تفعيل دور المسجد في‮ ‬إنجاح الحوار الوطني

علي‮ ‬بن عبدالله الضمبري –
من النظرات النبوية الثاقبة الصائبة‮ – ‬وكلها صائب ثاقب‮ – ‬أن‮ ‬يكون أول عمل‮ ‬يؤسس له النبي‮ ‬القائد المعلم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو‮ (‬بناء المسجد‮).. ‬فبعد ترسيخ العقيدة في‮ ‬العقول‮ ‬وتعميق الإيمان في‮ ‬القلوب‮ ‬وتزكية التقوى في‮ ‬النفوس‮.. ‬لا بد من وجود‮ (‬مركز‮) ‬لتقوية العقيدة‮ ‬وتربية القلوب‮ ‬وتنمية النفوس وتأسيس كل ذلك‮ (‬على تقوى من الله ورضوان‮)..‬

‮(‬المسجد‮) ‬يعلمنا معنى السجود لأوامر الله في‮ ‬مجالات الحياة‮ ‬ليساعدنا على تعميق تطبيق القيم العقدية‮ ‬والشيم الأخلاقية‮ ‬والمبادئ الإنسانية‮..‬
و(الجامع‮) ‬يجمع المسلمين برباط التوحيد‮ ‬وتوحيد الترابط‮ ‬وتماسك المجتمع‮ ‬واجتماع الأمة‮ ‬وجماعية المشاركة‮ ‬وصلاة الجماعة‮ ‬ويؤصل‮ – ‬في‮ ‬العقول والنفوس والقلوب‮ – (‬كلمة التوحيد‮) ‬لتتجسد وتتجلى في‮ (‬توحيد الكلمة‮)..‬
وليس المسجد للصلاة فحسب‮ ‬وإن كانت هي‮ ‬الأساس والنبراس‮. ‬إذ تعلمنا وحدة الإحساس في‮ ‬ألفظاها وأدعيتها وأذكارها ابتداء بـ(إياك نعبد وإياك نستعين‮ – ‬اهدنا الصراط المستقيم‮) ‬وليس انتهاء بـ(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين‮).. ‬لأنها تبقى تمد‮ ‬جسور التواصل حتى‮ ‬يعمِ‮ ‬السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‮) ‬في‮ ‬المسجد‮ ‬والسوق‮ ‬والمدرسة‮ ‬والحقل‮ ‬والمصنع‮ ‬والبيت‮ ‬والشارع‮. ‬ويصل السلام والرحمة والبركة في‮ ‬عملنا وعلمنا‮ ‬واقتصادنا وسياستنا‮ ‬وقولنا وفعلنا‮ ‬وعلاقاتنا كلها مع أهلينا‮ ‬وجيراننا‮ ‬وحتى مع‮ ‬غير المسلمين‮.. ‬لأن الإيمان‮ (‬حب‮) ‬إذ‮ (‬لا‮ ‬يؤمن أحدكم حتى‮ ‬يحب‮).. ‬إذن‮ ‬يغدو المسجد واحة الصلاة‮ ‬وبيت الأمان‮ ‬وحصن التوحيد‮ ‬وحضن المحبة‮ ‬ومدرسة الحياة‮ ‬وجامعة الجماعة‮ ‬وقاعة التعليم‮ ‬وساحة اللقاء‮ ‬ومجلس الشورى‮ ‬ونادي‮ ‬الفكر‮ ‬لأنه‮ (‬جامع‮) ‬لكل خيرات الدنيا والآخرة‮.. ‬أو ليس كل خطوة إليه ترفعنا درجة‮ ‬وتحط عنا خطيئة‮ ‬وتزيدنا حسنة‮ ‬وذلك‮ ‬ينفعنا لتعزيز كل عمل صالح‮ ‬ويدفعنا لكل خير عاجل أو آجل‮..‬

مقومات تفعيل دور المسجد‮:.‬
قبل الولوج في‮ ‬هذا الموضوع‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نعرف أن هناك أسباباٍ‮ ‬أعاقت المسجد عن إبراز دوره التوجيهي‮ ‬المعنوي‮ ‬التربوي‮ ‬والتعبوي‮ ‬ولعل من هذه الأسباب ما‮ ‬يلي‮ :‬
