اليمن “والهدن” والإجرام الامريكي وآل سعود

الدكتور بهيج سكاكيني
ستة محاولات سابقة فشلت لإجراء هدنة وتحقيق وقف لإطلاق النار والعدوان على اليمن السعيد الذي دمرت مقدراته وبناه التحتية والبشر والحجر دون توقف بواسطة آلة الدمار لآل سعود ومن اصطف الى جانبهم طمعا في النفوذ أو من أجل تحصيل حفنة من الدولارات التي تغدق على كل مرتزق رضي أن يكون مطية للتخلف وعقلية القرون الوسطى والفكر الوهابي التكفيري.
وفشلت المحاولة السابعة التي حاولت الولايات الامريكية تحقيقها للظهور بمظهر الوسيط ودفع المسؤولية عنها من جراء هذا الكم الهائل من التدمير الحاصل في اليمن، وخاصة مع استخدام الأسلحة المحرمة دوليا التي أمدتها لآل سعود مثل القنابل العنقودية والفسفور الأبيض وربما غيرها، والى جانب مطالبة العديد من منظمات الاغاثة الإنسانية ولجان حقوق الانسان الأممية بالتحقيق بجرائم الحرب التي ترتكب يوميا في اليمن. الولايات المتحدة ارادت أن تظهر بمظهر الحريص على الشعب اليمني وتحقيق الامن والاستقرار في اليمن وإيقاف الحرب والعدوان الدائر منذ آذار من العام الماضي دون توقف.
لم تنجح محاولة الولايات المتحدة بالطبع في محاولة وقف النار السابعة ولو لمدة 48 ساعة كغيرها من المحاولات، بالرغم من موافقة الجيش اليمني واللجان الشعبية التي تقاتل معه من الحوثيين وغيرهم. فالطرف الآخر المعني بالحرب وهي السعودية على وجه التحديد غير معنية بتحقيق وقف لإطلاق النار أو تحقيق السلام الا بشروطها التعجيزية بطلب الاستسلام الكلي من الطرف الآخر وأعني من الشعب اليمني المراد له أن يعود الى عهود العبودية والخنوع لآل سعود. هذا الشعب الذي تمرد وثار على هذا الاستعباد لا يمكن ان يرمي سلاحه ويستسلم مهما كانت التضحيات كما هو واضح.
الدعم الأمريكي للعدوان السعودي على اليمن لم ينقطع ولو ليوم واحد لا يغرنك “سحب” بعض المستشارين العسكريين التي أعلنت الإدارة الامريكية انها سحبت جزء منهم قبل فترة عندما قصفت الطائرات السعودية مركزا للعزاء ذهب ضحيته أكثر من مئة شهيد مما أثار زوبعة في الاعلام الغربي وادانات من الكثير من المنظمات الدولية التي طالبت بالتحقيق في هذا الحادث الاجرامي. وعندها قام البيت الأبيض وللاستهلاك المحلي بالتصريح بان الدعم الأمريكي للسعودية يجب أنه لا يفهم أنه شيك مفتوح. الولايات المتحدة كانت وما زالت الداعم الرئيسي لهذا العدوان الجبان والآثم. فمنذ اليوم الأول أقامت غرفة عمليات مشتركة مع آل سعود لإدارة العدوان على اليمن وقامت بتقديم الدعم اللوجيستي والعسكري الكامل للعدوان، من تقديم احداثيات المناطق والأماكن لتدميرها، وتزويد الطائرات السعودية في الجو لكي تتمكن من ضرب أكبر قدر ممكن من الأماكن، الى جانب تقديم الصواريخ بكل أنواعها وحتى الأسلحة المحرمة دوليا مثل القنابل العنقودية والفسفور الأبيض وهذا ما أكدته بعثات تابعة للأمم المتحدة بجانب المنظمات الإنسانية العاملة على الأراضي اليمنية.
ولا يقتصر الامر على هذا فالولايات المتحدة تشارك عمليا في الحصار البحري والبري والجوي على اليمن وتساعد “التحالف” الذي تقوده السعودية بمنع وصول أية مساعدات إنسانية للأطراف المدنية المتضررة بالرغم من أن أكثر من ثلاثة أرباع سكان اليمن باتوا بأمس الحاجة الى المساعدات الإنسانية الضرورية من غذاء ودواء بحدها الأدنى ليستطيعوا البقاء على قيد الحياة. الولايات المتحدة تصرخ في مجلس الامن وفي وسائل الاعلام على ما يدور في حلب الشرقية وعلى الأوضاع الإنسانية المأساوية لجزء من المدينة الذي يسيطر عليه مجرمو داعش أما في اليمن فإنها تشارك وتساهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية للشعب اليمني بأكمله، وهي شريكة فعلية بكل المجازر التي ترتكب من قبل “التحالف” الهمجي الذي يقاد من وحوش مصنعي داعش واخواتها.
