إسراف وتفاخر يجلبان غضب الله وسخط الناس


الدين والحياة –
حذر عدد من علماء الإسلام والاجتماع وعلم النفس من السفه الإنفاقي والسباق المحموم في الإسراف والتفاخر والذي يستشري في الدول العربية غنيها وفقيرها على السواء حيث يضاعف من الغضب الاجتماعي فضلاٍ عن أنه يجلب على المسرفين غضب الله وعقابه نتيجة إهدار الأموال في ما لا يفيد على الرغم من انتشار الفقر والبطالة بين قطاع كبير من الشباب العربي الذي لا يجد مقومات الحياة الضرورية .
ووصف العلماء السباق المحموم بين الأثرياء والقادرين في إهدار الأموال في الأفراح والحفلات الترفيهية بأنه شكل من أشكال العبث والتعامل مع نعم الله باستخفاف وعدم مسؤولية.
كانت الجماهير المصرية قد صبت جام غضبها على لاعب كرة قدم شهير نشرت وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت أنه أنفق مليون جنيه على حفل زفافه الذي استغرق ثلاث ساعات فقط بينما يعيش الآلاف من شباب بلدته في بؤس ومعاناة بسبب عدم وجود ما يساعدهم على الزواج .
قمنا بطرح ظاهرة السفه الإنفاقي في حفلات الزفاف في بلادنا العربية للمناقشة خاصة أن هناك دراسة حديثة لمركز أبحاث جامعة القاهرة تؤكد أن العرب ينفقون على أفراحهم أكثر من خمسة مليارات دولار سنوياٍ وهو مبلغ يكفي لحل مشكلات الفقراء والعاطلين في كل ربوع العالم العربي .

الدكتورة عزة كريم الخبيرة الاجتماعية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر تؤكد أن ما يحدث من سفه إنفاقي وسباق في التفاخر بين العرب في أفراحهم وأحزانهم لا مثيل له في بلاد العالم كافة حيث تتسم أفراحنا بالصخب والإنفاق على مظاهر لا معنى لها ولا نتيجة لها سوى إهدار الأموال في ما لا يفيد .
وهذا السفه الإنفاقي في الأفراح لا يقتصر على الأثرياء والقادرين مادياٍ فحسب . . بل تسرب إلى فئات محدودة الدخل كبلت نفسها بحكم التقليد الأعمى والغيرة الاجتماعية بالتزامات ومظاهر فارغة لا طاقة لها بها حيث تضطر للاقتراض من أجل إشباع رغبتها الجامحة في تقليد الآخرين ومنافستهم في الإنفاق على أفراحهم .

التقليد الأعمى
وترجع د . عزة كريم هذا السباق إلى التقليد الأعمى والغيرة الاجتماعية غير المبررة وتقول: من المفترض أن ينفق كل إنسان على أفراحه ما يتناسب مع إمكاناته وظروفه المادية وقناعاته فهناك أناس عقلاء رزقهم الله بالمال الوفير ولكنهم يرفضون إهداره في ما لا يفيد ويفضلون تقديمه للفقراء والمحتاجين عن إنفاقه على ملذاتهم وشهواتهم ومظاهر تفاخرهم به على الناس .
كما ترجع د . عزة هذه المظاهر إلى رغبة أصحابها في التفاخر والمباهاة والظهور كطبقة ثرية اعتقاداٍ بأن هذا يضفي على العائلة مزيداٍ من الوجاهة الاجتماعية والمكانة المرموقة مما يجعل بعض الأسر تفكر في إقامة أعراسها بشكل جديد ومبتكر لم يسبقها إليه أحد من باب المنافسة على الظهور بمظهر أفضل من الآخرين . ووسط هذا الجو المملوء بالمبالغات التافهة تظهر الأحقاد وتتولد الضغوط وتنشأ العداوات بين الأشخاص والطبقات بعضها البعض.
وترى د .عزة كريم أن ظاهرة الأفراح الصاخبة المليئة بكل مظاهر التبذير آفة اجتماعية خطيرة تبتعد بنا عن قيم وأخلاقيات المجتمع الإسلامي الذي يجب أن يلتزم بتعاليم دينه وأن يرشد نفقاته حيث تؤكد النصوص الشرعية أن كل إنسان سيسأل عن ماله (من أين اكتسبه . . وفي ما أنفقه) فماذا سيقول هؤلاء لربهم عما أنفقوه على اللهو والعبث الذي تزخر به أفراحهم¿
وتربط د .عزة كريم بين هذه الظاهرة وبين زيادة نسبة العنوسة لدى النساء والعزوف عن الزواج لدى الشباب فهذه الظاهرة تجعل الفتاة بشكل غير مباشر تحلم بمثل هذه الحفلات في ليلة العمر الخاصة بها وبالتالي تغالي في مطالبها مما يجعل الشباب يعزف حتى عن التفكير في الإقدام على الزواج .
وترى الخبيرة الاجتماعية المصرية أن الشباب الآن يستحق الشفقة على ما يمر به من حالات يأس واكتئاب أو انحراف لأنه يقف عاجزاٍ أمام هذه المظاهر المطلوب منه أن يقلدها لكي يستطيع بناء أسرة لكنها توجه التحية لشباب عقلاء أعلنوا التمرد على هذه التقاليد ورشدوا نفقات أفراحهم وتقول: هؤلاء الشباب وتلك الأسر التي رفضت الانسياق وراء تقليد المسرفين في أفراحهم ورشدوا الإنفاق يجب السير على دربهم وتقليدهم حتى نتخلص من هذا السفه الذي يلحق بنا الضرر الاقتصادي والاجتماعي والنفسي . وتطالب الخبيرة الاجتماعية وسائل الإعلام العربية بالكف عن الترويج لحفلات أفراح المشاهير وعدم نقل ما يحدث فيها من صخب ومظاهر سفه وإنفاق جنوني لأن هذا يسبب صدمة بالغة وسخطاٍ اجتماعياٍ من ملايين الشباب العربي العاطل والفقير والذي لا يجد ثمن غرفة نوم ولا ما يساعده على الوفاء باحتياجات ضرورية من أجل الزواج.

