الجمع الكبير بصنعاء أشهر مساجد اليمن وأكثرها ثراء بالأملاك الموقوفةصصص


علي بن محمد الفران –

,أحكمت الدولة الحديثة وضع يدها على النظام الوقفي بحجة إصلاحه لكنها أساءت إليه بشكل لا يخفى على احد

علي بن محمد الفران

ظاهرة اضمحلال الوقف في اليمن لا تحتاج إلى دليل أو برهان والمؤشرات عليها كثيرة منها حجم الأموال الموقوفة ونسبتها إلى الثروة القومية ومعدل النمو السنوي ( ان كان هنالك نمو ايجابي لها) ومقارنته بمعدل نمو الدخل القومي ومقدار ما تدره من عوائد ودخول ونسبة ذلك إلى الدخل القومي ومدى الإسهام الحقيقي في البنية الأساسية للمجتمع وغير ذلك من المؤشرات وبالطبع فان دراسة تطبيقية تحليلية لهذا الجانب تحتاج أعمالا بحثية مستقلة ويكفينا هنا التذكير والتاكيد على ماهو باد للأنظار من تدهور للوقف خاصة عند المقارنة بين ما يمارسه الوقف حالياٍ من ادوار وما كان يمارسه سلفاٍ وشتان بين هذا وذاك.

فقد أحكمت الدولة الحديثة وضع يدها على النظام الوقفي بحجة إصلاحه إلا أن النتيجة العملية أنها أساءت إلى الوقف بشكل ظاهر لا يخفى على احد وكان من سمات هذا الإصلاح:
1- سوء الجهاز الإداري في إدارات الأوقاف الذي أصبح السمة العامة والمشهورة لهذه المؤسسة وبات يضرب به المثل في التخلف.
2- إن سياسات الحكومات المتعاقبة التي وصفت بأنها تحديثية أو تنموية قد القت بظلال سلبية على قطاع الأوقاف حيث تركت هذا القطاع للإهمال وخضع للتهميش ووضعته في حالة منافسة غير متكافاة مع مؤسسات الرعاية الاجتماعية والخدمية المستحدثة سواء كانت حكومية أو غير حكومية هذا فضلاٍ عن أن السياسات الحكومية تجاه الأوقاف قد أفضت إلى نقلها من الحيز الاجتماعي المدني إلى الحيز السياسي الحكومي وأصبحت وزارة الأوقاف عنوانا ٍكبيراٍ للبيروقراطية الحكومية في هذا المجال.
3- تسلط النظار على الوقف وهم في الأغلب لا يقومون بما عهد إليهم ولا يعطون المستحقين حقوقهم.
4- منع وصول أموال الأوقاف إلى المبرات المحددة لها سواء كانت مساجد أو غيرها وانقطاع هذه الموارد والإخلال بمقاصد الواقفين وعدم الحفاظ على شروطهم فقد جرى ضم الكثير من الأعيان الموقوفة إلى بعضها ووضع للواردات الوقفية ميزانية عامة تقررها سياسات الحكومة بصرف النظر عن اشتراط الواقفين
5- تعرض الكثير من أعيان وممتلكات الأوقاف للاستيلاء والاغتصاب والتصرفات بدون وجه حق من قبل المواطنين وأجهزة الدولة.
6- اندثار الخدمات الاقتصادية والاجتماعية للوقفº حيث لم يعد للوقف دور ملحوظ في تنمية المجتمع ورفده بالطاقات المالية والخدماتية المتنوعة وحصر المفهوم التنموي للوقف في مجرد دور وعمارات ومتاجر متهالكة وأراضي مستأجرة بأبخس الاثمان.ومما لاشك فيه أن تجريد الوقف من دوره في المجتمع ألقى على عاتق الدولة تبعات ناءت بها وقادتها إلى فشل كثير من تجاربها ومشروعاتها التنموية وسقطت في براثن القروض الأجنبية والدين العام وهما همْ وذل بالليل والنهار.
7- حصر مفهوم الوقف بالمسألة الدينية التعبدية المحضة فلم يعد يعرف من خدمات الوقف ألا الإشراف على المساجد والمقابر والعاملين بها وبعض القضايا الدينية كالحج وغيره.
8- إن الواقع المشوه لنظام الوقف ولأزمان طويلة أدى إلى إنشاء صورة نمطية له في الأذهان وانتشار مفاهيم عنه تخالف تماماٍ أهميته ودوره كما أن غياب مفهوم الوقف لفترة طويلة عن ميدان البحوث الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أدى إلى ضمور المعرفة به لدى قطاع واسع من النخب ألاكاديمية والسياسية والثقافية في اليمن وأضحت روابطه النظرية بعد التطبيقية بالمجتمع الأهلي وبمؤسساته المدنية مطموسة أو غير مرئيةº إلى حد أن كثيرين يبدون دهشتهم عندما نطرح علاقة الوقف بالمجتمع المدني كموضوع يستحق الاهتمام العلمي والعملي معاٍ.
9- هذه الصورة من الواقع الوقفي أدت إلى تقاعس الأفراد وإحجامهم عن المبادرة إلى الوقف لغياب مفهومه عن الأذهان إضافة إلى عدم القناعة بجدواه في الممارسة الحديثة وهذا ما يمكن ملاحظته في التناقص الشديد في عدد الوقفيات في الوقت الراهن.
لذلك كله يمكن القول أن نظام الوقف قد تلقى في العصر الحديث ضربة قاسية أنهكت بنيانه وضيعت مفاهيمه وغيبت أهدافه والغت نماذجه الراقية وحولته إلى مجرد ثروة من الممتلكات المتفرقة اغلبها معطل لا يستثمر وان استثمر فبأساليب غير مجدية بحيث لم تعد إيراداتها تفي حتى للمجال الديني الضيق الذي انحصر به الوقف.
ويمكن إيجاز الصورة الذهنية المنتشرة حالياٍ عن الأوقاف في النقاط التالية:
1- الوقف مؤسسة دينية وليست مدنية.
2- إن أغراض ومجالات إنفاق عائد الأوقاف انحصر على الأغراض الدينية كالمساجد والمقابر وغيرها.
3- إن الوقف صيغة تاريخية لا صلة له بالواقع المعاصر.
4- إن الأوقاف تتبع إدارة حكومية بيروقراطية.
5- إن الوقف مضرب مثل للإهمال.
ولهذه الصورة الذهنية السلبية إجمالا ٍما يبررها على ارض الواقع الحالي.
هذه الصورة الذهنية السلبية موجودة حقيقة ولكنها ليست مقبولة إذا اْريد للقطاع الأهلي وللمجتمع أن يستفيد من امكانات ومساهمات الأوقاف التاريخية والمستقبلية في دعم التنمية وهي امكانات كبيرة ومتنوعة.

قد يعجبك ايضا