جامع المقري بجبل حبشي معلم إسلامي مهدد بالاندثار


إعداد / عبدالعزيز احمد سعيد الكبيبي –
أهميته التاريخية تعود للدولة الرسولية.. وعلى الجهات المعنية سرعة التحرك

إلى جانب ما تميزت به من انتشار للعديد من القلاع والحصون التاريخية على ربوعها سواء القديم أو الإسلامي منها – والتي لعبت الطبيعة التضاريسية الوعرة وقمم جبالها العالية دورا كبيرا في توفر أهم شروط ومقومات إنشاء هذه الحصون لتصبح بذلك وكما أطلق عليها قديما بلد الحصون ومفتاح الحجرية _ ضمت جبل حبشي والتي كان يطلق عليها قديما ( جبل ذخر ) العديد من المعالم والمباني الدينية والأضرحة الإسلامية لعل أهمها وأشهرها جامع وضريح الشيخ احمد بن علوان في يفرس .
ومما لا شك فيه أن هذه المنطقة قد حظيت باهتمام كبير إبان فترة حكم الدولة الرسولية حيث لعبت دوراٍ كبيراٍ في أحداث تلك الفترة وأنشئت فيها الكثير من الحصون والقلاع الحربية جنبا إلى جنب مع العمائر الدينية كالجوامع والأضرحة .
وبمرور الزمن ونظرا للإهمال التي تعرضت له هذه المعالم وامتداد أيادي العبث والتخريب إليها أصبحت معظمها أثرا بعد عين ومع هذا فما يزال بعض منها يقاوم حتى ألان ولكنها لن تصمد كثيرا فهي تلفظ أنفاسها الأخيرة وبانتظار من ينقذها .
من هذه المعالم أو المباني ( جامع عبد الكريم المقري ) في عزلة الشراجة والواقع تحت رحمة السيول الجارفة والتي يمكن أن تأتي على ما تبقى منه في أي لحظة بعد أن هدمت جزءاٍ منه مؤخرا .
وسنحاول هنا إعطاء صورة عن هذا الجامع وأهميته التاريخية والأضرار التي لحقت به والأخطار التي تتهدده وهي دعوة لكل الجهات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة وللمهتمين بالحفاظ على التراث الإنساني لإنقاذ هذا المعلم والحفاظ عليه.

إعداد / عبدالعزيز احمد سعيد الكبيبي
أخصائي آثار – الهيئة العامة للآثار والمتاحف
التسمية والموقع:
يطلق على هذا الجامع اسم جامع المقري وهو الاسم الذي يعرف به حاليا بين أبناء المنطقة وتوارثته الأجيال منذ القدم ويقع في قرية عرشان (زريبة الوجيه ) إحدى قرى عزلة الشراجه- جبل حبشي والواقعة علي السفح الجنوبي لجبل العرمه وهو جبل شديد الارتفاع حاد الانكسار .
تتوزع محلات هذه القرية علي ضفاف مجرى السيول الهابطة من أعلى الجبل والتي أدت إلى تشكل عدد من الأودية الصغيرة تتميز بخصوبة عاليه على ضفتي هذا المجرى وأهمها وأكبرها وادي الزريبة الذي زاد من خصوبته وجود غيل ماء دائم الجريان يقع اعلي الوادي في نهاية المنحدر الجبلي العالي استفاد منه السكان منذ القدم.فقاموا ببناء بركة كبيرة لتجميع المياه في منتصف المسافة نحو الجنوب الغربي بنيت بالأحجار والقضاض. ترتبط بها قناة طويلة متعرجة لجلب المياه إليها من الغيل .
ويقع الجامع أعلى الوادي في الجهة الغربية من مجرى السيول الهابطة وبالقرب من البركة الكبيرة التي شيدت أسفل السفح الجنوبي لجبل عرشان وعلى بعد حوالي 300متر منها في مستوى منخفض .
