الأمم المتحدة وجدت لإنهاء الحروب لا لإشعالها

د/حسين محمد حسين مطهر

إن الحرب التي أعلنتها السعودية على اليمن وحلفاؤها الصهاينة والأمريكان من واشنطن على لسان السفير السعودي عادل الجبير وزير الخارجية الحالي تنسف الغرض الذي من أجله بعثت الأمم المتحدة من الأساس, فقد ورد في ديباجة الميثاق ما نصه:
نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف, كما ورد في المادة الأولى من الميثاق.
مقاصد الأمم المتحدة هي:
حفظ السلم والأمن الدوليين تحقيقا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم وتتذرع بالوسائل السلمية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الاخلال بالسلم أو لتسويتها ونحن اليمانيين نتساءل:
ماذا صدر من الشعب اليمني المسالم تجاه الجيران أو دول الإقليم أو العالم لوما تشن عليه الحرب الهمجية والعدوانية بتحالف أقوى وأغنى دول العالم من حيث المال والسلاح الفتاك؟
هل هذه الدول المتحالفة سعت إلى معالجة الأزمة اليمنية الداخلية قبل الحرب أم دخلت إلى الحرب مباشرة بواسطة أموال البترول السعودي القطري الإماراتي؟
هل دول التحالف قامت بدراسة مشاكل اليمنيين وساعدوا على حلها سلميا وأخويا؟
وقد حدثت من أخطاء ومخالفات لمبادئ الأمم المتحدة في معالجة الأزمة اليمنية تتلخص فيما يلي:
إن السعودية وحلفاءها شنوا الحرب على اليمن بدون مسوغ قانوني لأن المادة الثانية والخمسين من الميثاق ولا سيما الفقرتين الثانية والثالثة من هذه المادة فكان المفروض أن تحل الأزمة سلميا وعربيا عبر الحوار والتسوية السياسية بين الأطراف المتصارعة على الحكم, فكانت النتيجة نسفاً للسلام ولمبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
هل يحق للسعودية وتحالفها أن تقوم بمحاصرة الشعب اليمني براً وبحراً وجواً وتمنع عنه الغذاء والدواء منذ تسعة أشهر, فهنا تتحمل الأمم المتحدة بسبب صمتها وجميع دول التحالف وزر هلاك آلاف الأطفال والنساء والشيوخ بسبب النقص الحاد في الدواء والغذاء والمشتقات النفطية؟
ونحن لا نعرف نصاً في ميثاق الأمم المتحدة أو لائحة إعلان حقوق الإنسان يبرر عملا كهذا تقوم به مملكة بني سعود وحكامها الغلمان الأغبياء.
هل استنفدت الوسائل السلمية لمعالجة الأزمة اليمنية والقيام بتدمير اليمن بالكامل من أجل شخص الرئيس والقضاء على الشعب من أجل شخص واحد؟
هل إعادة الرئيس المستقيل والمنتهية ولايته والذي قام بدعوة دول العدوان إلى قصف اليمن بثلاثمائة طائرة عبر آلاف الطلعات وألقت بآلاف الأطنان من المتفجرات المحرمة دولياً على اليمن واليمنيين, إنها حملة تفوق ما كان يحدث في الحرب العالمية الثانية قبل إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما, ما ذنب سكان اليمن الأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء حتى يهلكوا بهذه الأسلحة الفتاكة الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية والفرنسية والألمانية؟
هل أقر مجلس الأمن ضرب سكان اليمن ومحاصرتهم؟
هل يقر الميثاق هذا الأسلوب الفتاك في حل هذه الأزمة أو غيرها من الأزمات المماثلة في العالم؟
أليس هذا هو الإرهاب الأكبر الذي تمارسه دول شقيقة وإسلامية تدعي الإسلام زوراً وبهتاناً وحامية للحرمين الشريفين وهي الممول الأول والداعم الحقيقي للقاعدة وداعش في العراق وسوريا وليبيا ومصر وتونس وأفغانستان واليمن, وهما رأس المصائب لكل دول العالم العربي والإسلامي والأمريكي والأوروبي؟
أين مصير السلم العالمي وحقوق الإنسان وواقعنا السياسي الذي نعيشه في العالم اليوم والذي ما يزال بعيداً عن الصدق في القول والإخلاص للمبدأ لحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية عن طريق الحوار والتفاهم والتسامح لا عن طريق القوة والجبروت التي استخدمته مملكة داعش الوهابية ضد اليمن؟
رغم ممارسات مجلس أمنها المتناقضة منذ ولادتها وذلك رضوخاً من تلك الجمعية ومجلس أمنها للضغوط الأكثر فعالية لحكومة الدولة الأقوى الولايات المتحدة الامريكية هي وحلفائها العربان وأصدقائها في تلك الجمعية ونفاقاً من معظم حكومات دول العالم الأعضاء في تلك الجمعية مع تلك الحكومة السعودية العدوانية وربيبتها شيطان البشرية الأكبر في القرن العشرين أمريكا.
