غياب الأرقام والبيانات الرسمية يجعل المشهد الاقتصادي لليمن أكثر ضبابية

كتب /أحمد حسن

لا يعرف اليمنيون أيا كان موقعهم سواء كانوا مسؤولين في الدولة أو في القطاع الخاص أو باحثين اقتصاديين أو منتجين أو حتى أناس عاديون أي رقم تحدث عن حجم اقتصادهم؟ أو نسبة نموه أو انكماشه في هذه الظروف القاهرة التي يعيشونها نتيجة للحرب والعدوان الخارجي؟ وهو أمر يدعو للحيرة والشك حيال السكوت عن هذا الأمر من جهة ويطرح تساؤلا مهما عن المستقبل من جهة أخرى.
حين كانت سيولة الريال اليمني تشح من السوق خلال الأشهر الأربعة الماضية ،كانت أجهزة البنك المركزي الإحصائية مقفلة ولم تصدر بيانا عن حجم النقص في السيولة ولم تكلف نفسها إبلاغ المجتمع رسميا عن مايدور في القطاع المصرفي وأقل القليل كان يمكن أن تصدر نشرتها الشهرية المتعلقة بالتطورات النقدية والمصرفية والتي توقفت منذ أواخر 2014م.
البنك المركزي ليس وحده المسؤول عن اختفاء الأرقام في هذا البلد لكن جهات أخرى في الدولة سواء كانت متعلقة بالأموال أو الإحصاءات أو البيانات فضلت هي الأخرى أو عجزت عن إصدار أي بيانات رقمية توضح ما يجري سواء بالإيجاب أو السلب ،إذ لاعيب في وجود الرقم إن كان سالبا ،طالما وهناك السبب المقنع الذي يفسر ما يجري وهنا كان يفترض بالجهات المسؤوله الإبقاء على هذا المسار في حدوده الدنيا.
أين يتجه الاقتصاد اليمني؟
نعرف أن الحرب والعدوان الخارجي على اليمن وهو يدخل شهره التاسع عشر قد أسهم إسهاما مباشرا في تدمير الاقتصاد اليمني ونعرف حجم المعاناة التي يمر بها المجتمع اليمني جراء الحصار والعدوان ،لكن الباحثين والخبراء حين يكتبون عن هذه الجوانب يفتقرون للأرقام الرسمية والإحصاءات الحقيقية ولهذا تأتي الدراسات والبحوث غير مدعمة بالأرقام المهنية مما يجعلها غير ذات مصداقية والسبب هو في اختفاء الأرقام الرسمية والبيانات المالية والمحاسبية الحقيقية.
البيانات
لم تعرف اليمن وقتا تكون فيه مفتقرة للبيانات المالية مثل هذا الوقت ،ففي الوقت الذي كثر فيه الحديث عن الفجوات المالية ونقص الإيرادات والحقوق الخاصة بالدولة والسيولة في الحسابات والصناديق العامة نجد في الوقت نفسه الكثير من الإشاعات والشبهات من الطرف الآخر تتحدث عن الاختلاسات والنهب والسلب للأموال العامة وتظهر الأرقام المبالغ فيها هنا وهناك وكلها بيانات وأرقام تستخدم للتظليل وفي إطار الخصومات السياسية والمكايدات لا أقل ولا أكثر.
هنا في صنعاء لم تعد لغة الأرقام إحدى اللغات العقلانية التي تستخدم بل باتت الأرقام الرسمية عن النفقات والإيرادات والتعاملات المصرفية والمالية في غاية التعتيم ومنذ أكثر من 20 شهرا لم تقم أي جهة مسؤولة بإصدار أي أرقام وهي حالة تثير الاستغراب لدى الخبراء والمحللين الاقتصاديين بل وتجعل من المستحيل إمكانية قيام أو إنتاج أي خطط طارئة أو مستعجلة لمواجهة هذه الظروف التي تمر بها البلاد ،وهذا الغياب للأرقام يجعل الطرف الآخر في الصراع السياسي يتحدث عن مبالغات تخص النظام الاقتصادي ويتاجر بمعاناة الواقع الاقتصادي للشعب دون أن تكون لديه هو الآخر أرقام رسمية تحمل دلالات ومصداقية تعترف بها الجهات الدولية.
أيها المسؤولون…. قبل أن تتحدثوا عن معاناة الناس وعن الاقتصاد ومستوى تأثره بالعدوان انصحكم بأن تفتشوا عن لغة الأرقام ففي الرقم تكن الحقيقة وبالرقم نعرف الصادق من الكاذب ،بل نعرف المفسد من المصلح.
إن المستقبل المجهول الذي نمضي إليه يكمن في شقه الرئيسي بغياب الرقم عن واقعنا فلو امتلكنا هذا الرقم لقطعنا شوطا في التخطيط لمستقبلنا في ظل الحرب والحصار والعدوان ولن نجد أنفسنا بين ليلة وضحاها بدون سيولة مالية في البنوك أو نعجز عن صرف رواتب موظفينا؟ ورغم هذه الحقيقة المرة فهناك من يسبح عكس التيار ويصمم على المضي قدما بقدرات تفتقر للبصر والنور… فهل من مدكر؟.

قد يعجبك ايضا