هامة لدراسات مستقبلية عن ظَفِير حَجَّة في مجالات اقتصادية واجتماعية وغيرها.
لقد مكنتني هذه المواد المصدرية العلمية المجمعة لدي من هيكلة موضوعي بشكل يتناسب مع الأهداف المتوخاه من هذه الدراسة، إذ قسمته إلى بابين يتضمنان 11 فصلاً ، الباب الأول بعنوان ” العمائر المدنية” والباب الثاني بعنوان ” العمائر الحربية ” بالإضافة إلى فصل تمهيدي ومقدمة وخاتمة وملحق ويمكن تفصيل ذلك في الآتي.
– المقدمة: وتضمنت أدبيات البحث.
– فصل تمهيدي يندرج تحت عنوان “مدينة ظَفِير فصل جغرافي تاريخي”
– الباب الأول: تحت عنوان “العمائر المدنية” ويشمل المعالم المعمارية التي تخدم الإنسان في حياته اليومية، ولتسهيل الدراسة والوصول إلى أفكار مرتبة تم تقسيمه إلى ستة فصول كالآتي.
– الفصل الأول:” تخطيط المدينة “.
– الفصل الثاني: ” البيوت السكنية “.
– الفصل الثالث :” السوق ” .
– الفصل الرابع:”المنشآت المائية”.
– الفصل الخامس:” مخازن الحبوب ”
– الفصل السادس:” المقابر” .
– أما الباب الثاني من هذا البحث فقد عنوناه ” بالعمائر الحربية “، أي المنشآت التي ارتبطت بالدفاع والأمن، وتم تقسيم هذا الباب إلى خمسة فصول وهي كالآتي:
– الفصل الأول: ” البوابات” .
– الفصل الثاني: ” السور والأبراج” .
– الفصل الثالث:” الطرق” .
– الفصل الرابع:” التحصينات الدفاعية” .
– الفصل الخامس: ” لمواد البناء” .
وأنهيتُ الدراسةَ بخاتمة استوعبت مجموعة من الاستنتاجات، تلاها عددٌ من التوصيات، ثم قائمة بأسماء المصادر والمراجع . وقد ذيَّلتُ الدراسة بملحق ينقسم إلى ثلاثة أقسام: يتعلق الأول بالوثائق. والثاني: باللقى الأثرية. والثالث والأخير بالمصطلحات المحلية.
مقاربة تاريخية
– ويقول عن المنهج وما يتعلق بالمنهج المتبع في هذه الدراسة:
فقد اعتمدت في دراسة المنشآت المعمارية المدنية والحربية لمدينة ظفير حجة على مقاربتين تاريخية وأثرية،بدءاً بالتوصيف للمنشآت المختلفة القائمة والمندرسة ، وعمل استمارات حصر لذلك، ثم الرفع للتصاميم المعمارية، والتصوير الفوتوغرافي، وإعداد الخرائط ، وعمل الجداول والبيانات، معتمداً في كل ذلك على المنهج التاريخي الوصفي التحليلي.
وعن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة فيقول الباحث تتلخص في النقاط الآتية:
أولا : على المستوى الجغرافي والتاريخي:
1- بينت الدراسة الجغرافية على المستوى الطبونيمي أن الاسم “ظفير” ارتبط بالحرب؛ وأنه أطلق على حصون متعددة باليمن، لذلك مُيّز عن غيره “بظَفِير حَجَّة”، كما اتضح أن التحصين الطبيعي لمدينة ظَفِير حَجَّة، هو العامل الأساسي في الأهمية الحربية.
2- بالرغم من التضاريس الصعبة والمعقدة افرز موضع ظفير حجة ظهور مدينة لعبت أدواراً تاريخية مهمة من تاريخ اليمن رغم صغر حجمها،احتوت على منشآت أساسية للمدينة الإسلامية.
3- أبانت المعطيات الجيولوجيةعلى توفر مواد البناء المحلية في المدينة ومحيطها الجغرافي والتي قمنا فيها بتجارب ميدانية بالتعاون مع جهات محلية لإعادة استخدامها في الترميم الحالي للمنشآت، وبناء على ذلك وضعنا خريطة جيولوجية للمنطقة هي الأولى من نوعها، كما بينت الدراسة الجيولوجية المخاطر الكبيرة التي تعاني منها مدينة ظَفِير حَجَّة لكونها تقع على رأس جبل رسوبي معرض للنحت والتساقط بسبب التكهفات التي تحدثها العوامل الطبيعة.
4- أما في الجانب التاريخي فقد تبين أن ظَفِير حَجَّة ظهرت على مسرح الأحداث التاريخية منذ القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي.
واشتهرت منذ القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، بينما عاشت أسوأ ظروفها التاريخية نهاية القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي، عندما تعرضت لقصف نيران المدفعية العثمانية التي ادت خرابها بشكل كبير، حيث كانت في تلك الفترة أحد مراكز المقاومة اليمنية ضد العثمانيين.