لو ارادت الإدارة الامريكية بالفعل إيقاف نزيف الدم في اليمن والمساهمة في الدفع باتجاه الحل السياسي لكانت قد عملت على إيقاف تدفق الأسلحة الامريكية بكافة أنواعها الى آل سعود، فهي الطريقة الوحيدة التي ستجبر آل سعود الى إعطاء الاوامر لأدواتهم في اليمن وعلى رأسهم الرئيس الهارب والمنتهية ولايته السيد عبد ربه منصور هادي المتربع على عرشه في السعودية منذ بدء الازمة اليمنية ولغاية الآن.
ولكن شيء مثل هذا لن يتم على الأقل لسببين أساسيين: أولهما أن توريد وبيع الأسلحة للسعودية يشكل دخلا كبيرا لشركات الأسلحة والمجمع الصناعي العسكري الذي يمسك الى جانب المؤسسات المالية الكبرى وشركات الطاقة العملاقة والعابرة للقارات ومن يمثلها في الكونغرس الأمريكي المفاصل الرئيسية للسياسة الخارجية الامريكية وهذه لا يمكن أن تعمل ضد مصالحها وتقوم بالضغط على السعودية الا إذا ما رأت أن السعودية بدأت تتصرف بشكل يضر بالمصالح الامريكية.
السعودية كما ودول الخليج مجتمعة تشكل البقرة الحلوب التي لم ينضب حليبها بعد، فما زالت هناك مئات المليارات تضخ في الاقتصاد الامريكي من هذه الدول بشكل مباشر ام غير مباشر. ويكفي أن نشير الى صفقات الأسلحة الامريكية للسعودية قد بلغت أكثر من 100 مليار دولار بعهد الرئيس أوباما الحائز على جائزة نوبل “للسلام”.
بالإضافة الى هذا فإنه في الوقت الذي ظهرت بعض الأصوات الامريكية التي عبرت عن قلقها عن تزايد القتلى في صفوف المدنيين اليمنيين أجاز الكونغرس ودعم الإدارة الامريكية ببيع أسلحة الى السعودية بقية مليار دولار وذلك كصفقة عاجلة للتعويض عن الخسائر في الاليات العسكرية والدبابات التي فقدتها في المعارك في اليمن ونقصان الذخيرة والصواريخ في مخازنها، وذلك للإبقاء على العدوان وادامته على الرغم من القناعة الامريكية أن “التحالف” السعودي لا يمكنه تحقيق النصر العسكري.
أما السبب الآخر الذي عبر عنه السناتور جون مكين المعروف بتطرفه ودعمه لجرائم داعش في سوريا وتبني سياسة خارجية أكثر عدوانية وتطرفا من الإدارات الامريكية المتعاقبة فانه يتلخص بان الإدارة الامريكية أرادت أن ترسل رسالة واضحة الى الدول الخليجية بان الولايات المتحدة ما زالت متمسكة بتقديم الدعم لها وبأمن دولها والحفاظ عليها كما والحفاظ على أمن الخليج. وكانت معظم الدول الخليجية قد اتخذت موقفا عدائيا من توقيع الاتفاقية مع إيران حول برنامجها النووي واعتبرت أن هذا الى جانب الدعاية بأن أمريكا فعلت ذلك لأنها تريد التوجه الى آسيا بمثابة التخلي عن الخليج وعن الاتفاقات الأمنية الموقعة مع دوله والتي مفادها ضمان أمريكا لهذه العروش المتهالكة وأمنها من أية تهديدات داخلية أو خارجية. ولقد ذهب البعض من المحللين بأن تمكن شركات الطاقة الامريكية من استخراج البترول والغاز الصخري ووصول الناتج اليومي الامريكي الى ما يقرب من 10 ملايين برميل يوميا سيؤمن الاحتياجات النفطية للأسواق الامريكية وعدم الحاجة الى استيراد النفط الخليجي. لا وبل أبعد من ذلك أن أمريكا قد أصبحت في موقع تستطيع به تصدير البترول والغاز وبالتالي الدخول في منافسة مع دول الخليج النفطية في هذا المنتوج الاستراتيجي. نعم ان الولايات المتحدة ومن خلال مخزونها وانتاجها النفطي تكون قد حققت الاكتفاء الذاتي ولكنها ما زالت بحاجة الى الخليج ومخزونه النفطي وذلك لان السيطرة على هذه الحقول النفطية والغازية بالإضافة الى طرق امداد مصادر الطاقة هذه يضعها في موقع متحكم بأسعار هذه السلعة الاستراتيجية وتوزيعها ومن ثم إمكانية استخدامها كسلاح سياسي واقتصادي عند الحاجة.
