الريال الورقي ينهي عصر العملات المعدنية ويظهر للنور بفضل الوزير “عبد الغني علي” أوائل 1964م

> كيف نجحت الحكومة في إنشاء نواة البنك المركزي بعد 13 يوما من قيام ثورة 26 سبتمبر ؟

إعداد/ أحمد الطيار

يعتبر الاستاذ عبد الغني علي وزير الخزانة في حكومة الجمهورية بعد ثورة 26 سبتمبر في شمال اليمن أول من وضع اللمسات لإصدار الورقة النقدية الأولى للعملة اليمنية فئة الريال الجمهوري، فكان يوم 8 فبراير 1964م ميلاد ورقة الريال اليمني بدون منازع لينهي حقبة من السيطرة المالية للنقود المعدنية الفضية والنحاسية ثقيلة الوزن على التجارة في اليمن، فلم تكن هناك حتى ذلك الوقت عملة يمنية في تلك الفترة، فكان اليمنيون يستخدمون عملة أجنبية وسيطة هي “ماريا تريزا” أو ما يسمى بالريال الفضي أو الفرنسي والشلن شرق أفريقي البريطاني.
أخذ صك العملة في اليمن بعد قيام الثورة اليمنية (26 سبتمبر و14 اكتوبر) طرقا علمية حديثة انطلاقا من الطموح نحو إحداث تغيير جذري مع مخلفات العهد الماضي لذلك كان التركيز من الجهات المسؤولة عن العملة ضمن الحكومة على إحداث وإنتاج عملة وطنية تربط المجتمع بالعهد الوطني الجديد ولهذا اخذت منحنيين عمليين الأول اصدار عملات معدنية بمختلف انواعها وذات قيمة متنوعة والثاني اصدار عملات ورقية بفئات حديثة وكان هذا ما أشارت إليه الوثائق الرسمية في كل من شمال اليمن وجنوبه على حد سواء.
ففي الشطر الشمالي من اليمن كانت وزارة الخزانة بعد ثورة 26 سبتمبر قد اتخذت مقرا لها في ميدان التحرير الحالي بصنعاء وبالتحديد القصر المسمى حاليا متحف الموروث الشعبي وهذا القصر كان يتبع الإمام ومقرا للخزينة العامة التابعة لها، حيث كانت تورد اليه الأموال من جميع النواحي ويحتفظ بها في خزائن مقفلة تحت اشرافه وهنا كان الموظفون يأتمرون بأمره ولايصرفون أي مبلغ إلا بتوجيهه ،ونظرا لأن الموظفين كانوا يمتلكون الخبرة والمهارة المالية فقد بقوا في اعمالهم بعد الثورة وتحت إشراف الوزير المسؤول عن الخزانة وكان آنذاك الدكتور عبد الغني علي الخبير الاقتصادي والحائز على درجة الدكتوراه في الاقتصاد يشرف في العام 1963م على الإعداد لصك العملة الوطنية اليمنية بعد الثورة وفعلا نجح في ذلك بفضل تعاون كوادر وزارته .
ويعتبر عبد الغني علي أهم شخصية اقتصادية عرفتها اليمن بعد الثورة فهو من الاقتصاديين اليمنيين الكبار في مجاله،تولى السياسة المالية والنقدية للبلاد بعد عام 62م فأنجز الكثير من شؤون لجنة النقد اليمنية مروراً بتشريعات أسست لاقتصاد يجمع بين العام والمختلط مروراً بالبنك اليمني للإنشاء والتعمير حتى شركة المحروقات والقطن وبينهما مؤسسات أظهرت الوجه الاقتصادي لليمن فبفضله تم وضع أول ميزانية رسمية معتمدة.