ثانياً :الجانب الأثري وهو الأهم في موضوعنا باعتباره قُطبْ البحث وجُلّه وعليه دارت تقسيماته، فيمكن تتبع نتائجه على النحو الآتي:
1- اتسم تخطيط المدينة بالبساطة، ولعل فكرة استغلال المتاح من المساحة الصغيرة والإمكانات الشحيحة، ومقاومة الظروف الصعبة؛ تفسر ضيق الشوارع الداخلية، والاعتماد على البناء الرأسي للبيوت السكنية، وتقنية تجميع المياه وخزنها، وطريقة خزن الحبوب بمخازن منحوتة في الصخر.
2- بينت الدراسة أن أغلب البيوت السكنية الصغيرة والكبيرة؛ مهدم حالياً جزئياً أو كلياً، وتدل الوثائق التي حصل عليها الباحث أن تواريخ كثير منها يغطي الفترة الممتدة من القرن العاشر الهجري الى الرابع عشر الهجري، السادس عشر الميلادي إلى القرن العشرين الميلادي، ويعود تاريخ بيت الحضرمي الذي تمت دراسته كنموذج للبيوت الصغيرة إلى قبل 1319هـ / 1902م حسب وثيقة الملكية للبيت ويمكن القول أن بيت الحضرمي المكون من أربعة طوابق توفر على كل الوظائف المعيشية.
3- يعود تاريخ دار الإمام المهدي الذي تمت دراسته كنموذج للبيوت الكبيرة المهدمة بشكل جزئي إلى ما قبل( 1049هـ /1639م ) حسب وثيقة الملكية.
4- لم يعد بالسوق حالياً سوى عشرة حوانيت تم دراسة نموذجين منها،وتعود أقدم إشارة تاريخية إلى القرن العشر الهجري / السادس عشر الميلادي ، يتبع السوق نظام التخصص في بيع وشراء السلع وهو نظام معروف في اليمن والعالم الإسلامي بشكل عام.
وكان يشتغل بالسوق الحرفيون من المسلمين، واليهود، وفي بعض الفترات الهنود الهندوس، الذين سموا في اليمن بالبانيان.
5- سجل البحث أهمية المنشآت المائية، وبيّن وجود ست برك عامة كبيرة، ثلاث منها داخل المدينة وثلاث خارجها وتسعة عشر بركة أخرى صغيرة، ونستنتج من كثرة برك الماء الاحتياج للماء خاصة اثناء فترات الحصار.
ومن المنشآت المائية المهمة “الغيول”، وقد تم حصر أربعة وعشرون غيلاً، ودراسة تفصيلية لغيل واحد كنموذج ما يزال الماء فيه والانتفاع به مستمرا حتى اليوم، كما وضحت وثيقتان قانون توزيع الماء.
6- وفرت مخازن الحبوب التي نحتت في الصخر الأمن الغذائي في السلم والحرب، وقد تم حصر خمسة وستون مدفناً الكثير منها مندثر حالياً.
7- ملاحظة كثرة المقابر بمدينة ظَفِير حَجَّة سواء داخل المدينة أو خارجها، وقد تم تحديد أربع مقابر رئيسية تتعرض للهدم والعبث بسبب العوامل الطبيعية والإهمال من قبل الأهالي والجهات المختصة، ويمكن أن نؤرخ لبعض هذه المقابر من خلال ما ورد في تواريخ شواهد القبور الباقية للفترة بين القرن التاسع إلى الحادي عشر الهجري، الثاني عشر/ السابع عشر الميلادي.
8- يوجد بالظفير مدخلان فقط اتسما بالبساطة مقارنة مع غيرهما في بعض مدن اليمن، أو العالم الإسلامي.كما تم تدعيم المداخل والسورلزيادة التحصين بثلاث قشل حربية نرجح بناها من قبل العثمانيين بالقرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي، وقد تبقى من السور حالياً أجزاء متقطعة في جهات المدينة الأربع.
وخلصت الدراسة الى بعضالتوصيات الداعية إلى الاهتمام ورد الاعتبار للمعالم الاثرية والتاريخية بمدينة ظفير حجة وتوعية الأهالي بأهمية الحفاظ عليها.
– وعن الصعوبات التي واجهته فيحددها في الآتي:
1. الخراب الذي طال أغلب المنشآت، ما جعل من الصعوبة الحصول على معلومات حولها.
2. ندرة نصوص التأسيس التي تؤرخ للمنشآت.
3. قلة الكتابات التاريخية عن مدينة ظَفِير حَجَّة.
4. صعوبة الحصول على الوثائق من قبل الأهالي.
5. ظروف الحرب في اليمن .
وختاماً يقول الباحث الدكتور يحيى العباي:
في الوقت الذي حاولنا فيه إيصال صورة واضحة عن مدينة ظَفِير حَجَّة ومعالمها المعمارية ؛ فإن باب الدراسات العلمية أمام الباحثين مفتوح ، وسنكون يداً مساعدة لأي باحث يرغب في دراسات معمقة للمنطقة في الجوانب العلمية المختلفة كل من زاوية تخصصه.
وختاماً اشكر أستاذي المشرف الأستاذ الدكتور حسن أميلي على ما بذله معي من جهود، وما اكرمني به من حسن تعامل، وما غمرني به من توجيهات ذللت لي الصعاب وانارت لي طريق البحث، والشكر موصول للأساتذة الافاضل أعضاء لجنة المناقشة على تشريفي بقبول مناقشتي.

قد يعجبك ايضا