التخريب في عصر التهذيب

 - الحوار الوطني يعد نقلة نوعية في التاريخ اليمني تنسجم هذه المرحلة في إطار (التهذيب )  التهذيب للسلوك المخرب والمدمر لكل المقومات الحياتية والمجتمعية ولا يمكن أن تهذب نفس
محمد علي السهماني –
الحوار الوطني يعد نقلة نوعية في التاريخ اليمني تنسجم هذه المرحلة في إطار (التهذيب ) التهذيب للسلوك المخرب والمدمر لكل المقومات الحياتية والمجتمعية ولا يمكن أن تهذب نفس المخرب إلا باحتكامه للغة الحوار والإقناع بالكلمة المؤثرة والأسلوب الراقي في التخاطب بدلا من لغة القوة وفرض منطق نيل الحق بالقوة عوضا عن إمكانية أخذه بقوة الحق … هذا الحق الذي نطلبه جميعا من خلال مائدة الحوار … البعض منا يرى في الحوار مالا نراه بل ما تراه نصوص الشرع ومتطلبات الحياة الراقية واحتياجات المرحلة الراهنة وأولويات الحكم الرشيد والعيش الرغيد من مبدأ (تحاوروا وتناقشوا في كل ما يعكر صفو الحياة ويشوه معالم الأخلاق التي يتصف بها مجتمعكم ويحلي بها دينكم الذي يحمل لكم معاني التهذيب لا التخريب والدمار لمقومات البقاء لما تملكونه من مدخرات وخدمات ترقي بوضعكم وتتكفل بانتشال العقول المظلمة إلى مدارك الأنوار والأفكار المستنيرة في رحاب الحوار المشرق والوضاء في نفوس الأمة المتفائلة بنجاح رياح التغيير الإيجابي البناء) .
إن عمليات التخريب المتواصلة والمتكررة إلى حد الاستخفاف والاستهتار بل وحتى الاستحلال للعقيدة والدين بمعانيهما الموضحة للحلال والحرام اللذين بدورهما رسما للمسلم معالم اقتفاء الحلال وبالمقابل التحذير من الوقوع في الحرام … في حين وهذا على لسان الشريعة ( الحلال بين والحرام بين ) فماهي حجة المخرب والمعتدي في تفجير أنابيب النفط وخطوط الكهرباء عندما يتعلق فعله بمحاربة الشرع ومخالفته صراحة وبالتالي تجاوز فعل المخرب إلى انتهاك حقوق الغير بتدمير ممتلكاتهم والتعدي على وسائل خدماتهم …. ألا يدرك هؤلاء أن أفعالهم جمعت كل أصناف الشر في حق الخالق وفي حق المخلوق والخلوق المعتدي عليه يضم ملايين المتضررين في كل مدينة وقرية من أطراف اليمن من الذين يكتوون بويلات الحر الشديد المتضاعف بقطع الكهرباء إلى غير ذلك من المهالك التي تصيب المرضى وهو يئنون تحت وطأة الأجهزة الطبية المتوقفة جراء انقطاع التيار الكهربائي … ولست هنا بقصد حصر الأضرار الناتجة عن انقطاع الكهرباء لأيام أو لأسابيع في الحضر والمدن وإلا فإن أنين الأطفال وصرخات العجائز وخسارة المحلات التجارية وتفاقم خسارة المصانع وانقطاع مصالح الناس ناهيك عن خسائر القطاع العام والخاص بملايين الدولارات ….. وغيرها مما يدمي القلب وينكس الهامات بسبب ثلة منحرفة رأت أن تنأي بنفسها عن عمل الخير أو على الأقل إن لم تكن من أهله أن تصمت في أوكارها المظلمة …لكن هذه العناصر الهدامة رأت أن مكانها الطبيعي العيش في مستنقع الشيطان الذي لا يسمح بالعيش فيه إلا للبغاة ومن شابههم من مرتكبي المجازفات والجرائم المتصلة إجراميا في حق الدين والوطن والناس.
