أقول قولي هذا.. ألبوم صور

عبدالمجيد التركي

طفلٌ، في الثامنة من عمره، يجلس بجوار قبر أبيه، وعلى ظهره حقيبته المدرسية.. يغطي وجهه بيديه، كأنه لا يريد أن يفتح عينيه ويصدق ما يراه، فما زال يعتقد أن هذا كابوس سيستيقظ منه، وسيرى نفسه محاطاً بوجود أبيه وحنان أمه..
الأبجدية تقشعرُّ حين تحاول وصف هذا المشهد..
يجلس أمام القبر، كأنه يكمل رسم لوحة تراجيدية.. يخبئ دموعه كي لا يراه أبوه.. فقد كان دائماً يخبره أنه الشجاع الصغير..
لم أعد صغيراً يا أبي.. لقد أنضَجَتني الأهوال، وعَرَكَتني المصائب..
ها أنا وحدي.. لقد هدموا بيتنا، لكن المفتاح لا يزال معي..
اطمئن.. هل ترى الحقيبة على ظهري؟!!
سأواصل الحياة، وسأكتب سيرة الضوء في وجه المساءات العابسة..
قَصَفَ العدو السعودي بيتهم الصغير بطائرته الحاقدة.. عاد الطفل من المدرسة ولم يجد البيت.. توقف قليلاً ليفرك عينيه ويتأكد أنه لم يخطئ في العنوان، فهذا هو الشارع الذي يلعب فيه، وهذا هو صاحب الفرن الذي يشتري منه الخبز.. ولكن أين بيتنا؟ لقد كان بيتنا أمام الفرن مباشرة!!
لم يجد سوى الحُطام.. وجَدَ حصَّالته بين الأنقاض، ووجد ألبوم صور العائلة.. جلس فوق الأنقاض.. فتح ألبوم الصور.. صور في الحديقة.. صور يوم العيد.. صور يوم تكريمه في المدرسة.. صور وهو في حضن أبيه.. صور وهو يلعب مع إخوته.. صور لوالديه ليلة زفافهما..
يُـحدِّق في الصور، طويلاً، كأنه يراها لأول مرة، وهو يتساءل: أين هم هؤلاء الآن؟
في اليوم التالي، اقترب منه صاحب الفرن وأمسك بيده ليصطحبه إلى المقبرة.. كان الجميع يمسحون على رأس هذا الطفل، والبعض يضع في يديه أوراقاً نقدية، ومنهم من يقول له: ولا يهمك، كلنا أهلك..
حينها.. عرف أن كلَّ المتواجدين في ألبوم الصور لن يعودوا..
Magid711761445@gmail.com

قد يعجبك ايضا