الحمـــدي حـي يــرزق فـي ســـيئون !


عباس السيد –
سالم باعاطل :
الحمدي شاعر كبير .. وصالح لا يحكم أبعد من صنعاء .. والبيض يستحق الشنق !!
الجنوب دولة عظمى .. والإتحاد السوفيتي كان بحاجة لنا وليس العكس
حضرموت كانت دولة .. وأصحاب أبين والضالع هواة انقلابات

يشعر كل من يزور حضرموت باحتفاظ هذه المحافظة بخصائصها الثقافية والاجتماعية المختلفة كما يلمس حرص أبنائها على المحافظة على هذه الخصائص والاعتزاز بها وقد خلق ذلك ما يمكن تسميته بالهوية الحضرمية قد تكون تلك الخصوصية إثراء للتنوع الثقافي والحضاري لليمن بشكل عام وقد لا يكون كذلك في حالة التوظيف السياسي لهذه الخصوصيات من قبل أشخاص أو جهات محلية أو خارجية .
وباستثناء بعض الفعاليات المحدودة فإن حضرموت لم تنخرط في ما بات يعرف بالحراك الجنوبي إلا في وقت متأخر قد لا يعني ذلك رفضا لمطالب الحراك بل لأن حضرموت والحضارم لهم أساليبهم وأدواتهم الخاصة للتعبير عما يريدون وغالبا ماتكون بلا ضجيج .