عادات غريبة
أما د .سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف المصرية والداعية المعروف فيؤكد أن ظاهرة البذخ في الأفراح لم تعد ترتبط بمجتمع دون الآخر بل أصبحت ظاهرة شبه عامة في المجتمعات العربية والإسلامية بكل طبقاتها فالفقير أيضاٍ يستدين لكي يقلد الغني وذلك نتيجة بعض المفاهيم والعادات الغريبة التي غزت مفاهيمنا تجاه الزواج الذي جعله الله سكناٍ ومودة . وهذا المفهوم قد تغير وأصبحنا نجري وراء المظاهر والمباهاة والتفاخر بالمهور العالية والتكاليف الباهظة سواء من ناحية أولياء الأمور الذين يغالون في طلباتهم أو الشباب والفتيات أنفسهم .
ويشير د .سالم إلى أن الزواج من الحقوق التي كفلتها الشريعة الإسلامية للإنسان ومن هذا المنطلق حث الإسلام عليه فقال صلى الله عليه وسلم مخاطباٍ الشباب: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” .

عبء اقتصادي
الدكتور يوسف إبراهيم مدير مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر يؤكد أن حفلات الزواج في بلادنا العربية أصبحت مظهراٍ من مظاهر السفه الإنفاقي حيث تهدر أموال طائلة عليها وهذا الأمر يشترك فيه الأثرياء ومحدودو الدخل حيث تكبل كثير من الأسر نفسها بتقاليد وأعباء مادية إشباعا لرغبات جامحة من المظاهر الاجتماعية التي تهدر فيها الأموال والأطعمة من دون مبرر .
ويرى د . يوسف إبراهيم أن الأموال الطائلة التي تنفق على حفلات الأفراح تمثل عبئاٍ اقتصادياٍ على كل الراغبين في الزواج وكثيراٍ ما تؤدي هذه المظاهر إلى تعطيل أو تأخير الزواج وربما إلى فشل الزواج من الأساس ولذلك يطالب بضرورة تكثيف التوعية الاجتماعية والدينية لمواجهة هذه المشكلة وحماية المجتمع العربي من تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية .
ويؤكد د . يوسف إبراهيم أن ترشيد نفقات حفلات الزواج لا يعني التضييق على العروسين والأهل والأصدقاء ومصادرة فرحة العمر بل يعني الترشيد التخلص أو التقليل من مظاهر الاحتفال المكلفة والتي لا تضيف كثيراٍ إلى حفلات الزفاف بل تعتبر في نظر كثيرين إهداراٍ للمال في ما لا يفيد .
ويشير أستاذ الاقتصاد الإسلامي بالجامعة الأزهرية إلى أن الإنفاق البذخي ظاهرة جديدة على مجتمعاتنا فقديماٍ كانت الأفراح أكثر تواضعاٍ في المظاهر لكنها أكثر صدقاٍ في البهجة والفرحة سواء تلك التي كانت تقام في المناطق الشعبية والمساجد والبيوت أو حتى في قصور الملوك والأمراء وكبار الأعيان . وللأسف فإننا تحولنا إلى تشدد أكثر في المهور ومستوى حفلات الزفاف وما ينفق فيها وأماكن إقامتها وكل ذلك يمثل عقبة أساسية أمام من يبحثون عن الحلال عن طريق الزواج وتكون نتيجة هذه التكاليف الباهظة افتقار الشباب إلى الاستقرار النفسي الذي يمثل شرطاٍ حيوياٍ للنجاح في العمل والإبداع وزيادة الإنتاج .
والوجه الآخر للعملة في هذه القضية هو انتشار ظاهرة العنوسة بما تمثله من ضغوط نفسية على أسرة الفتاة المتأخرة في الزواج وتلك الضغوط لها آثارها الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية .
ويشيد د . يوسف إبراهيم بالأسر التي تلجأ إلى إقامة حفلات زواج بسيطة في قاعات ملحقة بالمساجد كما يحدث في مصر حيث تخلو هذه الحفلات من السفه الإنفاقي وتخلو من مظاهر الصخب واللهو المرفوض شرعاٍ ويحتفل العروسان وأسرتاهما وأصدقاؤهما بالزواج في أجواء إيمانية .