ونظراٍ لموقعه هذا على الضفة الغربية لمجرى السيول الهابطة من أعلى جبل العرمة ذي الانحدار الشديد ونتيجة لتوسع هذا المجرى مع مرور الزمن وزيادة الترسيب للأحجار والحصى التي تجرفها السيول من أعلى الجبل في المنطقة شبه المستوية بالقرب من الجامع فقد أدي إلي ارتفاع مستوي منسوب المجرى المائي الواقع إلي الشرق من الجامع عن مستوى الموقع الذي بني عليه الجامع وهو ما أدى إلى تعرضه المستمر للتدمير من جراء السيول الهابطة على الرغم من محاولات السكان المتكررة بناء الحواجز حوله لحمايته.في فترات مختلفة .
تاريخ الجامع :
ليس لدينا حتى الآن أية معلومات عن تاريخ بناء الجامع وفترة إنشائه والشخصية التي ينسب إليها الجامع لكن بعد البحث عن هذه الشخصية في المراجع التاريخية فقد توصلت إلى إشارة عن أقدم ذكر لها ورد في كتاب العقود اللؤلوية لمؤلفه الخزرجي والذي أورد ذكر وفاة الفقيه المقري عبد الكريم بن إسماعيل ضمن الأحداث التي وقعت في سنة717هـ ( وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح المقرئ عبد الكريم بن إسماعيل وكان يسكن في قرية الوجي بفتح الواو وكسر الجيم كسراِ مشبعاٍ وهي على قرب من مدينة جبأ وكان هذا عبد الكريم عارفاٍ بالقراءات السبع أخذ عنه الحداء وكان من صالح زمانهم وأخيارهم ما قرأ عليه أحد إلا انتفع ولا حقق عليه أحد شيئا فنسيه وكان في أول الأمر نساجاٍ ينسج الثياب وكان القارئ يقرأ عليه وهو يشتغل فلا يفوته من غلطه شيء . ثم ترك النساجة في آخر عمره واشتغل بالخياطة ولم يزل كذلك إلى أن توفي وكان قوته من صنعته وربما جاءه ضعيف فلم يرده خائباٍ وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله ).
ومن خلال النظر في النص السابق وما أورده الخزرجي عن هذه الشخصية والقرية التي عاش فيها والتي أوردها بلفظ الوجي والتي حدد موقعها بأقرب وأشهر مدينة في الإطار الجغرافي وهي مدينة (جبأ ) فإن المنطقة التي يوجد فيها الجامع مازالت تحمل نفس الاسم مع قليل من التحوير الذي قد يكون حدثاٍ لاحقاٍ مع الزمن وهو زريبة الوجيه تقع مدينة جبأ التي حدد فيها الخزرجي موقع القرية حالياٍ الى الشرق في قاع المسراخ .
لذلك فمن المحتمل أن تكون الشخصية التي سمي بها هذا الجامع -والتي عاشت إبان الحكم الرسولي على اليمن _ هي نفس الشخصية المذكورة وأن صح ذلك فإن هذا الجامع والفترة التي أنشئ فيها حتماٍ ستعود إلى فترة حياته والواقعة نهاية القرن السابع وبداية القرن الثاني الهجري إبان فترة الحكم الرسولي .
وعلى كل فإن هذا الجامع والموقع الذي أنشئ فيه وهي قرية زريبة الوجيه يضم معلمين تاريخيين آخرين بالقرب من الجامع لابد وان لهما علاقة بالجامع وشاهدين على أهمية المنطقة وحضورها التاريخي يحكيان إحداثا ووقائع واستيطان بشري غابر وهما :-
الأول : الحصن :- وهو حصن بني فوق قمة جبل عرشان ويشرف على الجامع من ناحية الشمال ويسمى هذا الحصن بحصن الوجيه وينسب إلى علي بن الوجيه المقري احد الفقهاء الذين عاشوا في فترة الدولة الرسولية ولكن لا أحد يستطيع الجزم في تاريخ وفترة إنشائه إلا أنه ومن خلال البناء فإن طابع بنائه إسلامياٍ .