صور الرئيس » السابق « معلقة في كل مكان .. أعلام اليمن الموحد ترفرف بكثافة هنا وهناك ولا أثر للحراك ومع ذلك تظل الصورة الحقيقية غائبة عنك .
كمواطن من المحافظات الشمالية لم أجد في حضرموت عندما زرتها في 2010م ما يزعجني كما لم أشعر بأنني شخص غير مرغوب فيه ومع ذلك كانت العملة » الريال « هي أكثر القواسم » اليمنية « المشتركة حضورا بيننا إلى أن وجدت » الحمدي « في أحد أحياء مدينة سيئون .
الحمدي رمز وحدوي حقيقي من عهود التشطير .. كم نحن بحاجة له ولأمثاله في هذه الأيام الصعبة المثقلة بأوزار الوحدويين والإنفصاليين على السواء.
الحمدي الرئيس الشهيد حي يرزق في سيئون رأيته من داخل سيارة الأجرة في بوابة ناد ثقافي بشارع فرعي في أحد أحياء سيئون عاصمة شمال حضرموت.
في ثوان معدودة مرت سيارة الأجرة أمام بوابة المبنى وفوق البوابة لوحة كبيرة كْتب عليها : » النادي الثقافي بحي الحمدي « أدرت رأسي إلى الخلف في محاولة لإمعان النظر في اللوحة التي بدت استثناء مدهشا من حيث الزمان والمكان لم أتمكن من التحقق منها فتركتْ ذلك إلى حين عودتي من نفس الطريق وللأسف لم يمر » تاكسي العودة « من نفس المكان الذي لم يكن بعيدا عن الفندق الذي وصلت إليه وعزمت على مواصلة البحث في وقت لاحق .
أخذت مفتاح الغرفة ثم سألت أبا بكر موظف الاستقبال في الفندق : هل يوجد حي قريب من هنا اسمه حي الحمدي ¿ فأجاب : نعم وأضاف : ولكنه لم يعد يسمى كذلك فقد تحول اسمه بعد دخول » قوات الشرعية « في 1994م إلى » حي السحيل ».. مفارقة مثيرة تستحق الكثير من التأمل !! .
المهم أدركتْ أن قراءتي للوحة كانت صحيحة وقبل أن أصعد الدرج سألت » باعاطل « الذي كان يؤيد إجابة أبي بكر مع أنه كان منهمكا في ترتيب علب المشروبات داخل الثلاجة وهو شاب في الثلاثينات من العمر ويعمل في خدمة نزلاء الفندق سألته : هل تعرف الحمدي ¿ أجابني بثقة العارف : نعم قلت من هو ¿ قال : الحمدي شاعر حضرمي كبييييير .. لم أستطع تمالك نفسي من الضحك ونزلت بضع الدرجات التي كْنتْ قد صعدتْها عائدا إلى بهو الفندق الصغير لتصحيح معلومات » باعاطل « الذي بدا متذمرا من ضحكتي على اجابته .
جلستْ على الأريكة لتقديري بأن مهمتي ستطول وقلت له أن الحمدي ليس شاعرا حضرميا كبيرا كما قال بل رئيس ما كان يعرف بـالشمال خلال السبعينات من القرن الماضي حينها اشتعل » باعاطل « غيضا وصرخ : إيش دخúلِنا برئيس الشمال حتى نسمي الحي باسمه ¿! .
خرج » باعاطل « عن كياسته وهدوئه اللذين عهدته عليهما خلال الأيام الأربعة السابقة وهي سمة سائدة في معظم أبناء حضرموت وتحول فجأة من نازل في فندق إلى سياسي من الطراز الأول وبدأ في عرض رؤيته حول الوحدة وتشريح الظروف السياسية والاقتصادية المصاحبة .. قال »باعاطل«:
عندما دخلنا الوحدة كنا نعتقد بأننا سنتطور ونصبح مثل سوريا أو الأردن أو .. .. قالوا لنا أن الوحدة مع الشمال أصبحت ضرورية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانقطاع الدعم الذي كان يقدمه للجنوب .. هذا كلام غير صحيح الجنوب دولة عظمى والاتحاد السوفيتي كان بحاجة لدعمنا وليس العكس حضرموت وحدها كانت دولة .. مساحتها شاسعة لديها موانئ .. إمكانات زراعية واقتصادية وثروات نفطية .. ويواصل » باعاطل « :
الناس في كل العالم » يشفطوا « النفط بأنبوب واحد بينما في حضرموت » يشفطوه باثنين بيبات« ويسألني : تعرف ليش ¿ لم ينتظر إجابتي لأنني كنت مستغرقا في الضحك فأجاب على سؤاله : لأنهم يعرفون أن بقاءهم في حضرموت لن يطول .
توقف » باعاطل « عن الحديث ونهض لتلبية طلب أحد نزلاء الفندق ثم عاد لمواصلة حديثه قائلا: لا نريد وحدة مع الشماليين ولا مع أصحاب أبين والضالع علي صالح لا يحكم ابعد من صنعاء والبيض يستحق الشنق.. حضرموت كانت دولة أصحاب أبين والضالع هواة انقلابات كل سنتين إلى ثلاث يعملون مذبحة .. إيش معانا منهم¿!.
أبوبكر الذي كان يتابع حديثنا من مكانه خلف كاونتر الاستقبال علق على آراء »باعاطل« وهو يبتسم قائلا : لو أنهم وظفوك لما كان هذا موقفك .
وضع ابوبكر اصبعه على جرح باعاطل وقدم لي الفرصة لمعرفة الخلفيات التي دفعت » باعاطل« لاتخاذ تلك المواقف فسألته عن قصة التوظيف التي يتحدث عنها أبوبكر .. أخذ نفسا عميقا اتبعه بجرعة ماء وبدأ يسرد بمرارة قصة الوظيفة التي ضاعت منه بقرار استغناء بارد.
يتذكر باعاطل عندما اعلنت الوحدة في عدن كان حينها على وشك الدخول في امتحان الشهادة المتوسطة ولكنه لم يستطع مواصلة الدراسة بسبب ظروفه الاجتماعية والمادية بعد وفاة والده تحمل باعاطل مسؤولية رعاية الأسرة والانتقال من عمل إلى آخر لكسب قوتها وهو لا يزال في مقتبل العمر .
باعاطل الذي أصبح متزوجا وأبا لطفلته سعاد وقبل أن يحصل على عمله الحالي في الفندق إن لم يكن قد سْرح منه أيضا كان يعمل مع عشرات من زملائه قرابة عشر سنوات متعاقدا في ما كان يعرف بـ » المشروع الروسي « المتخصص في حفر الآبار الارتوازية العميقة والتابع لمكتب الزراعة بحضرموت مقابل أجر شهري زهيد جدا جدا.. لا يتناسب مع الأعمال الشاقة والخطرة أحيانا التي كان يقوم بها وزملاؤه في مناطق الوادي والصحراء .
يقول باعاطل : بعض زملائنا تعرضوا لحوادث مؤلمة أثناء العمل البعض فقدوا أصابعهم .. وتم التخلي عنهم دون أن يحصلوا على أي مساعدة أو تعويض لم نكن نرفض أي مهمة نعمل في أي وقت وفي أي مكان وتحت أي ظرف لم يكن ضعف الراتب يقلل من إخلاصنا وتفانينا في العمل لأننا كنا على أمل بأن يتم استيعابنا كموظفين ثابتين في مكتب الزراعة كما كانوا يعدوننا .
وبعد حوالي عشر سنوات من العمل توقف » المشروع الروسي « فتخلى المكتب عنا .. قالوا لنا مافيش اعتماد .. تم تسريحنا جميعا دون أن يعترفوا لنا بأي حقوق حاولنا التظلم والشكوى فلم يسمع لنا احد .
ذلك هو جرح باعاطل ومعاناته الحقيقية .. وما حمى التشطير والانفصال إلا أعراض لها.

aassayed@gmail.com

قد يعجبك ايضا