إهدار لنعم الله
الدكتور عبدالمعطي بيومي الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية يؤكد أن الإسلام لا يحرم الإنسان من الفرح وإدخال البهجة على النفس والأهل والأصحاب خاصة في مناسبة سعيدة مثل الزواج ويقول: الإسلام اهتم بعقد الزواج أكثر من اهتمامه بالعقود الأخرى لما يترتب عليه من آثار تحمي المجتمع وأفراده وهو أساس تكوين الأسرة كما أن شريعة الإسلام ترغب المسلم في إدخال السعادة والسرور على نفسه خاصة في عقود الزواج فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف” وحينما جاء جابر رضي الله عنه إلى رسول الله وأخبره بأنه تزوج فتاة قال له: يا جابر “أولم ولو بشاة”.
. ويضيف: إذا كان الإسراف في الطعام والشراب قد حرمه الإسلام فإنه يكون في مثل هذه الحالات أشد حرمة ومن واجب مِنú يسر الله عليهم ووسع لهم في الرزق وأدخل عليهم الفرحة والسعادة أن يشكروا الله سبحانه وتعالى على ما أنعم به عليهم من نعم وأن يوجهوا المال إلى طريق الخير وأن ينفقوه في طاعة الله لأن كثرة أموالهم التي ينفقونها في المعاصي هي التي تكون سبباٍ في دخولهم جهنم وبئس المصير .
استفزاز اجتماعي
المفكر الإسلامي د . محمد عبدالغني شامة أستاذ الثقافة الإسلامية في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر يحذر من هذا الاستفزاز الاجتماعي من جانب القادرين خاصة في ظل ارتفاع معدلات الفقر في البلاد العربية ويقول: ما ينفق على حفل زواج ابن أو ابنة أحد الأثرياء يكفي لتزويج عشرات الشباب الذين لا يجدون متطلبات الزواج الضرورية وهذا الاستفزاز الاجتماعي من جانب القادرين مادياٍ يضاعف من حدة الغضب والسخط عليهم ولعل هذا الاستفزاز هو السبب وراء قيام بعض الشباب الثائر بحرق وتدمير بعض ممتلكات رجال الأعمال والأثرياء الذين اشتهروا بالسفه الإنفاقي في أفراحهم بينما وجدت ممتلكات رجال الأعمال الملتزمين الحريصين على احترام مشاعر الفقراء حماية من أعمال الشغب والانتقام الاجتماعي .
لذلك ينصح د . شامة القادرين مادياٍ في بلادنا العربية بالكف عن السفه الإنفاقي وعدم إهدار الأموال على حفلات ومهرجانات فنية لا يجني أصحابها من ورائها سوى المزيد من غضب الله وسخط الناس وحقدهم .
ويطالب أستاذ الثقافة الإسلامية بالأزهر بضرورة قيام رجال الأعمال والأثرياء بواجبهم الاجتماعي في مساعدة الشباب الفقير على الزواج عن طريق توفير مساكن ومتطلبات الزواج من أثاث وأجهزة كهربائية ومفروشات وغير ذلك على أن تقدم لهم بشكل كريم لا يجرح مشاعرهم ولا يشعرهم بالدونية

قد يعجبك ايضا