وتشير وثيقة رسمية إلى أن الرئيس عبد الله السلال وجه يوم الاربعاء 21نوفمبر 1962م مراقب الضريبة بضرب عملة فئة نصف بقشة على النمنونة رقم 1 على ان يكون بالعملة الجديدة صورة العلم الجمهوري وكتب على وجهها الجمهورية العربية اليمنية ملفوفة على العلم ومن الخلف لا إله إلا الله وتحديد زمن ضربها(صكها).
ومع ان الرئيس السلال كان يعتقد أن البقشة الجمهورية كان بالإمكان صكها بنفس قيمة البقشة الاحمدية التي كانت في أيام الإمام أحمد فقد، قدمت لجنة من قسم صك النقود برئاسة عبد العزيز الحملي يوم السبت 15ديسمبر 1962م نتائج دراسة الموضوع مع مقترحات لوزير الخزانة آنذاك السيد عبد الغني علي يتضمن رؤية ان تضرب العملة الجديدة بفئات ثمن عشر وربع عشر وتكون من النحاس أو غيره فيما تكون فئات نصف عشر وعشر وعشران من الفضة ويراعي في هذا التقسيم بالنسبة للفضة الوزن والثمن اعتماداً على وحدة الريال الفرانصي كي تكون سهلة التداول بين الناس وسرعة فهمها، فكان جواب الوزير بعد ذلك بيوم واحد بالموافقة على المقترح واحال التنفيذ على قسم صك النقود على ان تكون الرقابة والإشراف المباشر لوزارة الخزانة والتي تعتبر المرجع المختص فيما يتعلق بهذا الموضوع.
صك النقود
صكت مباشرة بعد قيام الثورة سنة 1962م الموافق 1382هـ عملات جمهورية بنمط الصك الذي كان في عهد الإمام احمد مع تغيير في العبارات وادخال عبارة الجمهورية العربية اليمنية وكانت باكورة عملية الصك عشر فضة بوزن 2.8جم وقطرها 19.5مم ،ونصف عشر فضة بوزن 1.2جم وقطر 16 مم. كما تم صك ربع عشر نحاس احمر بوزن 5.8جم وقطر 27.5مم وهذه العملة رسم في مركزها يد تقبض شعلة وهي تدل على رمز الثورة كأول شعار للجمهورية العربية اليمنية على العملة ،وصك أيضا بنفس التاريخ فئة ثمن عشر نحاس احمر بوزن 3 جم وقطر 22.5مم وبنفس صورة رمز الشعلة .
الريال الفضي
تمكنت وزارة الخزانة أواخر العام 1963م من صك الريال الفضي الجمهوري ليكون أول عملة وطنية معدنية تم اصدارها بعد ثورة 26 سبتمبر وتم صكها في مصر، وقد حرصت حكومة الثورة على أن يكون الريال الفضي الجمهوري بمواصفات مشابهة لمواصفات الريال الفضي ماريا تريزا من حيث المعدن الداخل في الصك والعيار والحجم وغير ذلك بهدف ان تحظى العملة الجديدة بالقبول العام من الجمهور وقد حمل الريال مواصفات جديدة إذ كان وزنه 20.1جم وقطره 40مم ورسم على وجهه الأعلى اسم الجمهورية العربية اليمنية وفي الوسط قيمة الفئة وفي الأسفل زخرفة اسلامية فيما رسم من الخلف في الوسط فرع شجرة البن اليمني الشهير محاطا من الخارج بشكل شبه دائري لزخرفة إسلامية، أما في الاسفل سنة الصك بالتاريخ الميلادي والهجري 1963م/1383هـ ،ويقول مؤرخو تلك الحقبة: إن إصدار الريال الفضي الجمهوري لم يكن بكميات كبيرة نظرا للأوضاع الاقتصادية والمالية لحكومة الثورة والعجز الشديد في ايراداتها وامكانياتها وحالة الاضطراب والحرب التي كانت تعيشها اليمن ،مشيرين إلى أن الاصدار الفضي للريال الجمهوري لم يتجاوز مليون ريال وهي كمية اسهمت في تشغيل نفقات الحكومة والجيش لمدة ثلاثة أشهر فقط.