إن ما يحز في النفس ويعكر الفكر ونحن نعايش هذه المظاهر الهدامة أنها تحصل في وقت انتظرناه طويلا وكان حلما لنا طيلة فترات عصيبة عشناها وتجرعنا آلامها القاتلة … فكم هي المآسي التي مرت بهذا الشعب بدءاٍ من الفتنة ومرورا بالتخريب وقطع الطرقات وأزمات البترول والديزل وقطع الكهرباء لشهور عديدة … وعندما اتفقنا أخيرا على إنهاء ما كبدنا كثيرا من خلال ( الحوار) ظهر لنا أولئك المخربون ليشوهوا تفاؤلنا بحقنا في تحقيق ماحلمنا به مخرجا لمشاكلنا … رافضين بكل صلف واستهتار الجلوس على مائدة الحوار مفضلين نهم أنفسهم المريضة على مائدة الفتنة والدمار باعتبارها مائدة الشيطان وأعوانه … وأجزم هنا أن كل من يعمد للتخريب ويتعمد الاعتداءات على العام والخاص أنهم ليسوا أهلاٍ لحمل الأمانة وليسوا مؤهلين بتاتا لشرف رسالة التقريب والتأليف والمحبة والإصلاح بين الناس لأنهم نشئوا أصلا على عشق المخالفة … لذلك كان لهم عقوبة من المولى تعالى في الدنيا أن حرمهم هذا الشرف لسوء نواياهم وخائنة صدورهم قال تعالي: ( إن الله لا يحب المعتدين ) وقال: ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) .
إن العالم الذي نعيش فيه اليوم يكرس جهوده للحفاظ على الطاقة وتوعية الشعوب بترشيد الاستخدام وعدم الإسراف في استخدامها كون هذه الطاقة نعمة يجب الحفاظ عليها من قبل كافة أبناء المجتمع ونحن في اليمن أصبحنا لانسمع عن برامج ترشيد الطاقة لأن المعتدين لم يدعوا لنا ما يمكن ترشيده وهذا ما يعد من أعجب العجائب انفردنا به عن الآخرين لا على جهة التميز ولكن على وصف النشاز والمخالفة لأبسط قيم ديننا الذي أمرنا بالإصلاح لأنفسنا والمحافظة على مقدراتنا … لكني أؤكد من جديد أن الدولة تتحمل المسئولية قبل أن نحملها المجتمع والدولة هنا تضطلع بدورها وتبسط هيمنتها على الوضع من خلال تطبيق النظام وتفعيل الأحكام حتى يدرك كل من تسول له نفسه المساس بمقدرات الشعب ولابد أن تعلم الجهات المختصة أن الناس يقتنعون عندما يشاهدون بأم أعينهم أن هناك تحركات ميدانية وملموسة في وجه المخربين لكن الناس ونحن منهم لايمكن إقناعهم بما يسمعونه أو يقرأونه من أخبار منجزات الدولة في هذا الصدد …. وتبقي هناك وسيلة ضائعة يعاني منها مجتمعنا وهو يعاني من هدم ممتلكاته … هذه الوسيلة هي ( أننا أمة يغيب عنها الوعي ) والوعي المقصود هنا أن المخرب يهدف في أعماله الإجرامية إلى النيل من خصومه السياسيين أو غيرهم من خلال استهداف الممتلكات العامة وهذا ما يخلقه الجهل المطبق المتمثل في أن الحق العام لايملكه الرئيس وحده ولا حتى الحكومة بأسرها ولا حتى فصيل محدد وإنما تملكها الأمة كاملة … إلى غير ذلك من وجوه فقدان الوعي الذي نحتاج كافة القوى أن تقوم بواجباتها تجاه هذا الإجرام المتفشي الذي أود أن أذكركم أنه من المفترض أن لا مكان له في الوقت الراهن كون التخريب يحصل في عصر التهذيب.
والله الموفق
mohshman@gmail.com

قد يعجبك ايضا