قطوف دعوية

 - القطوف الدعوية ثمرة ندية يغرس بذورها  الناصحون في القلوب المتصحرة من خطب التأنيب والتجريح والنقد الذي لايبتغي بناء ولا يكرس مفهوما توعويا فاضلا في تقويم الاعوجاج ومعالجة الأخطاء بالصورة المثلى وبالأسلوب الحكيموكم تكون صورة الداعية مفز
محمد علي السهماني –
القطوف الدعوية ثمرة ندية يغرس بذورها الناصحون في القلوب المتصحرة من خطب التأنيب والتجريح والنقد الذي لايبتغي بناء ولا يكرس مفهوما توعويا فاضلا في تقويم الاعوجاج ومعالجة الأخطاء بالصورة المثلى وبالأسلوب الحكيموكم تكون صورة الداعية مفزعة ومقززة إذا ما أدمن صاحبها على شهوة التقصي للصفحات السوداء لبني البشر وإعلانها من على أطهر القنوات وأجلها قدسية في قلوب البشر المسلمين وهو منبر المسجد مع العلم أن قاموس الفضلاء من رجال الدعوة كانوا وما زال البعض ممن يقتفي أثرهم لايملكون في وسائل دعوتهم تأييس المذنبين وتقريع حتى المخالفين وما كانوا يوما يتلذذون بالتشهير بالمقصرين بعكس ما يشهده الخطاب الديني اليوم في بعض ملامحه من نشوة غامرة في البحث والتقصي عن الهنات والعيوب ….تعاني الأمة اليوم من ظهور خطاب ديني يتجه الى السلبية مفتقرا إلى المنهجية السليمة في التبليغ والتذكير ولا عجب عند ذلك في توقف مسيرة الدعوة وانحرافها عن مسارها الصحيح وأصبح عند هذه الحالة الصعوبة البالغة في اختراق قلوب الناس والتأثير فيها .
يجب على الدعاة أن يفهموا أن هناك فرقاٍ بين النصيحة والتأنيب وأن هناك فرقاٍ كبيراٍ بين الناصح والمؤنب .
فالنصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له والشفقة عليه والغيرة له وعليه فهو إحسانَ محض يصدر عن رحمة ورقة ومراد الناصح بها وجه الله ورضاه والإحسان إلى خلقه فيتلطِف في بذلها غاية التلطف ويحتمل أذى المنصوح ولائمته ويعامله معاملة الطبيب العالم المشفق والمريض المشبع مرضٍا وهو يحتمل سوء خلقه وشراسته ونفرته ويتلطف في وصول الدواء إليه بكل ممكن فهذا هو شأن الناصح. وأما المؤنب فهو رجل قصده التعيير والإهانة وذم من أنبه وشتمه في صورة النصح فهو يقول له: يا فاعل كذا وكذا يا مستحقٍا للذم والإهانة في صورة ناصح مشفق ومن الفرق بين الناصح والمؤنب أيضا أنِ الناصح لا يعاديك إذا لم تقبل نصيحته وقال قد وقع أجري على الله قبلتِ أو لو لم تقبل ويدعو لك بظهر الغيب ولا يذكر عيوبك ولا يبينها في الناس والمؤنب ضد ذلك لقد رفض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسلوب اللوم والتأنيب رفض أن يكون الفشل في عمل أو مهمة أو مرحلة سبيلاٍ للتعيير والتأنيب والإتهام بالتقصير الذي يولد الضعف والخور والوهن في العزائم والنفوس ففي غزوة مؤتة أعد خالد بن الوليد خطته العبقرية للانسحاب بذكاء حتى لا يعرض جيش المسلمين لمحاولة لا شك خاسرة إن لم تكن من قبيل الانتحار!
ولكنه حينما رجع للمدينة تلقاه الغلمان وبعض المتحمسين يرمونهم بالحصى ويحثون عليهم التراب ويعيرونهم بقولهم يا فرار…
وهنا يتدخل نبينا ومعلمنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم موضحا ومشرعا الأسلوب الأمثل في التقويم على أساس افتراض الأعذار وحسن الظن بالناس فقام مدافعا عنهم معلنا رفضه لهذا التقريع الذي يهد كبرياء الرجال ويقول :
« لِيúسْوا بالúفْرِار وِلِكنِهْمْ الúكْرِارْ إنú شِاءِ اللِهْ «
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيباٍ يداوي النفوس قبل أن يكون زعيماٍ يحاسب جيشه على التقصير لقد قام بما تقوم بها الشئون المعنوية في الجيوش الحديثة حينما تعيد تأهيل الجنود وتعدهم مرة أخرى للنزال وهو ما تحقق للمسلمين بعد ذلك حينما هزموا كل الطواغيت وأزالوا العقبات من طريق الإسلام. إن من الواجبات الكفائية التي خاطب الله عز وجل بها عباده في محكم تبيانه وجود فئات من الصالحين الذين طهرت قلوبهم من السخائم وهيمنت الرحمة عليها بعباد الله سبحانه وتعالى يمارسون وظيفة التعريف بالخير والدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
(وِلúتِكْن منكْمú أْمِةَ يِدúعْونِ إلِى الúخِيúر وِيِأúمْرْونِ بالúمِعúرْوف وِيِنúهِوúنِ عِن الúمْنكِر وِأْوúلِـئكِ هْمْ الúمْفúلحْونِ) آل عمران: 104.
خلاصة الكلام أن على الدعاة بعد استيعابهم لما يجب أن تكون عليها مضامين رسالتهم أن يعلموا أنهم ليسوا مزيجا يسمح بخلط ورقة الدين بمصالح السياسة وأن المقامرة بقدرة العالم على الموافقة المتوازنة بين هاتين الورقتين ضرب من المجازفة التي قد تحدث ضررا فادحا في مكانة العالم والقدح في مدلولات رسالته التي لاقت الاهتزاز وانتزاع الثقة والحديث هنا عن العالم ومكانته بين الناس في زماننا وأما مكانة العالم في ما مضي من حيث علاقته بالسياسة كانوا يمارسون هذه السياسة تحت شعار السياسة الإسلامية أي يجعلون سياساتهم التي يقودونها أو تقودهم في مصالحهم المختلفة خاضعة للإسلام ومن ثم يرفعون شعار السياسة الإسلامية خلف من بعد أولئك الناس خلف ونظرنا فوجدنا أن ذلك الشعار اختفى رويداٍ رويداٍ ليظهر في مكانه الإسلام السياسي أي الإسلام الخاضع للسياسة ونظرنا فوجدنا ناساٍ من الناس وأسأل الله أن يكونوا قلة يخضعون الإسلام لما تقضيه أمزجتهم السياسية ربما أفتوا بالأمس بأمر من الأمور بالحل وأفتوا به ذاته اليوم بالحرمة وربما فعلوا النقيض ربما أعلنوا عن أمر من الأمور أنه محرم ونسمع اليوم وهم يؤكدون أنه حلال ربما كان الشيء الذي حرمه الله في كتابه محرماٍ في فترة من الفترات وإذا بنا نسمع من يقول: لا إنها غدت مباحة وهكذا فلقد كان الشعار من قبل سياسة الإسلام أي السياسة التي ينبغي أن يهيمن عليها الإسلام ونظرنا اليوم فإذا بالشعار قد نكس وأصبح الإسلام السياسي أي الإسلام الخاضع للسياسة. أسأل لله عز وجل أن يجنبنا المزالق وأن يطهر قلوبنا من الآفات كلها.

mohsahman@hotmail.com

قد يعجبك ايضا