الجاهزية العالية

علي أحمد جاحز
تعود الشعب اليمني حين يتحدث العدو عن تهدئة أنه سيصعد ، وحين يتحدث عن سلام بأنه سيرتكب مجازر وحين يتحدث عن الوضع الإنساني بأنه سيشدد الحصار ، وحين يتحدث عن دعمه للحل السلمي بأنه سيدفع المرتزقة إلى اعاقة أي حلول ، ولذا يتعاطى الشعب اليمني مع مثل هذه الأمور بحذر شديد وبريبة شديدة .
وهو الأمر الذي ينطبق على المراحل التي يتنقل فيها عسيري من عاصفة الحزم إلى إعادة الأمل ، وقبل يومين إلى ” إعادة الاستقرار ” ، هذه المراحل التي يريد العدو أن يقول من خلالها أنه حقق أهدافه من جهة ، ومن جهة أخرى يوهمنا أنه تراخى ليخلق حالة من الاسترخاء في الشارع تؤثر بشكل أو بآخر على التعبئة وعلى التفاعل من الجبهات و الجاهزية التي يفترض أن تبقى يقظة على الدوام .
العدو مخادع .. غدار .. لا مواثيق ولا عهود لديه ، والمجتمع الدولي للأسف متواطئ معه ، أن لم نقل مشترى بفلوسه و يخضع لاملاءاته ، والأمم المتحدة قد ثبت انها أضعف مما كنا نتخيل وباتت تعترف بذلك أكثر من أي وقت مضى .
وهو ما يحتم علينا كشعب يمني خاض أعظم تجربة صمود في العالم أمام أبشع عدوان وحصار تعرضت له دولة واستهدف به شعب ، أن لا تنطلي علينا مثل تلك الحيل والخدع ، مهما بدت فيها الجدية ومهما تخيلنا أنها ضعف للعدو ووهن قد يعاني منه ، لكنه في الأخير يتحين الفرص لكي ينقض ويحقق مكاسب لم يكن ليحققها في ظل استمرار الجاهزية والتعبئة والتفاعل مع ابطالنا في الجبهات .
اثبتت الأحدث التي مر بها الشعب اليمني طوال عام ونيف من العدوان ، أننا وحيدون في هذا العالم نواجه مؤامرة كونية ليست سهلة ، لكننا بالمقابل اثبتنا أننا عند مستوى التحدي والمواجهة ، نعم امكاناتنا المادية متواضعة مقارنة بما حشد ويحشد ضدنا ، لكننا نمتلك ما لا يمتلكه العدو ولا يمتلكه ربما طرف من أطراف العدوان ولا من الأطراف الساكتة والمتواطئة والمحايدة في هذا العالم ، وهو سلاح الإيمان ، الإيمان بالله والثقة به والتوكل عليه والامساك بمنهجه الذي رسمه لنا ، الإيمان بالقضية وبالمبدأ و بالجذور الفكرية والتاريخية التي نمثلها ، هو ما يعادل الكفة ويملأ الفارق بيننا في القوة وربما يرجحها بعون الله .
ولعل تجربة عام ونيف كفيلة بأن نفهم أن ما مر من فصول الحرب هو الأصعب وما سيأتي لن يكون بمستوى ما مر ، سواء من حيث استعداد العدو للاستمرار وللبذل وللإنفاق وللتحشيد أو من حيث استعدادنا نحن و تهيئتنا الروحية والمادية والعملية في مواجهته ، فحين بدأ العدوان كنا في وضعية المصدوم المشدوه الذي لم يكن يمتلك بعد القدرة على ترتيب الاولويات وحشد الطاقات ، أما الآن فنحن الحمدلله في موقع الجاهزية العالية والإرادة والوعي والإيمان الذي من شأنه أن يجعلنا أكثر استيعابا وأكثر صلابة من السابق ويجعل العدو أقل قدرة على استغلال عامل الضعف ليحقق أهداف ضدنا .
ولذا من المهم أن نعي باستمرار أننا مطالبون بالبقاء في حالة الجاهزية على المستوى العسكري والشعبي التعبوي والسياسي والإعلامي والثقافي والاجتماعي ، مهما تغيرت وتبدلت الظروف وبرزت المؤشرات من هنا أو هناك ، لاينبغي أن نتركها تدخل إلى نفوسنا وتزعزع داخلنا الاستعداد أو تدخل فتثير فينا غرائز الاسترخاء الذي قد تكون نتائجه ندم وحسرة .

قد يعجبك ايضا