فبدلا من أن يسعى مجلس الأمن إلى رد العدوان أو حتى على الأقل إيقافه وردع وقوعه أو رفع الحصار الجائر على خمسة وعشرين مليون نسمة, لكن للأسف الشديد نستغرب سكوت وصمت مجلس الأمن أو المجلس المصغر للجمعية العامة للأمم المتحدة على هذا العدوان ضد الشعب اليمني المسلم والتنكيل به قتلا وإبادة وتجويعاً وحصاراً منذ ما يزيد على تسعة أشهر بدعم ومباركة دول الخليج الشقيقة باستثناء سلطنة عمان, وهذا كله بفضل تورط بترول العرب والمسلمين غير المباشر في ازدهار اقتصاد تلك الدولة الكبرى أمريكا الداعمة لأكبر عدوان في تاريخ البشرية جمعاء على بلد مسلم ومسالم لم يسبق له عبر التاريخ أن اعتدى على أحد, ولكن السؤال هنا أين مشاعر العرب والمسلمين تجاه أشقائهم اليمنيين الذين بلغ تعدادهم مليار ونصف المليار مسلم نجدهم صامتين نائمين نوماً عميقاً, وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم “كغثاء السيل” بل ومن جورهم وجبروت أنظمتهم عليهم ومعاملتها الوحشية لهم كأنهم نعاج خرس لا حول ولا قوة.
لقد زود ميثاق الأمم المتحدة مجلس أمنها بعدة طرق لإيقاف العدوان وخرق الأمن والسلم الدوليين وتسهيل مهمة إعادتهما وحفظهما. وعند مقارنة نصوص ميثاق الأمم المتحدة بنصوص عصبة الأمم المتعلقة بآليات ووسائل تحقيق غايات التنظيم الدولي المثلى في مجلس السلام والتعاون الدوليين فإنه لا فرق بين عهد العصبة والأمم المتحد, بل الوقت الحاضر أسوأ من عهد العصبة وخاصة بالنسبة لمصداقية مجلس أمن الأمم المتحدة في تنفيذ تلك الآليات والوسائل وسيتضح هذا حتى من التناقص الواضح في كثير من مميزات وانجازات الأمم المتحدة نظراً لتقلب الأحداث والمتغيرات الدولية وكذلك الظروف والمصالح الضيقة للقوى الكبرى التي لعبت دوراً مؤثراً في تغيير دور مجلس الأمن في معظم الأزمات والصراعات الدولية, حيث غلبت المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وروسيا الاتحادية والصين والدول الخليجية حتى على الدور الإنساني للأمم المتحدة برمتها وأصبح مجلس الأمن مرتعاً لقيام أمريكا وبعض الدول الغربية والعربية الثرية كالسعودية ودول الخليج بشراء أصوات الدول الكبرى الدائمة في مجلس الأمن وحتى أصوات عربية وللأسف إسلامية من ذلك المجلس ضد الشعب اليمني بأكمله وتظل مصالح القوى المهيمنة على قرارات مجلس أمن الأمم المتحدة ومصالح الدول الأعضاء حتى لو كانت كدويلة البحرين أو أفقرها كالصومال أو أكثرها عنصرية ودموية كاسرائيل هي المقرر الأول والأخير لتفريغ قرارات ذاك المجلس بالعشرات ضد مصالح الشعوب المغلوبة على أمرها.
ويلاحظ أنه بعد مرور ما يقرب من المائة عام على انتهاء الموجات الاستعمارية الغربية لدول الشرق بات من الواضح خلال القرن العشرين خاصة النصف الأول منه اندثار المد الاستعماري وتراجعه ووقوف العالم كله في صف الدول المستعمرة حتى نالت استقلالها الواحدة تلو الأخرى ومع انتقال العالم للنصف الثاني من القرن العشرين كانت كل قوات الاستعمار الغربي قد رحلت عن مستعمراتها وعاش العالم حوالي خمسين عاماً ينعم في ظل ميثاق الأمم المتحدة الذي يحرم احتلاله أراضي الغير, بل ويمنع اللجوء للقوة المسلحة لحل النزاعات الدولية ويؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام سيادتها على أراضيها, وتصور الجميع أن عصر الغزو والقهر قد ولى واندثر إلى غير رجعة وأن الظروف الدولية سيما مع بداية القرن الحادي والعشرين وما آلت إليه العلاقات الدولية وما تؤكد عليه قواعد القانون الدولي وحل المنازعات بالطرق السلمية, كل ذلك سوف يحول دون عودة أي شكل من أشكال الاستعمار على الأقل بشكله القديم مرة أخرى ولكنه هذه المرة أعيد على أيدي وأموال عربان الخليج العربي والجزيرة العربية خدمة للأمريكان والصهاينة ولم يعد لنا بعد سقوط العراق وسوريا وليبيا واليمن أي باسل يخشى أو قوة أو حصانة تمنع أو شرف يرتجى أو كلمة تسمع بعد أن تقطعت أوصالها وتفتتت أشلاؤها وتبعثرت كنوزها ونهبت آثارها وأصبحت مقولة المتنبي “يا أمة ضحكت من جهلها الأمم” غير كافية للتعبير عما وصلنا إليه من سقوط وانحدار وترد.
وقد اتضحت الحقيقة هنا بأنهم يريدون تدمير اليمن وسوريا وكل الدول العربية المعادية لإسرائيل لأن عربان الخليج السعودية ليسوا سوى عبيد وخدم لدى أسيادهم أمريكا وإسرائيل.
ونحن اليمنيين دعاة سلام ونشجب الحروب في كل أنواعها لا سيما بين الأشقاء والأصدقاء, وما ندعو إليه هو الرجوع إلى ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه وإلى الحق والعدل واستعمال معيار أخلاقي واحد للشعوب جميعاً, فالحلال حلال للجميع والحرام حرام على الجميع.

* أكاديمي وباحث سياسي بجامعة صنعاء

قد يعجبك ايضا