‮(‬1‮) ‬شيوع الفكر الخلافي‮ ‬والخرافي‮ ‬في‮ ‬آنُ‮ ‬معاٍ‮ ‬فالفكر الخلافي‮ ‬بدد جهود الأمة‮ ‬ضيع إمكانياتها العقلية والذهنية‮ ‬ومقدراتها الفكرية حول قضايا وموضوعات لم تنفع المسلمين قديماٍ‮ ‬أو حديثاٍ‮ ‬فبدأ الخلاف في‮ ‬مسألة التفضيل بين‮ (‬علي‮) ‬و(معاوية‮)‬‮ ‬ثم بروز الفرق المتعددة بعد الجمل وصفين‮ (‬خوارج‮ – ‬شيعة‮ – ‬مرجئة‮ – ‬جهمية‮) ‬وغيرهم‮.. ‬ثم برز‮ (‬المعتزلة‮) ‬الذين أثاروا قضية‮ (‬خلق القرآن‮).‬
وهكذا اتسعت شقة الخلاف بين المسلمين وانتشرت انتشار النار في‮ ‬الهشيم‮ ‬وخصوصاٍ‮ ‬بعد ظهور المذاهب الأربعة‮ (‬مالكي‮ – ‬شافعي‮ – ‬جنبلي‮ – ‬حنفي‮)‬‮ ‬لدرجة أنه كان حول الكعبة أربعة محاريب بعدد المذاهب‮.‬
أما التفكير الخرافي‮ ‬فهو تفكير هروبي‮ ‬انسحابي‮ ‬انعزالي‮ ‬منغلق على ذاته‮ ‬منكفئ على جماعته‮ ‬أغلق موانئه وشواطئه عن استقبال كل وافد جديد‮ ‬وكل رافد مفيد على أساس أنه‮ (‬ما ترك الأول للآخر شيئاٍ‮) ‬وأنه‮ (‬ليس في‮ ‬الإمكان أفضل مما كان‮).. ‬وقد انتشر التفكير الخرافي‮ ‬لدى كل الجماعات ولا أستثني‮ ‬منها أحداٍ‮ ‬ولكل جماعة تسويغ‮ ‬لأفكارها وتسويق لآرائها‮ ‬تنطلي‮ ‬على أتباعها وينخدع بها دهماؤها‮.‬
‮(‬2‮) ‬مجيء مرحلة الاستعمار الغربي‮ (‬الأصح‮: ‬الاستكبار‮) ‬الذي‮ ‬محا بكل إمكاناته‮ ‬وأساليبه الخبيثة دور المسجد‮ ‬وحوله إلى‮ (‬كنيسة‮) ‬إسلامية تقول‮ (‬دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر‮).. ‬وأعني‮ ‬بذلك أن المسجد تحول إلى مؤسسة منكفئة على ذاتها‮ ‬موضوعاتها مكررة معادة مملة حتى شاع المثل‮ (‬الجمعة الجمعة‮.. ‬الخطبة الخبطة‮).. ‬وانتشرت كتب ابن نباته المسجوعة في‮ ‬معظم بلدان المسلمين‮ ‬لدرجة أن الخطباء في‮ ‬باكستان‮ ‬وغرب إفريقيا‮ ‬يكررون الدعاء بأن‮ ‬يحفظ الله‮ (‬خاقان المسلمين‮ ‬سلطان البحرين‮) ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يحكمهم ولم‮ ‬يعرفوه‮..‬
‮(‬3‮) ‬سيطرة التحزب المتعصب‮: ‬مع انقضاض الشعوب على أنظمة الجبر‮ ‬وحكومات الجور‮ ‬و بروز أنظمة‮ (‬وطنية ثورية‮)‬‮ ‬وظهور الأفكار المختلفة‮: ‬قومية‮ – ‬محلية‮ – ‬ماركسية‮.‬
اتخذ كل حزب لنفسه منابر ومساجد‮ ‬تعكس رؤاه الفكرية والإيديولوجية‮ ‬لدرجة أن القوميين‮ ‬يترحمون على‮ (‬ميشيل عفلق‮ ‬وجورج حبش‮) ‬وهما مسيحيان‮.. ‬وحتى إن الماركسيين صاروا‮ ‬يروجون للفكر الاشتراكي‮ ‬الشيوعي‮ ‬من خلال استغلال بعض المشاهد في‮ ‬التاريخ الإسلامي‮ ‬حتى قالوا‮ (‬أبو ذر هو رائد الاشتراكية‮) ‬من خلال حديث‮ (‬الناس شركاء في‮ ‬ثلاثة‮….) ‬رغم أنهم‮ ‬يقولون‮ (‬الدين أفيون الشعوب‮).‬
