الاعتذار للحمار واجب

محمد خالد عنتر
لطالما تعرض الحمار للانتقاص والازدراء رغم شدة اخلاصه للبشر وعادةً ما نتراشق في ما بيننا بعبارة “يا حمار” كنوع من الشتائم التي تدل على الغباء وعدم الفهم ..
ولكننا لم نفكر يوماً في الجانب الحقيقي والواقعي من كلمة “حمار” .. فالحمار من أكثر الحيوانات صبراً وتحملاً للأثقال .. وفوق هذا يتعرض للضرب والإهانة على أيدي البشر أنفسهم..
وكم أخطأنا في حق الحمار كما أخطأنا كذلك في حق الكلب أوفي المخلوقات للبشر وأكثرها إخلاصاً ونعتنا كل خائنٍ وجبانٍ بالكلب رغم أن الكلب من أنبل وأرقى المخلوقات ..
ولكي أعود إلى موضوع الحمار .. ما رأيكم أن نتخيل وجود مجتمعات شبيهة بالمجتمعات الإنسانية داخل المنظومة الحيوانية؟؟
ومن أجل الغوص أكثر في هذا الخيال دعونا نبدأ من الرأسمالية .. فلو وجد مجتمعٌ رأسمالي حيواني اذاً فإن الحمار فيه سيكون حيواناً بسيطاً من الطبقة العاملة التي تضطر للكد من أجل الحصول على مصدر للأكل والشرب ومكان للنوم والراحة ،لأنه يعتبر من الفصيلة التي تحتاج لأن تكدح كي لا تموت على خلاف الأسد الذي لا يحتاج إلا لأنيابه للحصول على وجبته الدسمة بقليلٍ من الجري وكثيرٍ من الراحة ، وقد يكون الحمار إحدى تلك الوجبات إن لم يكافح من أجل البقاء.
أما لو وجد مجتمعٌ حيواني أشبه بعالمنا العربي فإن الحمار فيه يعتبر حيواناً غبياً، “مسخره” لا يفهم في أمور الحياة ، وقد يصبح الأسد المتحكم الرئيسي في أفكاره وتصرفاته ، وسيتم استغلال الحمار تماماً من قبل حيوانات المخلب والناب ..
قد لن يكون الحمار مميزاً في الغابات العربية إلا أنه لا يزال عضواً نافعاً ما لم يقترب من عرين الأسد أو يتحدث عنه فقد يتعرض للانقضاض والالتهام من قبل الأسد وربما أعوانه من ذئاب ونمور وضباع وفهود.
ولنفترض أن هناك حركات وجماعات دينية داخل المجتمع الحيواني .. أين سيكون موقع الحمار فيها؟؟
سيتم اعتبار يعتبر الحمار حيواناً جاهلاً “يحمل أسفاراً ولا يفقه ما فيها” وقد يتعرض الحمار للاقتناص والذبح “باتجاه القبلة” أو للنفي من الغابة واتهامه بالزندقة إن فكر يوماً بإنزال الأسفار التي أثقلت كاهله ومراجعة وانتقاد ما فيها.
ولنغص قليلاً في الخيال لننسج مشاهداً للحمار في المجتمعات العنصرية المتمايزة عرقياً فهناك سيتم اعتبار الحمار حيواناً حقيراً ناقصاً من الطبقة السفلى التي لا أصل لها ولا فصل ولا تستطيع مواجهة الحيوانات من ذوات العائلات العريقة كالخيول رغم أنه من فصيلتها وكذلك الجمال والأسود والنمور والذئاب ، لذلك يظل الحمار أقل رتبةً من تلك الحيوانات..
وبالنسبة للمجتمعات الرجعية سيبقى الحمار حماراً لا يمكن له أن يرقى إلى مرتبة الخيول حتى في المعاملة ولن يتم اعتباره ذو فائدة للبشر رغم أن الحاجة إليه اليوم أصبحت أكثر من الحاجة للحصان..
أما الإحداثية فإنها سترى في الحمار حيواناً رجعياً وأن البدائل اليوم أصبحت أكثر أهميةً منه وأن الشاحنات قد استبدلت مكانه وان صورة “سيلفي” سريعة مع حصانٍ ناعم الشعر في الوديان ستكون أجمل بكثير من الصورة مع حمارٍ قصير القامة خشن الملمس..
كانت هذه جولةٌ تخيليةٌ صغيرة لحياة الحمار في المجتمعات المختلفة .. ويبدو أنها لم تحدث فرقاً كبيراً في حياته ..
فالحمار رغم أهميته وكفاحه وكدحه وجده في عمله إلا أنه يبقى في نظر الجميع رمزاً للغباء والدونية ..
وهنا أحب أن أقدم اعتذاري للحمار شخصياً وأقاربه المحترمين البغال والنغال عن تشبيه مؤيدي العدوان السعودي والمقاومة المنافقة وناشطي العاصفة بهم ..
متمنياً لنا كبشر احترام هذا الكائن النبيل .. الهادي .. الذي أفاد البشر كثيراً ..
أمسحها فيني يا شيخ ..

قد يعجبك ايضا