«الأمن في الأوطان»

 - لقد كان حال الناس في الجاهلية شر حال وارذله¡ والغني يبطش بالفقير¡ والقوي يترفع على الضعيف¡ والنسيب يحتقر الوضيع¡ فلا تراحم ولا تواصل¡ وأعظم من هذا ضلال القلوب عن طريق الهداية  والرشاد¡ فلقد كان بعضهم يعبد الشجر¡ وبعضهم يعبد الحجر¡
محمد عبدالغني مصطفى –
لقد كان حال الناس في الجاهلية شر حال وارذله¡ والغني يبطش بالفقير¡ والقوي يترفع على الضعيف¡ والنسيب يحتقر الوضيع¡ فلا تراحم ولا تواصل¡ وأعظم من هذا ضلال القلوب عن طريق الهداية والرشاد¡ فلقد كان بعضهم يعبد الشجر¡ وبعضهم يعبد الحجر¡ بل قد اتخذت كل قبيلة صنما◌ٍ تعبده وترجوه وتخشاه.
ومن المضحكات أن الواحد منهم كان يصنع الصنم من التمر فإذا جاع أكله كانت الكلمة فيهم للقوى فإن سرق تركوه¡ وإن سرق الضعيف عاقبوه.
وكانت العدواة تنشب بينهم لأتفه الأسباب واحقرها¡ بل كانت الحروب الطاحنة تدور رحاها بينهم سدين عددا◌ٍ بسبب حمية عصبية أو نزعة ثأر قبلية.
والتاريخ خير شاهد على حرب داحس والغبراء وما أهلكته من الحرث والنسل¡ بل قد ذكر التاريخ أن من ولد في أول الحرب أو في وسط زمانها قد شارك فيها لطول مدتها.
وبالجملة فقد كانت حياتهم مليئه بالتناقض والفوضى.
فحدث عن الظلم ولا حرج¡ وحدث عن القطيعة ولا حرج¡ وحدث عن التناحر ولا حرج.
فالشاهد أن الناس لم يعرفوا طعم الحياة وراحتها إلا بالإسلام¡ فلقد بعث الله محمدا◌ٍ «صلى الله عليه وعلى آله وسلم» على حين فترة من الرسل¡ فأعاد الله به الناس إلى صراطه المستقيم «صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور» وقال سبحانه: «يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم».
وبكل حال فلقد كانت بعثة النبي «ص» رحمة من الله للناس.
فاطمأنت قلوب من آمن به وسادت بينهم روح المحبة والإخاء¡ وتبدلت حالة الاستئثار بالشيء إلى الإيثار به¡ وحل التواضع مكان التكبد¡ والأخوة مكان العداوة.
وبالجملة فلقد ساد المجتمع أمن الإسلام فأصبح المجتمع الإسلامي في عهد النبوة خير مثال للمجتمع الآمن على دينه وعرضه وعقله ونفسه وماله.
وهذه الأمور الخمسة دعت إلى حفظها جميع الأديان السماوية وهي التي اصطلح العلماء على تسميتها بالضرويات الخمس¡ أو: الكليات الخمس¡ وهي: حفظ الدين¡ وحفظ العرض¡ وحفظ العقل¡ وحفظ النفس¡ وحفظ المال والناظر في نصوص الشريعة يجد أنها بإجمالها وتفصيلها تدعو بل تؤكد هذا المبدأ وترغب في المحافظة عليه¡ وترهب من التفريط فيه أو في بعضه.
والقاسم المشترك الذي به – بعد فضل الله- تضمن المحافظة على تلك الضروويات الخمس هو: مسألة الأمن والأمان¡ فبالأمن يسود المجتمع الإطمئنان على حفظ دينهم وأعراضهم وعقولهم وأنفسهم وأموالهم.
ولذا جاء ذكر الأمن في القرآن في أكثر من موضع¡ تنويها◌ٍ على أهمية منزلته وعظيم شأنه.
ولذا كان من فقه إبراهيم الخليل عليه السلام عند مادعا لملة – شرفها الله تعالى – ضمن دعائه طلب الأمن لها¡ كما أخبر الله تعالى عنه: «رب اجعل هذا بلدا◌ٍ آمنا◌ٍ وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر».
قال بعض أهل العلم: «إن طلب الأمن مقدم على طلب الغذاء¡ لأن الخائف لا يتلذذ بالغذاء ولايهنأ بالنوم ولايطمئن في مكان¡ ولهذا كما دعا خليل الله إبراهيم عليه السلام لمكة المشرفة قال «رب اجعل هذا بلدا◌ٍ آمنا◌ٍ وارزق أهله من الثمرات»فدعا بتوفير الأمن قبل توفير الرزق».
ومصداق ذلك قوله «ص»: « من كان أمنا◌ٍ في سربه¡ معافا◌ٍ في بدنه¡ عنده قوت يومه¡ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
فأول شيء بدأبه النبي «ص» حديثه قال: «من كان آمنا◌ٍ في سربه…».
وكان «ص» إذا رأى هلال رمضان قال: «الله أكبر¡ اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان¡ والسلامة والإسلام¡ والتوفيق لما تحب ربنا وترضى¡ ربنا وربك الله».
وقد قيل: نعمتان مجهولتان لا يعرفهما إلا من فقدهما: الأمن في الأوطان¡ والصحة في الأبدان.
هذا مجمل القول: عدلت فيه عجزا◌ٍ عن الوابل إلى الطل¡ فخرجت في الصيف¡ خطرة طيف¡ وسحابة صيف.
فأسأل الله أن يرفع وينفع بها «فخذها بقوة».

إدارة التوجيه والإرشاد بالأمانة خطيب مسجد الحسن بن علي

قد يعجبك ايضا