ومع سقوط أصنام الشيوعية‮ ‬وانهيار جدار برلين‮ ‬ظهرت التعددية السياسية والتنوع الحزبي‮ ‬وحرية الصحافة‮.. ‬وتلك من مبشرات الديمقراطية‮… ‬فاتسعت المشاركة السياسية حتى‮ ‬غدا للجماعات الإسلامية أحزابها‮ ‬وصحفها‮ ‬وبرامجها الانتخابية‮ ‬ومواقفها السياسية‮ ‬ورؤاها الفكرية‮ ‬مما عمق فجوة الخلاف بين التيارات الإسلامية نفسها‮ ‬وتشرذمت الجماعات الإسلامية إلى‮ (‬حركيين‮) ‬و(قرآنيين‮)‬‮ ‬بالإضافة إلى الإرث التاريخي‮ ‬في‮ ‬النزاع بين‮ (‬السنة‮) ‬و(الشيعة‮) ‬و(العقلانيين‮) ‬و(الأثريين‮) ‬و(المقلدين‮) ‬و(المجتهدين‮).‬
هذا الخلاف فصم عرى الائتلاف بين المسلمين‮ ‬وقوض دعائم التواصل‮ ‬والتناصح‮ ‬والتناصر‮ ‬وإذا بالمقولة القرآنية تتحقق عبر‮ (‬كل حزب بما لديهم فرحون‮) ‬مما أفقد المسجد دوره وتأثيره‮ ‬بل حتى مصداقيته‮ ‬إذ صار كل تيار‮ ‬وكل جماعة‮ ‬وكل حزب‮ ‬يرى نفسه‮ (‬الفرقة الناجية والطائفة المنصورة‮) ‬وكل من عداه أو عاداه فهو من فرق الضلالة والبدعة والفسوق‮…. ‬بل الكفر والخروج من الملة‮ – ‬عياذاٍ‮ ‬بالله‮ – .‬
وقد لعب أعداء الإسلام بهذه الورقة‮ ‬وعزفوا على ذلك الوتر الحساس‮ ‬وروجوا للطائفية‮ ‬وأحيوا الخلافات القديمة‮ ‬كما حصل في‮ ‬العراق وأفغانستان‮ ‬وما بدأ‮ ‬يتسرب في‮ ‬اليمن‮.‬
‮(‬4‮) ‬فجوة الجفوة‮: ‬حصلت فجوة عميقة‮ ‬واتسعت الهوة السحيقة بين‮ (‬المثال‮) ‬و(الواقع‮) ‬و(التاريخي‮) ‬و(الراهن‮) ‬و(الديني‮) ‬و(السياسي‮) ‬و(الاقتصادي‮) ‬و(الاعتقادي‮).. ‬إذ كيف‮ ‬يتحدث الخطيب عن موضوع‮ (‬أهمية العمامة‮) ‬في‮ ‬ظل‮ ‬غياب العدل والأمانة¿‮! ‬أو‮ ‬يتناول قضية‮ (‬إطلاق اللحية‮) ‬في‮ ‬مجتمع‮ ‬يحتاج إلى إطلاق القدرات والخبرات والكفاءات‮.. ‬بل إطلاق سراح المسجونين المظلومين‮.. ‬وأعود فأستدرك وأقول‮: ‬لست ضد الحديث عن‮ (‬العمامة‮) ‬و(السواك‮) ‬و(طول الثوب‮) ‬فتلك مسائل ثابتة صريحة‮ ‬ولكن التركيز عليها‮ ‬والدوران حولها‮ ‬وإغفال قضايا حيوية ومصيرية كبرى هو المشكلة التي‮ ‬تْعمق الجفوة‮ ‬ولا تردم الفجوة‮ ‬إذ ترى بعضهم‮ ‬يتحدث‮ (‬هل القبة الخضراء على القبر النبوي‮ ‬المحمدي‮ ‬سنة أم بدعة)¿‮! ‬ولا‮ ‬يتحدث ببنت شفة عن تحرير‮ (‬قبة الصخرة‮) ‬والمسجد الأقصى‮ ‬بحجة أن هؤلاء الفلسطينيين‮ (‬يلبسون البنطلونات‮) ‬و‮(‬يدخنون‮) ‬ونساؤهم‮ (‬كاشفات الوجوه‮) ‬فهم‮ ‬يستحقون ما جرى لهم جزاء وفاقاٍ‮.. ‬بل أفتى بعضهم بأن‮ (‬فلسطين‮) ‬صارت‮ (‬دار كفر‮) ‬يجب الخروج منها‮ ‬وتركها لليهود‮!!.‬