البقش
اصدرت وزارة الخزانة أواخر العام 1963م مجموعة من المصكوكات المعدنية سميت بالبقشة وهي جزء من الريال الفضي والذي كان يساوي 40 بقشة ،ومن تلك المسكوكات عشرون بقشة فضية وزنها 10 جم وقطرها 30 مم وعشر بقش فضية بوزن 5جم وقطر 24 مم ،وخمس بقش فضية بوزن 2.5 جم وقطر 19 مم ورسم عليهن نفس رسوم الريال الفضي الجمهوري.
كما رافق اصدار البقش الفضية اصدار بقش أخرى أقل قيمة من النحاس تمثلت في بقشتين من النحاس الاصفر وبقشة واحدة ،ونصف بقشة وقد رسم عليهن نفس رسم البقشات الفضية وبنفس التاريخ 1963م/1382هـ
لجنة النقد
خلال عام 1962-1963م أنشئ أول مصرف وطني في اليمن وأول مؤسسة نقد وطنية كنواة للبنك المركزي وهو البنك اليمني للإنشاء والتعمير وذلك بعد 13 يوماً من اندلاع الثورة وقيام الجمهورية وقد تحمل هذا البنك وحده مسؤولية البنك المركزي والبنك التجاري والبنك المتخصص في البلاد وفي اليوم التالي صدر قرار جمهوري بالترخيص بإنشاء البنك اليمني للإنشاء والتعمير تحت توقيع رئيس الجمهورية والقائد العام آنذاك المشير عبد الله السلال، وخلال هذه الفترة كان البنك اليمني ووزارة المالية- وعنها لجنة النقد اليمنية منذ منتصف عام 1964م هما الجهتان المسؤولتان عن رسم وتنفيذ السياسة النقدية في الشطر الشمالي سابقاً وكانت السياسة النقدية في ذلك الوقت تتخذ عبر قرارات فورية ولم تكن هناك لجنة للرقابة والإشراف على المصارف لأنه لم يكن هناك سوى مصرف واحد وهو البنك اليمني للإنشاء والتعمير بالإضافة الى بنك في تعز ولكنه تخصص فقط في تمويل القوات العربية (المصرية) وفي عام 1967م انشئت هيئة الرقابة على النقد نتيجة للتدهور المتسارع لسعر الريال من فبراير 1964م الى 1967م واستمر هذا التدهور حتى وصل في يوليو 1970م إلى 1.33 شلن أي مايساوي 0.12% من الدولار..
الفئات النقدية
اصدرت لجنة النقد اليمنية بموجب القانون المخول لها منذ العام 1963م عدة اصدارات نقدية من العملة تمثلت في الريال الجمهوري وفئة خمسة ريالات وعشرة ريالات وعشرون ريالا وحسب تواريخ محددة حتى نهاية العام 1969م.
الريال
عرفت اليمن الريال الجمهوري الورقي في الثامن من فبراير 1964م لونه اخضر فاتح بمقاس 126في 65مم ورسم على وجهه شعار الدولة الاول الذي اتخذته الحكومة اليمنية بعد قيام الثورة في 1962م والذي جرى تكييفه وتعديله من نسر صلاح الدين المستخدم في عدة بلدان عربية ومنها مصر ،وقد كتب عليه ريال واحد بناء على قانون العملة اليمنية عن لجنة النقد اليمنية ورسم عليه من الخلف بيوت في صنعاء بنيت من الياجور وهي عبارة عن منازل للعمارة التقليدية في صنعاء ،وارقامه التسلسلية من أ/21-أ/30 ووقع عليه عبدالغني علي وزير الخزانة وهو رجل الاقتصاد الاول في اليمن تولى الوزارة نظرا لخبرته ومهارته وعلمه فقد كان يحمل شهادة جامعية في تخصص الاقتصاد وبدأ عمله برؤية اقتصادية حديثة، ويقول عنه الاستاذ احمد الرحومي الذي عين وكيلا للوزارة في حينها ثم وزيرا فيما بعد: إن السيد عبدالغني علي تحمل مسؤولية كبيرة في تلك الفترة نظرا للوضع المضطرب في البلاد فالحرب بين الجمهوريين والملكيين كانت على اشدها والجمهورية بحكومتها لم يكن لديها الامكانيات والموارد المالية التي تجعلها تصمد في مواجهة النفقات وتسيير أمور البلاد ولولا الدعم من الأشقاء المصريين لكان الأمر أكثر سوءً ،ويفيد ان ميزانية الحكومة آنذاك لم تكن كبيرة وبلغت حوالي 40 مليون ريال فضي، لكن نظرا للظروف الاقتصادية وحالة الحرب لم تستطع الحكومة توفير تلك الميزانية بالشكل المطلوب فكانت مسؤولية الوزير عبدالغني جسيمة في البحث والعمل بكل الطرق للوفاء بالمطلوب.
