الشيطان يعدكم الفقر

هايل سعيد الصرمي –

إغلاق الباب على العدو خير من مصارعته¡ وإن كنت قادرا◌ٍ عليه¡ فإن صارعته قد ت◌ْغل◌ِب¡ وقد ت◌ِغلöب¡ ولكن سد◌ْø الباب عليه يضمن لك الغ◌ِلبة¡ ولا بد.
و سد◌ْø الباب يكون من ناحيتين:الأولى: بالاستعاذة بالله منه.
سأل معلم أحد تلاميذه¡ قال له: إذا عرض لك الشيطان في الطريق¡ فما تصنع¿ قال: أقاومه¡ قال: فإذا عرض مرة أخرى¿ قال: أصارعه … قال له: إذن يطول صراعك. قال: فما أصنع¿! قال: لو أن هناك كلبا◌ٍ وقف لك بالطريق¡ لكان لك أن تذهب إلى صاحبهº لينحøيه عنك¡ خير لك من مصارعته. فلو استعذت بالله من الشيطان¡ لكفاك¡ قال تعالى: (و◌ِق◌ْلú ر◌ِبöø أ◌ِع◌ْوذ◌ْ بöك◌ِ مöنú ه◌ِم◌ِز◌ِاتö الش◌ِøي◌ِاطöينö ـ و◌ِأ◌ِع◌ْوذ◌ْ بöك◌ِ ر◌ِبöø أ◌ِنú ي◌ِحúض◌ْر◌ْونö) [المؤمنون: 97_98].
فالدعاء النافع: هو(و◌ِأ◌ِع◌ْوذ◌ْ بöك◌ِ ر◌ِبöø أ◌ِنú ي◌ِحúض◌ْر◌ْونö)[المؤمنون:98]¡ فإنك تطلب من مولاك بهذا الدعاء أن يباعد همزه¡ بل وحضوره عنك ابتداء.
الثانية: الإكثار من طلب العلم والمعرفة¡ والتفقه في الدينº ليتولد الفرقان. فلا ينفذ الشيطان إليك بهمزه ولا بنفثه¡ وإن نفث إليك¡ يمنعك العلم من أن تتبع خطواته.
وسد◌ْø الباب خير من مدافعة الوسواس¡ فالعلم سياج متين يحصöøن صاحبه¡ ويكون حارسا◌ٍ له من الشيطان¡ وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد) ([1]).
العلم حارس
ولذلك قيل: ادفع الخطرة¡ فإن لم تفعل صارت فكرة¡ فإن لم تفعل صارت عزما◌ٍ¡ ثم صارت فعلا◌ٍ.
وكتب (فرانك أوتلو) في التحدث مع الذات: (راقب أفكاركº لأنها ستصبح أفعالا◌ٍ, وراقب أفعالكº لأنها ستصبح عادات, وراقب عاداتكº لأنها ستصبح طباعا◌ٍ, وراقب طباعكº لأنها ستحدد مصيرك) ([2]).
فعدم وضوح الرؤية في أي شأن¡ يتيح المجال للشيطان¡ فيلقي الريبة والشك للإنسان¡ وتتخطفه الوساوس¡ فيقع , والجهل أخو الكفر, وكم أغرى الشيطان أناسا◌ٍ فوقعوا في المحظور بجهلهم…والعلم نور: يبصرك بالطريق الذي ينفعكº لتسلكه¡ والذي يضركº لتجتنبه. فإذا وسوس الشيطان لي◌ْعمöøي عليك الرؤية¡ أو لöيزيøن لك سوء العمل¡ أخبرك العلم بخطر ذلك¡ وبيøن لك الصواب¡ ولك أن تختار. فإن من الناس من يضله الله على علم _ نسأل الله السلامة والعافية _ وهذا أشد وأنكى¡ لكنه نادر◌َ وليس غالبا◌ٍ¡ أما الجهل فمورده الهلاك والعياذ بالله.
فكلما اتسع علمك¡ ضاق الخناق على الشيطان¡ فالعلم عاقبته النجاة…لولا أن يوسف عليه السلام رأى برهان ربهº نتيجة معرفته وعلمه به¡ لما نجا من كيد الشيطان¡ ولكن حرسه الله بالعلم.اللهم علمنا ما ينفعنا¡ وانفعنا بما علمتنا¡ وزدنا علما◌ٍ وفقها◌ٍ في الدين. فمن تفقه أصبح كل تصرفه من الدينº لأن قصده نابع من علمه. فإن الفقيه إن أخذ بالعزيمة أخذها بعلم¡ وإن أخذ بالرخصة أخذها بعلم. فسواء أكثر العمل أو قل◌ِøل◌ِø منه¡ فهو محتسب عند الإكثار والإقلال¡ يعلم ما يصنع¡ فأنى◌ِø للشيطان أن يكون له سبيل على الفقيه.
القلب اليقظ لا يحتال عليه شيطان¡ ولا يصطاده وسواسº لأنه يلوذ بربه من عدوه يستعيذ به. يقول ابن القيم: المؤمن يثأر من عدوه¡ ويسعى في إغاظته. وذكر بعض السلف أن المؤمن ينفي شيطانه كما ينفي أحدكم بعيره في سفره.
نفس التقي ترى بنور الله
فالعلم حارسك المتين فلا تعش
وتسير فوق الشوكö والأمواه
في عالم الوسواس والأشباه
للسلوك أثر يدل على قوة المسلم وضعفه
إن الفرد المخالف لأمر الله وأمر رسولهº إنما يخالف لضعف العلم به¡ حيث يتنازل عن جزء◌ُ من حريته وطاقته لغير الله¡ فلا ينسجم مع الكون المتناغم¡ ومع الوجود الموحدº لأنه أسير لشهوة أو شبهة¡ فالمعاصي ذل والطاعة حرية. فلو علم لقصد الله وتوجه له فمن كان حاله كذلك تحرر من كل قيود الأرض ولكان التوفيق حليفه.
هنيئا◌ٍ لك التوفيق◌ِ والعلم والنصر فمن بذل◌ِ المعروف◌ِ للناس يبتغي يعيش بفردوس السعادة راضيا◌ٍ وهيهات أن ينتابه الضيم والأذى وأيامه أنس◌ْ يذوب◌ْ العنا بها.
لأنك ترجو الله والخير◌ِ والأجرا
رضا الله◌ِ والإحسان◌ِ والفوز◌ِ بالأخرى
ولو بذل الأنفاس والمال والعمرا
فإحسانه حصن يصد◌ْø به القهرا
ومعروفه◌ْ دهر◌َ يقود◌ْ به الد◌ِøهرا(2)
هوامش
([1])القزويني¡ محمد بن يزيد أبو عبدالله¡ سنن ابن ماجة¡ تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي¡ دار الفكر¡ بيروت¡ عدد الأجزاء (2)¡ موضوع: قال الشيخ الألباني¡ (222)¡ [1/81]. الطبراني¡ سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم¡ المعجم الكبير¡ الطبعة الثانية¡ تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي¡ مكتبة العلوم والحكم¡ الموصل ¡ 1404هـ _ 1983م¡ عدد الأجزاء (20)¡ (11099)¡ [11/78]
(2)من شعر الكاتب

قد يعجبك ايضا