لعل تلك النقاط الخمس التي‮ ‬تناولناها آنفا تحدثت عن الخطوط العريضة‮ ‬والأسباب التي‮ ‬عوقت ومنعت تفعيل دور المسجد حتى صار الناس‮ ‬يذهبون للصلاة بقلوب متجافية‮ ‬غير متصافية‮ ‬ونفوس متنافرة‮ ‬وأرواح متباعدة متباغضة‮ ‬وليتهم علموا أن ذلك‮ ‬يحبط العمل فيقال لهم‮ (‬انظروهم حتى‮ ‬يصطلحوا‮).. ‬

عوامل تفعيل دور المسجد
بالنظر إلى ما سقناه آنفا من الحديث حول‮ (‬معوقات تفعيل دور المسجد‮) ‬يتجلى لنا أن ما‮ ‬يضاد وما‮ ‬يعارض النقاط الخمس السابقة‮ ‬تمثل أهم عوامل تفعيل دور المسجد‮ ‬ولكي‮ ‬تتضح الصورة‮ ‬ويتجلى المشهد نحاول استجلاء أهم العوامل‮:‬
‮(‬1‮) ‬التثقيف العصري‮: ‬أي‮ ‬أن‮ ‬يكون لدى الخطيب أو الإمام معرفة‮ – ‬ولو عامة‮- ‬بأهم قضايا العصر الراهن‮ ‬ودراية بما‮ ‬يعتمل في‮ ‬مجتمعه من أحداث‮ ‬وما‮ ‬يستجد من آراء وأفكار‮ ‬وهذا الحس‮ ‬يكتسب من خلال‮ (‬التثقيف‮) ‬الواعي‮ ‬المنفتح الذي‮ ‬يطلع على كل جديد ومفيد‮ ‬لكي‮ ‬يثري‮ ‬خطابه‮ ‬ويطور أسلوبه‮ ‬ويجدد تناوله‮..‬
الملكة‮ ‬الفقهية‮ ‬والذهنية الشرعية أمران هامان وأساسيان‮ ‬لكن لا بد أن ترفد تلك الملكة بمسائل العصر وقضايا المجتمع‮ ‬وأحداث العالم‮ ‬حتى لا‮ ‬يقول خطيب الجمعة‮ (‬إن فلاناٍ‮ ‬العلماني‮ ‬الملحد عنده مرض الماجستير‮)!!‬
‮(‬2‮) ‬البحث عن القواسم المشتركة‮: ‬وهذه مقولة سمعتها من العلامة‮/ ‬أبي‮ ‬بكر المشهور الذي‮ ‬يرى أن الداعية الحصيف هو الذي‮ ‬يجمع ولا‮ ‬يفرق‮ ‬يقرب ولا‮ ‬يمزق‮ ‬يحرص على التقارب والائتلاف‮ ‬وينبذ التعصب والاختلاف‮… ‬من خلال حرصه على‮ (‬القواسم المشتركة‮) ‬التي‮ ‬تجمع الأمة على‮ (‬كلمة سواء‮)‬‮ ‬فيبحث عن كل‮ (‬المشتركات‮) ‬بين كل الفئات والجماعات‮ ‬وينبذ الخلاف‮ ‬ولا‮ ‬يستدعي‮ ‬القضايا الماضوية التي‮ ‬تشق الصف‮ ‬أو تمزق الجماعة‮.. ‬ولو بحث الدعاة والعلماء في‮ ‬كل طائفة أو جماعة عن المشترك العقدي‮ ‬والفكري‮ ‬والتربوي‮ ‬بينهم لما وجدوا فيه اختلافاٍ‮ ‬كثيراٍ‮ ‬ولكن‮ (‬بطر الحق وغمط الناس‮) ‬هو السمة السائدة في‮ ‬تناولاتنا ومقولاتنا‮ ‬ومحاضراتنا على طريقة‮ (‬ابتعوا سبيلنا ولنعمل خطاياكم‮) ‬وهذه هي‮ ‬عين‮ (‬الأمعية‮) ‬الذيلية الذليلة التي‮ ‬حذر منها قائدنا ومعلمنا ونبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم‮.‬