فئة الخمسة
صدر الاصدار الأول من فئة خمسة ريالات يوم العاشر من مارس 1964م بلون احمر فاتح ومقاس 135مم في 70مم ورسم على وجهها نفس الرسومات على فئة الريال وتمت تحت توقيع السيد عبدالغني علي وزير الخزانة أما رسومات الخلف فحملت صورة تمثال برونزي لكيوبيد (طفل جميل مجنح على ظهر اسد)يحمل سهما في يده اليمنى وسلسلة مكسورة تمتد الى ياقة الاسد وهذا التمثال وجد عام 1950م في بيت يفيش في المدينة القتبانية القديمة تمنع من قبل بعثة وندل فليبس، كما كتب اسم الفئة والدولة باللغة الانجليزية .
فئة العشرة
صدرت في 10 مارس 1964م كأعلى قيمة من الفئات النقدية حينها واتخذت لونا سماويا فاتحا على وجهها النسر اليمني كعلامة للجمهورية وموقع عليها من قبل الوزير عبدالغني علي وزير الخزانة ومن خلف ظهر فيها سد الهاملي للدلالة على شهرة اليمن بالسدود، وارقامها التسلسلية كانت من أ/1 الى أ/3 .
الدينار
بعد تلك الخطوة النقدية الهائلة في شمال الوطن كان السيد عبدالباري علي بازرعة رجل الاقتصاد اليمني الشهير رئيسا لمؤسسة النقد للجنوب العربي ويساعده السيد جون اوين امين عام المؤسسة قد نجحا في الأول من ابريل عام 1965م من اصدار أول عملة ورقية وطنية يمنية للشطر الجنوبي من الوطن من فئة الدينار ونصف الدينار(500 فلس) وربعه(250 فلسا) وايضا من فئة خمسة دنانير وضخها للسوق التجاري لتحل محل العملة القديمة التي كانت في التداول وهي شلن شرق افريقيا التابع للاحتلال البريطاني.
تشير الوثائق الرسمية إلى انه بعد قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م وبالتحديد في 13 اكتوبر 1964م قررت سلطات اتحاد الجنوب العربي بمدينة عدن إقامة مؤسسة النقد للجنوب العربي بموجب القانون رقم 10 لسنة 1964م وبموجبه انيط بالمؤسسة المذكورة حق اصدار وحدة النقد الجديد ، وفي الأول من أبريل 1965م ، وضع الدينار اليمني في التداول كأول عملة وطنية خاصة بالشطر الجنوبي من اليمن لتحل محل العملة القديمة وهي شلن شرق أفريقيا، وانتهى التعامل بالشلن في 31 ديسمبر 1967م وظهرت من الدينار عملات معدنية مختلفة، منها فئتا الفلس الواحد و5 أفلاس من النحاس الاحمر والالمنيوم وكذلك فئة الـ 25 و50 فلسا من معدن الكوبرونيكل.

قد يعجبك ايضا