يتم الوصول إلى هذا الحصن بواسطة طريق مرصوف بالأحجار المهندمة نسبياٍ يمكن من خلالها الصعود إلى قمته زودت في منتصفها وفي الجانب الشمالي الشرقي ببرج للحراسة ذو شكل دائري ما تزال بقاياه ماثلة للعيان أما الحصن فلم يبقى منه سوى بعض الأساسات وأكوام من الحجارة وبرك للمياه عددها ثلاثة بنيت بالأحجار وغطيت بالقضاض الصلب إضافة إلى العديد من مدافن الغلال .
ويدور حول الحصن سور بني بأحجار مهندمة ما تزال بقايا منه يمكن مشاهدتها في الناحية الشرقية الشمالية وقد تعرض الحصن للتدمير والتخريب في فترات لاحقة.
الثاني :- البركة وقد بنيت في أسفل السفح الجنوبي للجبل الذي يقع على قمته حصن الوجيه إلى الشمال من الجامع وعلى بعد حوالي 300 متر منه وهذه البركة كبيرة مبنية بالأحجار وغطيت بالقضاض دعمت الجداران بجسور حجرية من الخارج.
وقد زودت في نهاية الجدار من الناحيتين الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية مصرفان لتصريف المياه منها .
ويوجد على جدار البركة من الداخل نقشان منفذان على مادة القضاض وبالحفر البارز أحدهما يحمل عبارات دعائية والثاني تاريخ إنشاء أو ترميم البركة لكن معظم كلمات وحروف النقش قد تآكلت وطمست .
ويمكن القول أن هذا الحصن والمسمى حصن الوجيه والبركة والجامع تربطهما علاقة وطيدة في فترة الإنشاء فالحصن إما أنه قد تم بناؤه قديماٍ ثم أعد استخدامه في الفترة الإسلامية ولنظر إلى حملها لأسم الوجيه وبعد البحث عن شخصية تحمل هذا الاسم لقد عثرنا على أسماء لشخصيات عديدة أوردها الخزرجي منها أسماء لقادة عسكرية وقضائية وفقهاء وجميعها عاشت خلال فترة حكم الدولة الرسوليه وهي الفترة التي عاش فيها مؤسس فيه جامع المقرى وهو مايوحي بعلاقة هذه المعالم الثلاثة وصلتها الكبيرة بالفترة الرسولية .
وقد يعود السبب في اختيار هذا المكان لتوفر منبع مياه دائم في نهاية سفح جبل القرية وخصوبة الوادي الزراعي في هذه المنطقة إضافة إلى طبيعة المنطقة الجبلية والحصانة الطبيعية وكونها تشرف على المنطقة السهلية الممتدة من وادي بني خولان شرقاٍ وحتى الكدحة غرباٍ والمناطق المحيطة بها من الشمال والجنوب .
تخطيط الجامع وعناصره المعمارية:
يتميز هذا الجامع بحجمه الصغير حيث يحمل الشكل المربع طول كل ضلع فيه حوالي 11 متر بني من الأحجار وغطي بالقباب عددها 9 تسع تقوم على عقود مدببة تحملها أربع دعامات ضخمة وهذه الدعامات قسمت الجامع إلى ثلاثة بلاطات تغطي كل بلاطة ثلاث قباب وقد سقطت قبتان من القباب التي تغطي البلاطة الثلاثة الأخيرة الجنوبية وهي الشرقية والوسطى أما الغربية فقد سقطت معظمها ولم يبقي فيها غير جزئ صغير
وقد بنيت هذه القباب من أحجار صغيرة جداٍ لسهولة التحكم في شكل القبة ولعدم توفير الياجور في المنطقة وهي المادة التي تشيد عادة منها القباب
وتتكون مناطق الانتقال في هذه القباب من المقرنصات ويتوسط المحراب الجدار الشمالي
ويبرز حوالي إلى 30 عن مستوى الجدار الشمالي من الخارج ويعلوا المحراب عقداٍ دائري ولا يمكن معرفة إبعادها لان أرضية الجامع من الداخل مدفون بالطين بارتفاع 2 متر تقريباٍ وليطهر من المحراب سواء العقد الذي يعلوا وقد استخداما القضاض الصلب لكثرة في تغطية جدار الجامع من الداخل والخارج
وكذلك القباب وكمادة رابطة بين الأحجار وقد تساقط معظم القضاض الذي كان يغطي بطون القباب من الداخل وأجزاء من الجدران.