‮(‬3‮) ‬الحياد والموضوعية‮: ‬وهما تعادلان خصلتين‮ ‬يحبها الله‮ (‬الحلم والأناة‮) ‬كما قال النبي‮ ‬صلى الله عليه وآله وسلم‮ (‬لأشج‮ ‬عبدالقيس‮)‬‮ ‬فالحلم والصبر والتأني‮ ‬والتمهل‮ ‬وعدم التهور والتسرع تدفع حتماٍ‮ ‬إلى اكتساب موهبة‮ (‬الحياد‮) ‬المنصف والمنطقي‮ ‬والعقلاني‮ ‬الذي‮ ‬يعطي‮ ‬الداعية في‮ ‬مسجده وتعامله صفة‮ (‬العدل‮) ‬لأنه‮ ‬ينطلق من الآية‮ (‬وإذا قلتم فاعدلوا‮)..‬
ما أشد‮ ‬حاجتنا‮ ‬وما أمس‮ ‬حالتنا في‮ ‬افتقاد الحياد الموضوعي‮ ‬المتعقل المتزن الذي‮ ‬لا‮ ‬يبخس الناس أشياءهم‮.‬
‮(‬4‮) ‬التحرر من التبعية‮: ‬للأسف أضحت المساجد مثل‮ (‬أندية الرياضة‮) ‬لها أعضاؤها‮ ‬ومشجعوها‮ ‬وروادها‮.. ‬فلكل جماعة أو طائفة مسجد خاص بها‮.. ‬وهنا‮ ‬يجب التشديد على أن تكون المساجد بمعزل عن التبعية السياسية والأيديولوجية لأي‮ ‬تيار‮ ‬يستمد سلطته من الدولة القائمة أو الأحزاب‮.. ‬ولست هنا أدعو إلى‮ (‬تأميم المساجد‮) ‬كما فعل الاشتراكيون مع‮ (‬وسائل الإنتاج‮)!! ‬كلا‮.. ‬بل أتمنى أن‮ ‬يتجسد في‮ ‬المسجد هذا التحرر ليكون معبراٍ‮ ‬عن كل فئات الشعب‮ ‬وقواه‮ ‬واتجاهاته‮ ‬دونما تعصب‮ ‬ولا تحزب‮ ‬ولا تبعية‮ ‬ولا إمعية بل‮ ‬ينطلق من قول الحق جل وعلا‮ (‬وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا‮).‬
‮(‬5‮) ‬المصداقية‮: ‬حينما تتجلى المصداقية في‮ ‬مؤسسة المسجد‮ ‬تكتسب احتراماٍ‮ ‬وتحظى بتقدير‮ ‬وتجد أنصاراٍ‮ ‬يعملون على تعزيز قيم الصدق الذي‮ ‬نفتقر إليه ونفتقده لدى بعض خطبائنا الذين‮ ‬يروجون أكاذيب الشائعات‮ ‬وأباطيل الأراجيف‮ ‬لكي‮ ‬يسقط من مكان خصمه وعدوه‮ (‬إن كان‮ ‬يجوز لنا أن نطلق لفظ الخصومة والعداوة بين المسلمين‮)..‬
بعضهم‮ ‬يلتقط‮ (‬الكذبة‮) ‬من خلا استراق السمع‮ ‬فيحولها إلى موضوع للتندر والسخرية متناسياٍ‮ (‬فتبينوا‮) ‬متاجهلاٍ‮ (‬لا تقف ما ليس لك به علم‮).. ‬وهذا هو عمل الجن الذي‮ ‬يسترقون السمع فيضخمون الأباطيل‮ ‬ويفخمون المهازيل‮ ‬ولذلك تجد‮ (‬شياطين الإنس والجن‮ ‬يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول‮ ‬غروراٍ‮) ‬فيفقدون المصداقية‮ ‬ويتحاشون الموضوعية‮ ‬ويسقطون في‮ ‬مستنقع الظن الذي‮ ‬لا‮ ‬يغني‮ ‬من الحق شيئاٍ‮ ‬وإذا‮ (‬إبليس‮) ‬قد صدق عليهم ظنه فاتبعوه‮.‬