هذا ما حصل في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي عندما تآمرت مع السعودية في تخفيض سعر برميل البترول في الأسواق العالمية الى حد كبير مما أدى الى تدهور الحالة الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي وعدم القدرة على تنفيذ الخطط الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية مما أدى الى انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك المنظومة الاشتراكية.
نحن لا نقول انه السبب الوحيد، بل كما أكد العديد من المحللين أنه شكل احدى الأسباب الرئيسية للانهيار. ولقد حاولت الولايات المتحدة والسعودية الى تكرار المحاولة قبل عامين تقريبا ولكنها فشلت في ذلك، لا بل وأنها بالإضافة جلبت معها الوبال الاقتصادي على السعودية ودول الخليج قاطبة، حيث قامت البعض منها باستخدام صناديقها السيادية نتيجة العجز المالي في الموازنة العامة وأوقفت العديد من المشاريع وقامت بخفض النفقات الحكومية واتباع سياسة ضرائبية ورفع أسعار المحروقات والغاز والكهرباء…الخ.
ولعل السعودية كانت من أكبر المتضررين وخاصة مع دخولها في العدوان العسكري المباشر على اليمن وحربها على سوريا بالوكالة منذ أكثر من خمسة أعوام مما كلفها المليارات من الدولارات. وما زالت الخزينة السعودية تنزف حيث وصل العجز المالي الى أكثر من مئة مليار دولار، ومع غياب أي أفق لوقف هذا النزيف المدمر فان الأمور مرشحة لمزيد من الخراب الاقتصادي والاجتماعي في مملكة القهر.
آل سعود ماضون في غيهم وعجرفتهم وعدوانهم، ولقد وصلت الأمور بالنسبة لهم الى لا رجعة، فهم لم يحتسبوا أن الشعب اليمني بمقدراته البسيطة والمحدودة يستطيع ان يصمد صمودا أسطوريا لا بل واستطاع أن ينقل أرض المعركة الى الداخل السعودي وهذا ما يؤرق آل سعود وخاصة مع عدم وجود رغبة حقيقية للجيش السعودي للقتال على الرغم مما يغدق على أفراده من أموال لتحفيزهم على القتال.
آل سعود كانوا يعتقدون ان الشعب اليمني سيأتي زاحفا ومستسلما فاذا به يأتي متحديا، مقاتلا شرسا للغزاة وجحافل المرتزقة ومدافعا عنيدا عن أرضه وعرضه.
آل سعود لم يتعظوا من تاريخ اليمن السعيد وحسبوا أن الشعب اليمني هم هؤلاء بعض الساسة ورجال القبائل المحسوبين على آل سعود الذين يدفعون لهم المبالغ الشهرية لضمان ولائهم لخادم الحرمين. وكذلك اخطأت حساباتهم في سوريا فما زال الشعب السوري والجيش والقيادة هذا الثالوث المقدس صامدا برغم الحرب الكونية على الدولة السورية.
ولا شك ان الانتصارات التي يحققها الجيش السوري وحلفاءه على الأرض تشكل شوكة في حلق آل سعود الذين لا يريدون ان يعترفوا بالهزيمة بعد كل هذه المليارات التي صرفت على تجنيد جحافل الدواعش والتكفيريين ودفع معاشاتهم الشهرية وتدريبهم وتسليحهم بأحدث الأسلحة الخفيفة والثقيلة. الأمور في اليمن كما هي في سوريا ذاهبة نحو التصعيد لان هنالك أغبياء مثل آل سعود وغيرهم مثل قطر الذي صرح وزير خارجيتها مؤخرا بان قطر ستقوم بمزيد من الدعم التسليحي للمعارضة حتى لو توقفت الولايات المتحدة عن ذلك.
هؤلاء انصاف الرجال كما وصفهم الدكتور الرئيس بشار الأسد سيذهبون الى مزبلة التأريخ كما ذهب الذين من قبلهم محمد بن جاسم وزير الخارجية القطري وأمير الاجرام بندر بن سلطان آل سعود ما زال خيارهم الحسم العسكري وهذا حلم ابليس بالجنة لن ينالوه كما لم ينل مجرموهم حوريات الجنة!!!! فها هي حثالتهم المحاصرة في شرقي حلب تنهار وتدب حالة من الفوضى في صفوفهم ولم تفلح كل حملاتهم “لفتح حلب”. الجيش العربي السوري وحلفاءه مصممين على سحق الحثالة التي جمعت من ارجاء الكون وتحرير كل شبر من أرض الوطن السوري الغالي. والنصر في اليمن وسوريا آت لا محالة بهمة الأبطال من الشعبين مهما طالت المدة.

• نقلاً عن صحيفة المنار

قد يعجبك ايضا