ويتميز الجامع بوجود الفواصل الخشبية التي تتخلل صفوف الأحجار المبني فيه الجامع من الداخل.
وقد غطيت الجدران الداخلية للجامع بطبقة من الملاط المكون من القضاض والجص تساقطت في بعض الأماكن ويمكن ملاحظة عدة طبقات منها في أماكن لتهشم تصل إلى سبع طبقات وتدل على مراحل الترميم التي تعرض لها الجامع قبل تهدمه .
أما الأبواب الخاص به فلعلها كانت موجودة في الجدار الجنوبي والذي تهدم ولم يعد يظهر سواء جدرانه السفلية وعلى كل فإن الجامع يصعب حالياٍ دراسته ولذلك لان مساحته الداخلية مدفونة فإن الطين ارتفاع إلى حوالي 5 متر حتى أعلا الدعامات .
المشاكل التي يعاني منها الجامع ومتطلبات الإنقاذ
يقع الجامع في ارض زراعيه وعلى بعد حوالي 20 متر منه وفي الجهة الشمالية الشرقية يوجد مجري هائل للسيول (سائله ) تجري فيها السيول المنحدرة من أعالي الجبال بقوة وكمية كبيرة في فصل الصيف ونظرا لجرف السيول وما تطرحه من حصى ون-يس وأحجار في هذا المجرى فقد أدى إلى ارتفاع مستوى المجرى عن مستوى الأرض الموجود عليها الجامع وهو ما يجعله تحت تهديدها في أي لحظة ومعرض للجرف والتدمير النهائي .
وقد أدت السيول سابقا وبسبب تسرب بعضها إلى مكان الجامع إلى تهديم جداره الجنوبي وسقوط ثلاث قباب من قبابه التسعة وترسب طبقات الغرين فيه إلى ماهي عليه الآن .
لذا فالجامع بحاجه قبل البدء في ترميمه إلى بناء جدارين على الجانبين الشرقي والشمالي الشرقي بمحاذاة المجرى المائي حتى تعمل على صد السيول الجارفة التي تتهدده وبالتالي حمايته منها .
2- يوجد الجامع في نهاية أرض زراعية تحيط به كثير من الأشجار والحشائش والتي تشكل خطراٍ على البناية وهو مايتطلب عزل الجامع بجدار ساتر عن الأرض المزروعة لكي يعمل علي منع تسرب المياه التي تستخدم في الري إلى داخل الجامع إضافة إلى إزالة الشجيرات والحشائش التي تحيط به .

3- إخراج الطبقات الطينية من داخل الجامع والتي تغطي أرضيته وإظهار الأرضية الأصلية له .
4- إعادة بناء الجدار الجنوبي والقباب التي سقطت بنفس طراز البناء المتبع في الجامع الموجود .
5- استكمال بقية الترميمات الداخلية والخارجية والقباب .
وفي الأخير فإننا نضع بين أيديكم هذا الأثر التاريخي المعرض للزوال في أي لحظة وكلنا أمل أن يجد لديكم صدى وتعاوناٍ في إنقاذه خاصة وان الجهات المعنية بذلك للأسف لم يعد يهمها حتى حماية ما تبقى منه وهي معانات تعاني منها جميع معالمنا التاريخية والأثرية.

قد يعجبك ايضا