‮(‬6‮) ‬تعزيز الحوار‮: ‬الحوار الهادئ الهادف قيمة نفتقد إليها في‮ ‬مساجدنا رغم أننا تعلمنا منذ السورة الأولى في‮ ‬القرآن أن الله‮ (‬رب العالمين‮) ‬أجمعين
‮- ‬يحاور في‮ ‬بعض سور القرآن‮- ‬إبليس اللعين‮ ‬ويتحاور مع الملائكة في‮ ‬لغة هادئة‮ ‬وأسلوب متزن‮.. ‬لدرجة أن الشيطان الذي‮ ‬يتوعد ويقسم‮ ‬يرد عليه الله بلغة قوية وحاسمة وحازمة‮ (‬الحق والحق أقول إن عبادي‮ ‬ليس لك عليهم سلطان‮) ‬وهو سبحانه‮ – ‬جل في‮ ‬علاه‮ – ‬قادر على أن‮ ‬يمسخه أو‮ ‬يمسحه من الوجود‮.‬
مشكلتنا أننا حولنا الحوار إلى‮ (‬مناظرات‮) ‬بأساليب سقيمة عقيمة لا تهدف إلى إحقاق الحق‮ ‬ونصرة الملة بقدر ما تعمل على تعزيز مكانة المتبوع شيخاٍ‮ ‬كان أو حزباٍ‮ ‬أو جماعة‮.. ‬وهذا‮ ‬يتأتى من‮ (‬سيطرة التحزب المتعصب‮) ‬الذي‮ ‬يقول بلسان حاله‮ (‬ما رأيكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد‮). ‬
‮(‬7‮) ‬كونوا ربانيين‮: ‬هكذا وبإيجاز مؤثر ومعبر‮ ‬ينصحنا القرآن‮ ‬أي‮ ‬لنتعامل مع‮ ‬غيرنا كما‮ ‬يتعامل ربنا معنا‮.. ‬أليس هو الذي‮ ‬يرحم‮ ‬ويقبل‮ ‬ويتجاوز‮ ‬ويرحم برحمته التي‮ ‬وسعت كل شيء¿¿¿‮!.‬
نحن بحاجة إلى تفعيل أسماء الله الحسنى في‮ ‬سلوكياتنا كما دعا إلى ذلك الداعية التركي‮ ‬الرائع‮ (‬بديع الزمان سعيد النورسي‮) ‬الذي‮ ‬دعا‮ (‬طلاب رسائل النور‮) ‬إلى أن‮ ‬يكونوا رحماء وحلماء وحكماء وعظماء‮ ‬تأسياٍ‮ ‬بأسماء الله‮ (‬الرحيم‮- ‬الحليم‮ – ‬الحكيم‮ – ‬العظيم‮)..‬
إن الفروق الفردية بين الناس هي‮ ‬التي‮ ‬تؤدي‮ ‬إلى تعددية الآراء‮ ‬واختلاف وجهات النظر‮…. ‬وهذا لا‮ ‬يفسد للود بين المسلمين علاقة‮.. ‬بل‮ ‬يجب أن‮ ‬يحمل كل مسلم‮ ‬وكل مسلمة أخوته على محمل حسن الظن‮ ‬والأناة‮ ‬والحلúم‮ ‬والقبول بالآخر‮.. ‬دون إقصاء أو إلغاء أو استحواذ لنعجة واحدة من قبل مالك تسع وتسعين نعجة‮.. ‬بل‮ ‬يفرغ‮ ‬من فكره إلى فكر أخيه كما‮ ‬يفرغ‮ ‬من دلوه إلى دلو أخيه‮ -‬بحسب الحديث‮- .‬
‮(‬الربانية‮) ‬سلوك لم‮ ‬يقدر عليه الا ثلة من الأولين‮ ‬ولن‮ ‬يقدر عليه إلا قليل من الآخرين‮.. ‬فلنحرص عليه‮ ‬ولنتأسِ‮ ‬بنبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في‮ ‬كل تصرفاتنا ومعاملاتنا وأفكارنا‮ ‬كما نحرص أن نقلده‮ – ‬بل نتبعه‮ – ‬في‮ ‬ملابسنا وأكلنا وأذكارنا‮.‬
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين‮.‬

‮❊ ‬مدرس بكلية التربية‮ – ‬جامعة عدن

قد يعجبك ايضا