الآثار النفسية للعدوان .. “صدمات “تلاحق النساء والأطفال

*معلمة نزحت من تعز: أجواء القصف والقتل والخراب لا تغادر مخيلتي
*ربة بيت: طفلي يمر بحالة نفسية شديدة بعد أن شاهد مقتل أسرة خاله في قصف طيران
*طبيب نفسي: الاكتئاب والاضطرابات السلوكية والهلع والوسواس القهري والتبول اللاإرادي من أهم الآثار النفسية للحرب
تحقيق/ أسماء حيدر البزاز

العدوان ليس مجرد معارك وقصف جوي ينتهي بالموت أو الإصابة.. بل هو أعمق من كل ذلك على الصعيد النفسي.. وضحايا الحرب في اليمن قصص نفسية وإنسانية بالغة الأسى والصعوبة، فاقم من مأساتها تغول العدوان الغاشم الذي خلف ضحايا بالجملة خاصة بين صفوف الأطفال والنساء..وأمراض نفسية تحتاج لزمن طويل للعلاج..حسب ما أشارت إليه المصادر في هذا التحقيق.
النازح ناجي رازح قدم من محافظة صعدة برفقة عائلته المكونة من سبعة أفراد (أم وثلاثة بنات وثلاثة أولاد) إزاء الغارات المتكررة لطائرات العدوان السعودي على مديرية باقم بمحافظة صعدة .
يقول ناجي عن معاناته هو وعائلته: لقد تسببت غارات العدوان بحدوث العديد من الكوارث الإنسانية والنفسية والاقتصادية فابنتي الكبرى منذ بداية العدوان تعاني من اكتئاب حاد وقلق مزمن ويزداد ذلك كلما سمعت تحليق طائرة أو غارات هنا وهناك وطفلي الصغير محمد – 6 أعوام – يعاني من التبول اللاإرادي خاصة عندما يسمع انفجارات خاصة عندما يكون بمفرده. وأضاف: أوضاع نفسية صعبة يعاني منها أطفالنا ونساءنا نتيجة هذه الأحداث والأوضاع المضطربة.
وتابع عامر: نزحنا هنا إلى صنعاء ولكن الوضع ذاته لا فرق ولا جديد فاليمن كله يعاني وينزف ولكن أحدهم أشار عليَّ أن اعرض أبنائي على طبيب نفسي أو مركز للدعم النفسي وحتماً فعلت ولقينا تجاوبا كبيرا حيث عادت الثقة إلى ابنتي الكبرى وبدأت تخرج من عزلتها وطفلي الصغير سار يعبر عن قلقه بالرسم والكتابة وقلت حالات تبوله اللاإرادي والحمد لله.
الواقع الصعب
واقع التربوية فدوى التي جاءت من تعز إثر اشتداد المعارك والقصف الجوي هناك بحثاً عن ملجأ أمن.. لا يختلف عن الحال المأساوي للعديد من النازحين حيث تقول لنا عن واقعها : ما أن اسمع غارات أو انفجارات إلا وأشعر برعشة كبيرة في أطرافي وأحياناً أدخل طور الإغماء عند سماعي أي انفجار بعيد أو قريب لدرجة أحياناً اسمع صوت دراجة نارية أو سيارة أتخيله وكأنه صوت صاروخ وأظل أصرخ والكل لاحظ عليَّ ذلك، فنصحني العديد من أقاربي أن أعرض حالتي على طبيب أو أخصائي نفسي.
وتابعت : إلا أن النظرة الاجتماعية لمن يذهبون إلى دكاترة نفسانيين بأنهم مجانين وهي ما تمنعني من ذلك.
الجانب النفسي
من ناحيتها تشكو أم محمد عبدالرب من الحالة النفسية التي يعاني منها ولدها ذو السبعة أعوام حيث تقول: ابني الوحيد محمد لا أدري ما الذي جرى له – والله أن قلبي يتقطع عليه حرقة – فبعد أن كان هادئ الطباع صار عصبي ويتشنج بشكل مخيف ويميل يوماً بعد آخر إلى السلوك العدائي والألفاظ المخيفة وصار جُل حديثه عن القتل والدمار والتخريب وأموراً أكبر من سنه وبراءته.
وتوضح أم محمد أن هذه الحالة بدأت له بعد رؤية محمد تهدم منزل خاله ووفاته هو وأحد أبنائه في منطقة سعوان بصنعاء ومشاهدته لحال الجثث التي قتلت بشكل وحشي وجرح بقية أفراد أسرة خاله وهم ينقذونهم من تحت الأنقاض ، الأمر الذي خلف مشكلة نفسية عصيبة يعاني منها ولدي.
الأكثر تضررا
وعن الآثار النفسية للحرب يوضح عبده محسن الشليلي، أخصائي أمراض نفسية واجتماعية أن النساء والأطفال هم من أكثر الشرائح المتضررة جراء الحروب الداخلية أو العدوان الغاشم على بلادنا، حيث بلغت نسبة النساء 50% والأطفال 30% من المصابين بحالات متعددة من الاكتئاب والانفصام والقلق والاضطرابات النفسية والسلوكية والهلع والارتباك والوسواس القهري ومشاكل التبول اللاإرادي وخلل في البنية العضلية والانهيار العصبي واضطرابات في الأكل والنوم وغير ذلك.
وقال الشليلي أن علاج الكبار يختلف عن العلاج النفسي للأطفال حيث يأخذ الكبار نوعية من العلاج السلوكي والدوائي وأما الأطفال فيتم علاجهم بالأسلوب التدعيمي والتوعوي واتباع برنامج شغل الأطفال بالتفريغ النفسي كالرسم عن آثار الحروب والدمار ومحاكاة ذلك باللعب لترجمة مشاعرهم، وحققت هذه الوسائل نجاحات مبهرة ونسبة شفاء عالية .
داعياً وسائل الإعلام إلى تجنيب المشاهد مشاهد الدمار والتخريب وأسلوب القلق والتخويف والتكثيف من برامج ودورات الدعم النفسي للإسعافات النفسية الأولية عن طريق المنظمات والمراكز المهتمة بهذا الجانب.
التعامل الأمثل
وعن التعامل الأمثل مع المتضررين نفسيا من العدوان تقول أمنة العزي اخصائية علم اجتماع ان تعامل الأسرة والمجتمع مع أطفال ضحايا الحروب حسب العديد من الدراسات والبحوث في هذا الجانب أن العلاج يتم عن طريق دور الأهل والأسرة في المساندة النفسية للطفل، لأن دور المنشطين والمتطوعين والمتخصصين لن يكون جدياً بدون مساعدة ذوي الأطفال وتوعيتهم بمخاطر الصدمات على شخصيات أبنائهم، ومدهم بآليات التعامل السليمة مع الأطفال في ظل الأزمات.
وترى أن على المتطوعين في فرق الكوارث وإدارة الأزمات توعية الأهل بدورهم خلال الأزمات مع الأطفال، وإمداد الأهل بمجموعة اعتبارات وإرشادات تساعد المتطوعين في عملهم مع الأطفال للمساندة النفسية من صدمات الكوارث، حيث أن هناك مجموعة من الاعتبارات والسلوكيات يجب على الأهل أخذها بعين الاعتبار عند التعامل مع الطفل وذلك لتكون مساندة نفسية ناجحة .

قد يعجبك ايضا